الأحد، 15 نوفمبر 2009

هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الأول



هذه حصيلة حوار طيب وراقي دار بيني وبين بعض الأخوة الأفاضل من القراء والكتاب في أحد المنتديات في الأيام الماضية حول مقالين لي الأول بعنوان: (هل التوراة والإنجيل كلام الله؟)، والثاني بعنوان: (هل القرآن كلام الله، رد على المستشار شريف هادي)، فرأيت أن أنشر هذا الحوار ليطلع عليه من يريد تزويد حصيلته الفكرية حول هذا الموضوع، والحوار طويل جدا فقد جاء فيما يقرب من مائة صفحة، فرأيت أن أنشره في أجزاء تباعا، وهذه كانت أولا المداخلات بيني وبين بعض الأخوة القراء حول هذا الموضوع.


(رد بواسطة نهرو طنطاوي)

أخي الأستاذ عز الدين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ومرحبا بك أخي الكريم

قلت في تعليقك: (القرآن كلمات الله ذاتها). انتهى

كيف؟؟ وهل يمكن تفصيل ذلك؟؟ أو بعبارة أخرى هل تقصد أن الله تكلم بالقرآن بكلام منطوق مسموع أم تقصد أن الله خلق هذا الكلام؟؟ لم أفهم ماذا تقصد بعبارتك هذه؟؟

وقلت: (والقرآن هو كلام الله أنزله إلى الرسول الكريم، ولكنه لم يكن شيئا ملموسا ككتاب كما طلب الكفار، بل كان كلاما يُتلى. ولكنه كان كلام الله بنصه وقد نقله إلينا محمد عليه السلام.). انتهى

هل تقصد أن الله أنزل القرآن على هيئة كلام يتلى بهذا النص الموجود بين أيدينا اليوم وقام الرسول بنقله إلينا؟؟ إذاً فمن الذي تلا هذا الكلام على الرسول ومن الذي نطق به هل هو الله أم جبريل؟؟ وما برهانك على أن الله نطق بالقرآن وتلاه على رسوله أو ما برهانك على أن جبريل هو من نطق بالقرآن وتلاه على الرسول؟؟.

وقلت: (فالقرآن بنصه وكلماته من رب العالمين، وقد نقلها إلى رسولنا الروح الأمين، وطلب الله من الرسول أن لا يتعجل فى نُطق كلمات الله حتى يُقضى إليه وحيه، ثم يتبع قراءة الله للقرآن على لسان جبريل عليه السلام، وبذلك ينطقه صحيحا كما أُنزل من عند الله.)انتهى

إذا كان النقل الذي قام به الروح الأمين نطقا كما تقول، إذاً فكان من المفترض أن يكون نص سورة البقرة كالتالي: (نزله على أذنك) بدلا من (نزله على قلبك) وكان من المفترض أن يكون نص سورة الشعراء: (نزل به الروح الأمين* على أذنك لتكون من المنذرين) بدلا من قوله: (نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين).

فهناك فرق لائح بين عمل الأذن وبين عمل القلب، وإن كنت تقصد بكلامك أن النص نزل كلاما منطوقا على القلب فكلامك يخالف الطبيعة البشرية التي تتلقى الكلام المنطوق المتلو بالأذن وليس بالقلب، وإن كنت تقصد أن الكلام المنطوق نزل منطوقا متلوا على قلب الرسول كما فهمت من قولك فقولك هذا يحتاج إلى برهان.

وقلت: (وطلب الله من الرسول أن لا يتعجل فى نُطق كلمات الله حتى يُقضى إليه وحيه، ثم يتبع قراءة الله للقرآن على لسان جبريل عليه السلام، وبذلك ينطقه صحيحا كما أُنزل من عند الله.)انتهى

من قال لك وكيف علمت أن جبريل له لسان يتكلم به وما برهانك على ما تقول؟؟

وقلت: (وكذلك فإن جمع القرآن وقراءته وبيانه على الله سبحانه الذى حفظ كتابه الكريم.)انتهى

اعتبرني غير مؤمن بالقرآن واذكر لي برهانا واحدا ماديا من غير القرآن على أن الله هو من حفظ القرآن وأنه قرأه وأنه هو من جمعه وبينه؟؟ وهل لو أحضرت لك كتابا ما غير القرآن ثم قلت لك هذا الكتاب أنزله الله وقرأه الله وجمعه الله وبينه الله وحفظه الله منذ 1400 سنة هل تصدقني هكذا أم تطالبني بالبرهان والدليل من غير الكتاب الذي أحضرته لك؟؟

مع وافر شكري واحترامي

نهرو طنطاوي


(مداخلة بواسطة نصير حواري)

الاستاذ الكريم نهرو طنطاوي ، الأستاذ الكريم عز الدين نجيب

القرءان كلام الله وليس الفاظ الله

تعلمون واعلم ان القرءان هو كلام الله حتما ودون ادنى شك فيكفي انه يقرأ باسمه الرحمن الرحيم بداية وفي هذا دلالة على انه كلامه سبحانه وتعالى ، ( بل هو قرءان مجيد ، في لوح محفوظ ) هذا القرآن موجود في لوح محفوظ بصيغة غير قابلة للإدراك الإنساني وغير قابلة للتأويل، وبصيغة مطلقة. فعندما أراد الله أن يعطي القرآن للناس فالمرحلة الأولى كانت تحويله إلى صيغة قابلة للإدراك الإنساني النسبي، أي جرت عملية تغيير في الصيرورة. وهذا التغيير في الصيرورة عبر عنه في اللسان العربي في فعل "جعل فهو قرءان مجيد ، في لوح محفوظ قبل ان يجعل عربيا ، اذ قال (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)(الزخرف 3) أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربياً فجعله عربياً، أي في صيرورته" وهذا معنى الجعل ، اذن القرآن موجوداً فعلاً وبصيغه لا نعلم ماهيتها وغير قابله للادراك الانساني قبل الجعل و الإنزال والتنزيل، لانه لو كان القرآن مخزنا ياللوح المحفوظ بالصيغة اللسانية العربية التي نراه عليها الآن والتي نستوعبه من خلالها وهو كلام الله لكان الاستنتاج المباشر لذلك بأن الله الذي ليس كمثله شيء عربي وهذا غير معقول .

الجعل: هو التغيير في الصيرورة.- الإنزال: هو النقل من صيغة غير مدركة إلى صيغة مدركة "الإشهار".والآن لماذا وضع الجعل والإنزال على أنه عربي؟ إن الجعل هو تغيير في الصيرورة فيمكن أن تغير صيرورة القرآن من شكل غير قابل للإدراك إلى شكل آخر غير قابل للإدراك، لذا قال (إنا جعلناه قرآناً عربياً) والإنزال هو نقل من غير المدرك إلى المدرك لذا قال (إنا أنزلناه قرآناً عربياً).ففي القرآن تلازم الجعل والإنزال أي جعل وأنزل عربياً. أي أن القرآن الموجود بين أيدينا ليس عين القرآن الموجود في لوح محفوظ ، وليست صيغته نفس الصيغة الموجودة فيهما. وإنما هو صورة قابلة للإدراك الإنساني "الإنزال" تم التغيير في صيرورتها "الجعل" حتى أصبحت مدركة، ثم وصلت إلى النبي عليه السلام عن طريق الوحي "التنزيل" والنبي عليه السلام نقلها آلياً إلى الناس. من هنا نقول ان القرءان كلام الله لكنه ليس الفاظه وليس صياغته سبحانه تعالى ، فالذي تكفل بجعل هذا القرءان ـ كلام الله تعالى وعلمه ـ عربيا وقابلا للادراك الانساني قوى ملائكيه مأموره من الله تعالى وتعمل بامرة ، ملأ أعلى صاغ القرآن تحت سلطة رب هذا الملأ .

فكثير من ايات القرءان يتحدث فيها جمع و ليس فرد و هؤلاء الجمع المتحدث في الآية يسوق الحديث بصيغة المخاطب :

نذهبن ـ أوحينا ـ علينا

فهل يشك أحد أنّ هذا الجمع هو من صاغ هذه الآيات ، وهل يشك احد ان اية الكرسي هي كلام الله لكنها من قول جبريل عليه السلام و تبقى الكثير من آيات القرآن محيرة من حيث صائغها و هذا ما يجعلنا نطمئن الى استحالة صياغة القرآن من فرد إسمه النبي أو غيره بل هناك تداخل بين الملأ الأعلى و الرب السيد عليهم في هذه الصياغه الفريده


(رد بواسطة نهرو طنطاوي)

الأخ الفاضل: نصير حواري

تحية طيبة لك

سعدت بمرورك الكريم على مقالي

لا أختلف معك في كثير مما جاء في تعليقك ولا أختلف معك كذلك في (الجعل والإنزال والتنزيل)، فقد تلوت مثل ذلك الكلام في كتابات الدكتور الفاضل محمد شحرور على موقعه منذ بضع سنين، فقد تلوت جميع كتاباته على الموقع باهتمام بالغ واتفقت معه في بعض أفكاره. وخالفته في الكثير من أفكاره.

وقول سيادتك وقول الدكتور شحرور حول الجعل والتنزيل والإنزال لم يحل الإشكال، فالإشكال مازال قائما، وأنا أرى أن من صاغ القرآن بهذه الكلمات البشرية وبلسان قوم الرسول هو الرسول نفسه برعاية الله وتوجيهه، وأختلف معك في قولك أن قوى ملائكية هي التي صاغت القرآن بهذه الأحرف والكلمات التي نراه عليها الآن وفق لسان قوم الرسول، فهذه محض دعوى في أمس الحاجة إلى برهان، مع أخذك في الاعتبار أن الروح الأمين نزل بالقرآن على قلب الرسول وليس على سمعه، وهنا بيت القصيد وهنا السؤال المشروع: هل نزل القرآن على قلب الرسول كلمات تتلى؟؟ وإذا كان الجواب بنعم، فكيف حدث ذلك وما البرهان القرآني عليه، وهل تكلم الروح الأمين بالقرآن مع الرسول محمد بلسان قومه أي تلاه عليه شفاهة أو سماعا أم ماذا؟؟ وفي كل نحتاج لبرهان؟؟

وأعيد السؤال وأقول: بأي سبيل نزل القرآن على قلب النبي محمد هل نزل كعلم وأحداث فيما يشبه الرؤيا والإلهام (الوحي)، أم نزل بنفس الكلمات والأحرف المخطوط بها والمتلو بها الآن؟؟ مع تقديم البرهان على كل ما تقول.

وهذا هو السؤال الذي لم يجب عليه الأخ عز الدين ولم تجب عليه سيادتك في تعليقك الكريم، وأنتظر جوابا محددا ببرهان محدد.

مع وافر شكري واحترامي

نهرو طنطاوي


(رد بواسطة نهرو طنطاوي)

الأستاذ والأخ الفاضل عز الدين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أكثر ما راقني في تعليقك هو دماثة الخلق والطيب من القول ورقة القلب وإني لأغبطك على ذلك من دون حسد.

أخي الأستاذ عز الدين الأرضية المشتركة موجودة إن شاء الله وهي الإيمان بالله وبكتابه ورسوله وبأن القرآن هو من عند الله كوحي أوحى به الله إلى خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام وأوكد لك بأننا متفقان كلانا في هذه الأرضية، لكننا قد نختلف في السبيل الذي نزل به القرآن على قلب النبي محمد، واعلم أنني ما خرجت عن وسائل المعرفة التي ذكرت في تعليقك.

أخي عز الدين أنا أومن بأن القرآن هو صلب الدين الإسلامي وقاعدته وهو النور والهدى والرحمة، ولكن هذا لا يمنعني من محاولة معرفة كيف نزل هذا الكتاب على قلب النبي محمد، وكذلك لا يجبرني على أن أومن بالقرآن بتبعية عمياء (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) أو أكون غافلا عن كيفية إنزاله، بل إن بحثي هذا يزيد في إيماني به وليس العكس.

واعلم أني لم أغفل ما سقت من آيات في تعليقك ولكني ما وجدت فبها برهانا على ما ذهبت أنا إليه وما وجدت فيها جوابا على تساؤلاتي، وصدقني أنا كما قلت أنت فكل أماني أن أصل إلى فهم أفضل وأقرب للصحة لكيفية نزول القرآن الكريم، أنا لا أحب القفز فوق المحور الأساس الذي نتحاور حوله وهو كيفية نزول القرآن على قلب الرسول والهيئة التي نزل بها.

وإذا كان قولي لك: (اعتبرني غير مؤمن بالقرآن) قد أغضبك أو أثارك بعض الشيء فاعلم أني ما قصدت بقولي هذا سوى التجرد والخلوص من كل معتقد أو ظن أو أفكار موروثة مازالت مترسبة في نفوسنا من كتابات القوم السلف أو الخلف، فبغير التجرد والخلوص الحق من أي أفكار مسبقة فصدقني سنكون كمن (ينفخ في قربة مقطوعة) ولن نصل لشيء، والعبارة التي قلتها أنا قد أمر الله رسوله بقول عبارة مماثلة لها لأهل مكة حين قال: (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) فهل أجرم الرسول حقا، كلا، ولكنه التجرد والخلوص والتخلي للوصول للحقيقة.

أما حديثك عن هدمي لقدسية القرآن فقد صدقت في هذا والله، فما القدسية التي ألبسناها قسرا للقرآن سوى صنم ووثن وإفك خلقناه وافتريناه لنقف عاجزين عن فهم القرآن وفهم طبيعته بل هي سور منيع يعيقنا عن كشف آيات الله المكنوزة فيه، بل إن تلك القدسية المزعومة هي أكبر معول لهدم القرآن بل هدم الدين الإسلامي كله، بل تلك القدسية المزعومة التي تتحدث عنها هي التي استباحت حرم القرآن لكل حالم وكل هاو أن يقول في القرآن ومن القرآن ما يشاء وما يحلو له ولهواه.

أما قولك: (وما الذي يمنع وحيا من الله أن يصل إلى سمع وعقل وقلب الرسول الكريم واضحا مفصلا بينا بكل حرف فيه) انتهى

الذي يمنع ذلك هو كما قلت أنت (الوحي) فالوحي يا سيدي العزيز لا يعني البلاغ بالصوت ولا بالكلام ولا بالحروف المخطوطة أو المتلوة وإنما هو حدث وعلم وإلهام ينزل على القلب فيقوم النبي الذي نزل الوحي على قلبه بتحويله بنفسه إلى صوت وكلمات وجمل وعبارات برعاية الله له وتوجيهه، هذا هو معنى الوحي الذي لا معنى له سوى ذلك، أما لو وصل القرآن إلى النبي عن طريق سمعه فلا يمكن ساعتها تسميته بوحي على الإطلاق، وإنما هو بلاغ صوتي تلقته أذن تسمع وليس وحيا، وأتفق معك بأن الله لا يمنعه مانع ولا يعجزه شيء في إيصال القرآن إلى سمع الرسول أو إلى عينيه مخطوطا ليتلوه ولكن أين البرهان القرآني علي ذلك؟؟ أين البرهان؟؟، فالقرآن برهن على عكس ذلك ببرهان قاطع حاسم حين قال: (نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين)، فأنا أقول بكل وضوح وجلاء ومن دون مواربة القرآن نزل كعلم وأحداث فيما يشبه الرؤى والحدس والإلهام أقول فيما يشبه الرؤى والحدس والإلهام ثم قام النبي محمد بنفسه برعاية الله وتوجيهه بنقله إلى حروف وكلمات وعبارات منطوقة متلوة مخطوطة كما هو عليه اليوم، ومن يستطيع أن يثبت غير ذلك فليأت ببرهانه إن كان من المحقين فيما يقول.

وأعدك بكل صدق وأمانة بأن أعيد النظر بقلب سليم في كل آيات الله المتعلقة بهذا الموضوع كما طلبت مني.

لك مودتي ومحبتي واحترامي

نهرو طنطاوي


(رد بواسطة نهرو طنطاوي)

الأستاذ المحترم إبراهيم بن نبي

تحية طيبة لشخصكم الكريم

سعدت بتشريفك لمقالي ومرورك عليه

وأشكرك على ترحيبك بي في المنتدى الموقر

واعتذر عن تأخري في الرد وذلك لظروف عملي وانشغالي ببعض شأني.

بداية سبق لي تلاوة معظم كتاباتك الكريمة ووجدت بها اتفاقا وتماثلا كثيرا في الأفكار بينها وبين كتابات الصديق والأخ المحترم الأستاذ سمير إبراهيم خليل حسن، الذي تلوت له كل كتاباته منذ بدأ في نشر كتاباته على موقع الحوار المتمدن أي منذ بضع سنين، وأصدقك القول أن هذه الكتابات بذلتم فيها جهدا كبيرا وملحوظا ولا يمكنني أن أنكر جهدكم المشكور في هذه الدراسات القيمة والشيقة، وأصدقك القول بأني أتفق معكما في أشياء وأختلف في أخرى، وهي بصدق تحمل فكرا جديدا وتناولا ممتعا لطبيعة النص القرآني، ولكن هذا التشويق والإمتاع في هذه الكتابات لا يعني من وجهة نظري الشخصية أنها دائما تكون على صواب، وتقييم كتاباتكم الكريمة ليس موضوع حديثنا وإنما فقط وددت أن أحيطك علما بأني على دراية بأفكارك وكتاباتك الكريمة.

سيدي الفاضل تلوت تعليقك الكريم على مقالي وقد ذكرت فيه أني أضع النبي كمترجم شخصي للتنزيل، وأني أضع النبي الكريم محور هذا التنزيل.

أقول ردا على كلامك ما يلي: هل لدى سيادتكم علم يقول غير ما ذهبت أنا إليه فتخرجه لي، أو برهان من الكتاب تبينه لي؟؟.

أما ما يخص قولك الوارد في التعليق: (إذ لا يمكنه أن يترجم إلاّ بسقف قومه المعرفي و بلغتهم البشرية المحصورة تاريخا و محيطا. و حينئذ فالقرءان يصبح نصّا تاريخيا لا يمكنه حمل الحق الكوني بله الإحاطة به.)انتهى.

أقول: إن الرسول ترجم الوحي وفق لسان القوم ودلالات ذلك اللسان المعروفة لدى القوم آنذاك، ولو ترجم الرسول الوحي للقوم وفق دلالات لسانية لا يعرفونها ولا يعوها ولا علم لهم بها، لأصبح الكتاب الكريم بالنسبة لهم كتابا أعجميا غير معروف وغير معلوم وغير مفهوم الدلالة لديهم على الإطلاق، فيصبح كرسالة بلسان الإنجليز أرسلت إلى شخص لا علم له ولا معرفة بلسان الإنجليز، فما سقته سيادتكم في كتاباتكم يدل بكل وضوح وصراحة على أن الكتاب الكريم كان كتابا أعجميا جملة وتفصيلا لقوم الرسول حين بلغه الرسول إليهم، بل ظل ذلك الكتاب أعجميا للدنيا بأسرها طوال ما يزيد على 1400 عام ولم يكتشف أحد عربية وبيان القرآن وفك رموزه وطلاسمه ومعاني حروفه وكلماته حتى ظهر الأستاذ سمير حسن والأستاذ إبراهيم بن نبي، مع خالص احترامي وتوقيري الشديد لكما ولأفكاركما، وكأن الدنيا بأكملها من مسلمين وغير مسلمين من عرب وغير عرب قد اجتمعوا على أن يأتمروا على الكتاب الكريم وعلى معاني حروفه وكلماته ومعانيه وعلومه ورموزه إلى أن قام الأستاذ سمير حسن والأستاذ إبراهيم بن نبي لكشف تلك المؤامرة وفضحها وقاما بكشف التعتيم وإزالة السور الذي ظل قرونا من الزمان مضروبا حول معاني ومفاهيم حروف وكلمات الكتاب الكريم، وهذا ليس تقليلا من شأنكما ولا أفكاركما، كلا وحاشا، وإنما هو سؤال مشروع وملح يحتاج لإجابة علمية مشروعة ومقبولة، وهذا لا يعني أن كل أفكاركما خطأ، كلا، ففي كتاباتكم كثير من الأشياء التي أراها صوابا والتي استفدت منها أنا شخصيا.

أما ما أذهب إليه أنا في هذا الجزء من الموضوع أن الرسول هو من ترجم الوحي بنفسه وبلسان قومه وبكل ما يحمله لسان القوم من معاني ودلالات ومفاهيم وسياقات وخط ورسم، ولكن ما جحده أهل مكة من الكتاب الكريم الذي بلغهم وفق دلالات ومعاني ومفاهيم لسانهم الذي يتكلمون به هو العلم الذي حملته كلمات وحروف ودلالات ومعاني ذلك اللسان (لغة العرب). وبعبارة أخرى لقد فهم العرب محتويات الكتاب ومضامينه ومعانيه أكثر مني ومنك، ولكنهم قاموا بتكذيب ما يحوي هذا الكتاب من علم وأنباء وأخبار وأحكام وشريعة وأحاديث لم يكن لديهم أدنى علم بها من قبل، وهذا هو ما دعاهم إلى أن يصفوا آيات الكتاب الكريم بقولهم: (إن هذا إلا سحر مبين)، وقولهم هذا يدل بكل وضوح أنهم كانوا أكثر فهما وعلما بمقاصد ومعاني ودلالات القرآن منا نحن اليوم، وأضرب لك مثلا على ذلك: لو أن شخصا أرسل لك برسالة يخبرك فيها بأنه رأى دابة لها أربعة رؤوس كل رأس تأكل وتتنفس وترى بمفردها بمعزل عن بقية الرؤوس الأخرى، وذكر لك بأنها تستطيع المشي في كل الاتجاهات دون أن تستدير أو تتوجه إلى الجهة الأخرى. هل في هذه الرسالة أي عجمى أو أي شيء غير معقول أو أي غموض؟؟، كلا، فالشيء الوحيد المفقود في هذا الخبر هو الوقوف الفعلي على تلك الدابة ورؤيتها والتأكد من صدق الخبر أو عدم صدقه، ومن صحة مضمون الرسالة من عدم صحته، أما الرسالة في ذاتها كنص فليس فيها أي عجمى أو أي خلل أو غموض في منطوقها وحروفها وكلماتها ومعانيها، هذا تماما ما حدث من أهل مكة مع الكتاب الكريم، فمنهم من صدق وآمن ومنهم كذب وجحد ومنهم ومنهم ومنهم إلى آخره، وبالتالي أقول ما الضير في حمل الرسول للوحي كعلم نزل على قلبه إلى معاني ودلالات ومفاهيم وحروف وكلمات لسان قومه؟؟.

الأمر المهم والخطير الذي لاحظته في كل كتابات سيادتكم وكتابات الأستاذ سمير حسن هو التعتيم المضروب من كلاكما عن غير قصد منكما حول آية سورة إبراهيم التالية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (4_ إبراهيم)، أليس في هذه الآية دلالة واضحة على أن القرآن قد صاغه الرسول بنفسه بلسان قومه المتداول والمعروف لأهل مكة وليس بلسان الله ولا بلسان الروح الأمين وليس بلسان قوى ملائكية قامت على صياغته كما تدعون، وفي هذه الآية كذلك دلالة قاطعة حاسمة على أن الكتاب الكريم بكل حروفه وكلماته وألفاظه ومعانيه ودلالاته وعلومه وأخباره وأحاديثه وآياته ورسمه وخطه خاضع بشكل كامل لدلالات ومعاني ومفاهيم وسياقات ورسم وخط ولفظ لسان قوم الرسول (أهل مكة)، وأرى أن هذه الآية تطيح بفرضياتكم التي سقتموها حول صياغة القوى الملائكية للكتاب الكريم، فقد رأيت في كتاباتكم تفريقا ملحا ومكررا بين لسان قوم الرسول ولسان الكتاب وكأن هناك لسانين وليس لسان واحد، لسان قوم الرسول البشر وهو لسان أعجمي باطل كما تدعون، ولسان عربي هو لسان الكتاب الكريم، مع أن الآية الكريمة توكد ومن دون أي شك أو ريب أن الكتاب الكريم تم صياغته كرسم وخط ولفظ ودلالات ومعاني ومفاهيم وفق لسان قوم الرسول وليس أي لسان آخر كما جاء في الآية، وتوكد من دون أي شك أو ريب على أن الرسول نفسه هو من قام بصياغة الكتاب بنفسه وفق دلالات ومعاني ومفاهيم ولