الأحد، 1 نوفمبر 2009

الولي والمولى ( العرب والموالي )

الولي والمولى ( العرب والموالي )
الطيب آيت حمودة

 

 

المتصفح لكتب التراث يلحظ تعدد التسميات للعبودية والعبيد ، فترد أسماء لها مدلولاتها في قاموس العبودية عند العرب منها : العبيد ، والاٍيماء ، والرقيق، والجواري ، والموالي، والعجم ،والحمراء ، والسوداء ، والأقنان ، والنخاسة ، وألأسرى ، والسبايا ،... ، ولكل تسمية مدلولها اللغوي والاٍصطلاحي وهو ما يبرز شدة عناية العرب بها باعتبارها موردا هاما في حياتهم الاجتماعية والاٍقتصادية قبل الٍاسلام وبعده . وسأقتصر هنا على مظهر من مظاهر العبودية تفشى بفعل ازدياد عدد المسلمين نتيجة اتساع رقعة الدولة الاٍسلامية التي أفرزت طبقة جديدة من المسلمين الجدد عرفت في التاريج باسم الأعاجم تارة والموالي أخرى .
من هم الأعاجم والموالي :
الموالي هم عبيد ، وأسرى حرب أعتقوا ، فأصبحوا أحرارا ، غير أنهم مرتبطين اٍسميا بمعتقهم برابطة الولاء ، أو التبعية ، فصفة الولاء تستلزم التناصر والتعاون بين المولى ومعتقه ، والأعاجم هم نفسهم الموالي بتصنيف التغرب والتبربر في اللغة ، وهو مصطلح أطلق على المسلمين من غير العرب ، وهو صورة من صور الاٍستعلاء العربي على الأقوام المسلمة غير العربية ، لأن العجمة معناها البهيمة ، والمرأة غير العربية تلقب بالعجماء ، بمعنى البهيمة . وأطلقت التسميتان تجاوزا على كل المسلمين من غير العرب مثل الفرس والترك والأقباط والهنود والبربر وكل من ليس أرومة لها انتماء للعرب .
موقف الاٍسلام من العبودية .
لم يحرم الاٍسلام عبودية الاٍنسان لأخيه الاٍنسان ، لكنه عمل على تجفيف مصادره ، وشجع العتق بمختلف صوره وأشكاله ، وسن للعبيد حقوقا أوجب العمل بها ، وترك للعربي المسلم حرية المبادرة في استكمال تحرير الاٍنسان تبعا لقناعة المؤمنين والفقهاء الذين أساءوا التقد ير ، وشجعوه من حيث لا يدركون ..؟ وجاءت بعض النصوص منفرة من التحرر ، داعية اٍلى قبول الاستعباد واستساغته باسم الدين ، كما هو الحال بشأن العبد الآبق .وهو ما ولد الاٍحباط والنقمة ، وفتح أبوابا للتمرد كما حدث أيام ثورة الزنج الذين قلبوا ظهر المجن ، وعاملوا العرب بنفس الاٍزدراء الذي عوملوا به ، واحتراما لمنهجية الموضوع فأنا أقصرالحديث عن أبسط وأرحم مظاهر الاٍستعباد في شاكلة الموالي ، وترك الباقي من المظاهر اٍلى حين وقتها وتوفر فرصتها .
الموالي في الدولة الاٍسلامية :
اٍن منزلة المولى أقل وأدنى من منزلة الحر ، وهي استعباد بأرق معانيه ، وقد يفهم أن المسلم المعتق يكون مولى بالجبر ، وقد يكون مشابها للتجنس والتبني ، وللتماثل مع العرب في الحقوق لا بد من الاٍنتماء بالولاء لأسرة عربية ، والتي تقوم مقام طلب الجنسية في أيامنا هذه ، ومن صوره الوكيل المعمول بها في دول الخليج اٍلى يومنا هذا . وهو رابطة تشد العبد بعد عتقه إلى مالكه الذي مَنّ عليه بهذا العتق، وهو لون من ألوان العرفان بالفضل للمالك الذي وهب العبد حريته، ولكن هذه الحرية كانت مقيدة مشروطة، فالعبد العتيق يظل يدين لسيده ويتمتع بدرجة وسطى بين العبودية والحرية.
فالبلاد التي يصلها الاٍسلام عنوة ، ينظر اليها على أنها دار حرب ، يجوز فيها الاسترقاق والسبي، فالأسير مخير بين القتل والاٍسترقاق ، والفداء ، أو المن بغير فداء ، واٍذا أسلموا يسقط القتل ويبقى الإسترقاق أقرب الٍاحتمالات ، فكل ما في البلاد المفتوحة من الضياع والبهائم والبشر ملك للعرب الفاتحين ، وهو منهج وتشريع ورد على لسان الرحمن في حق المقاومين للاٍسلام في سورة محمد ، وعرفت بلاد المغرب الاٍسلامي هذا الصنف من الاسترقاق نتيجة غزو البلاد ، وترد الاٍحصائيات أن عدد السبايا والعبيد الأمازيغ الذين أرسلوا كخمس الغنيمة اٍلى مركز الخلافة بدمشق تجاوز المعقول ، فاٍذا كانت البلدان المفتوحة تمد بالأموال والأشياء الثمينة ، فاٍن بلاد المغرب كانت الخزان الذي لا ينضب للعبيد الرقيق، الذي يرسل إلى مركز الخلافة الإسلامية وأسواق نخاستها لبيعهم واستعمالهم في الفلاحة وغيرها ....وقد تم عد:
80.000 في عهد عقبة بن نافع ، و35.000 في عهد ولاية حسان بن النعمان ، و100.000 في عهد موسى بن نصير ، أما النساء البربريات فكن مشهورات في قصور الخلفاء والأمراء ، فكانت اٍحداهن تباع بما لا يقل عن ألف قطعة ذهبية . [1]واٍذا كان هذا العدد يمثل خمس الغنيمة ، فالغنيمة الحقيقية قبل تقسيمها على خيالة العرب تعد بمئات الألوف ..؟ ولا غرو بأن ما اشار اليه المؤرخون من أن جَل الخلفاء العباسيين من السبايا ، بحيث أن 34 من أصل 37 من أمهاتهم من أصول غير عربية ( سبايا ) فعلى سبيل المثال (أن الخيزران السبية ولدت موسى الهادي وهارون الرشيد ، وأبو جعفر المنصور أمه جارية بربرية اسمها سلامة ، ومراجل الفارسية هي أم المأمون ، والمعتصم أمه جارية اسمها ماردة ، والواثق أمه جارية اسمها شجاع .) [2]، لذا يمكن القول بأن خلفاء بني العباس هجناء .
وأكثر السبي كان في فتح الأندلس ، فقد ذََكروا أنهم ظلوا يبيعون الأسرى والغنائم مدة ستةأشهر . [3] ، كما تكاثرت الأسرى على المسلمين بعد واقعة عمورية ، حتى نادوا على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة للسرعة [4] وكثر السبي والاٍسترقاق في واقعة الأرك في الأندلس حتى بيع الأسير بدرهم ، والسيف بنصف درهم [5] .
ومن غرائب الأمور أن السبي والاٍسترقاق تضاعف باسم الٍاسلام، وكان أكثر المسترقين من نتائج الأسر أثناء المد الإسلامي ، بسبب كثرة ما يقع بين أيديهم من الأسرى ، فكلما غلبوا جندا أو فتحوا بلدا أسروا رجاله وسبوا نساءه وأطفاله ، واقتسموا الأسرى والسبايا والغنائم ، وهي كثيرة ... فيختمون أعناقهم ، ويقسمونهم على الأسهم ، وقد يصيب الفارس من العرب مائة أسير ، ومائة جارية ، في معركة واحدة ، فيجتمع عند بعضهم بتوالي الأيام الف عبد أو أكثر [6] وكانت نظرة العرب للبلد المفتوح عنوة بأنها ملكا لهم ، بما فيها من الناس ، والدواب ، والبساتين ، والأنهار، والأشجار ، ( أهلها عبيدنا ندير عليهم كيف شئنا ) حسب تعبير عمر بن العاص حسب ما ورد في الكامل لابن الأثير . وهو الأمرالذي ساعد على ازدهار أسواق النخاسة بين المسلمين، في شاكلة لا تختلف في كثيرها عن أسواق البهائم العادية ، فأصبح بنو البشر الذين فضلهم الله على مخلوقات الأرض ، في تعداد البهائم والدواب يعرضون للبيع كالمتاع وبأبخس الأثمان . ومن أغرب الأمور المذكورة أن بعض أهل الذمة من بلاد المغرب الاٍسلامي كانوا يؤدون الجزية من رقيق أولا دهم[7] ، ومثله يفعله اهل البلد عند عجزهم عن تسديد الخراج .
ورغبة في الحفاظ على التفوق العددي للعرب ، لجأ بعضهم اٍلى الاٍستكثار والاٍستلحاق ، خاصة وأن الظروف مواتية وعدد الجواري والسبايا في تزايد ، من قبطيات ، وبربريات، وروميات وفارسيات ، واستكثروا من أمهات الأولاد فضلا عن الزوجات ، بعضهم أحصن ثمانين امرأة معا ، والمغيرة بن شعبة جمع في داره أربع نسوة و76 أمة [8] وذكروا أنه وقع على الأرض من صلب المهلب 300 ولد ، وخلف عبد الرحمن بن الحكم الأموي 150 ذكرا ، و50 أنثى ، وكان لعمر بن الوليد تسعون ولدا منهم ستون يركبون الخيل [9] .
وحافظ الموالي المسلمون بانتسابهم للذين أعتقوهم بعد السبي ، مثال طارق بن زياد مولى موسى بن نصير ، أو أبو المهاجر دينار مولى عثمان بن عفان ، وابن الأعرابي سندي الأصل، ,ابو دلامة كوفي أسودا كان عبدا لرجل من بني اسد فأعتقه .
وحاول الكثير من الموالي النبهاء التقرب من العرب والاٍنتساب اٍليهم للتخلص من مظاهر الحيف والاٍزدراء الذي لحق بهم باسم التبعية والولاء ، فكان من هؤلاء ابو مسلم الخرساني الذي ادعى النسب العربي ،ومثله فعل المعز لدين الله الفاطمي ، والمغني الشهير اسحاق الموصلي ... ويفعله حاليا باسم الموالاة للعرب عثمان سعدي ، ومحمد عابد الجابري وغيرهما من السائرين والمواكبين لهالة القداسة العربية ، الطامعين في مغانم دنيوية على حساب أصولهم الحقيقية .
الحيف في ظاهرة الولاء :
وبالرغم من أن الموالى ( وهم من أهل البلاد الأصلية الذين أعتنقوا الإسلام ) وأولاد الجوارى المسلمين الذين كان آباؤهم عرب، غير أن ذلك لم يحررهم من اٍذلال حكم الخلافة ألأموية ، حيث منعوا من تقلد الوظائف العالية، التى ظلت حكراً على العرب ، ولم تشفع آيات التساوي ، ولا أحاديث أسنان المشط ، وبقي العربي متعاليا مذلا للموالي في أغلب فترات الحكم الأموي ، ولم يسجل التاريخ الشيء الكثير في ارتقاء الموالى اٍلى مصاف العرب، في الحكم والسيادة والقضاء ، اٍلا بعد أن أنتزعوه بفهومهم ،وبأس سيوفهم أيام بني العباس . مصداقا لقول أمير الشعراء:
وللحرية الحمراء باب ، بكل يد مضرجة يدق .
وأهم ما يلحظه المرء هو بقاء العبودية في ظاهرة الولاء ، لأن المسلم المولى لا يتمتع بمزايا المسلم العربي ، فهو يعد تابعا ، أخطاؤه يحاسب عليها ، وحسناته وصوابه يشاركه فيه الولي العربي ، وكثيرا ما قام الموالي بجلائل الأعمال لفائدة الاٍسلام أيام الحرب والسلم ، اٍلا أن جهدهم يذهب أدراج الرياح ، ومنعوا من ركوب الخيل في الغزو، ولم تعط لها حقوقهم في الغنيمة ، ويقدمونهم في المعارك في الصفوف ألأولى ، ويتأخر العرب . ومنعوا من تولي القضاء ، واٍمامة المؤمنين للصلاة ، وفرضت عليهم الجزية ولو بعد اٍسلامهم ، وعندما أقر الخليفة عمر بن عبد العزيز اٍعفاءهم ، قالوا اٍن موارد بيت المال شحت ، فأجابهم بقوله : أرسل الله محمدا هاديا ، ولم يرسله جابيا . كما منعوا من الزواج بالعربيات رغم تعارض ذلك مع العقيدة ....
الموالي بين الأمس واليوم :
كثيرا ما تصطدم بآراء مليئة بالشنئان ضد كلمة حق تقال ، من طرف أناس تماهوا مع قومية العرب حبا في الٍاستئثار بما استأثروا به ، أو طمعا في بلوغ مراتب ريادية لم يبلغها الموالي ( ألأعاجم ) ، ولا ألوم العرب الأقحاح واٍن كنت لا أثق في قحهم ولا في نقائهم ، وهم الذين ذابوا اٍثنيا واجتماعيا في الأقوام التي استقبلتهم ( ألأمازيغ ) ، وحتى الذين يشعرون بأنهم مرابطين من آل البيت ومن نسل ادريس الأكبر ، هم في الحقيقة هجناء ، وخليط من الأمازيغ والعرب ، بحكم التزاوج القائم بين اٍدريس الأكبر العربي ، وزوجه كنزة ألأمازيغية ،
ولومي أشد على الذين يتشدقون بالقول بأنهم أمازيغ لكنهم تنصلوا من أمازيغيتهم ، وضربوها في المقتل ، حتى قيل: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من الحسام المهند ، وهم على شاكلة : سانت أوغسطين الذي تماهى مع الرومان على حساب أهله وبلده ، وواكب ذوي السلطان على حساب أهل الحق ، ولكنه كان أقل ايذاء من أوغسطينات اليوم ،الذين غيبوا الحق طمعا في أموال البترودولار العربي ،وتنكروا لجنسهم مثل الشواذ الذين لا يرتضون جنسهم، واستبدلوه بجنس آخر مثيل . ومركزية العرب لن تقبلهم مهما بذلوا من جهد ، ومهما حاولوا لباس لبوس غيرهم وتزينوا بعقالهم وعبائتهم ، لأن القوم العربي لا يقبلون اٍلا من كان من طينتهم ، وهاهو أحد جهابذة القومية العربية (القذافي ) يقر بأن عرب شمال اٍفريقيا ، هم عرب من الدرجة الثانية ...؟ يَقربون ( بضم الياء) من مركز القوم عند الحاجة ، ويستبعدون عند غيابها ، مثلهم مثل ألأنجليز في نظرتهم للرياضيين السود ، فهم بريطانييون عندما يفوزون ، وغير بريطانيين عندما ينهزمون ..؟ والعرب عندما شعروا بميوعة الجامعة العربية واختلاط الموالي فيها ،عمدوا اٍلى تأسيس ما يعرف بمجلس التعاون الخليجي ، على شاكلة الاٍتحاد الأوروبي ،يضم ست دول عربية قحة دون غيرها هي (السعودية ،عَمان، والإما رات العربية المتحدة ، والبحرين، وقطر،والكويت ) ولعل في ذلك عضة لمن يتعض .

خاتمة:
بالرغم من الهزات المتتالية التي عرفها العالم في تحريم العبودية بأشكالها ونغماتها وألوانها ، اٍلا أن الأمة العربية لازالت في غيها واستعبادها لبني البشر، وهي في أشد الحنين لبدويتها الماضية ،المتأصلة التي تختفي حينا ، وتتأجج كثيرا ، وهو ما يظهر في تعالي أهل الجزيرة والخليج اليوم على حساب السخرة من الموالي الجدد، من بني بنغلاديش و باكستان وسيلان ، الباحثين عن لقمة العيش تحت ركام عنصرية بعض العرب، التي لم تعر لأخوة الاٍسلام وحق الجوار شيئا يذكر ، وكل ما فعلوه هو استبدال الأسماء مظهرا ، لا مخبرا ، فأصبح العبد فتى والأََمة ( بفتح الألف) فتاة ، وتحدوا الاٍسلام والمواثيق الدولية في العدالة والمساوة ، وكانوا نقمة على الاٍسلام ، بعد أن أظهروا جانب السوء ، وهم أولى بتبيان الحق والاٍمتثال لأوامر الرحمن قبل غيرهم ، لأنهم ذاقوا حلاوة الاٍيمان ،وتنعموا بقربهم من بيت الله الحرام .
المراجع / :
. ) LA BARBARIS MUSLMANE ( georges MARCAIS [1] :/
[2] العقد الفريد وأحمد أمين في ضحى الاٍسلام . [3] نفح الطيب . [4] ابن الأثير . الكامل في التاريخ . [5] المقري، نفح الطيب ج1 ص209 [6] ابن الأثير ، الكامل في التاريخ [7] المقريزي تاريخ . [8] ابو الفرج ا-لصفهاني ، الأغاني ج14 ص 143[9] ابن عبد ربه، العقد الفريد ج2 ص 258 .

 

 

 

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe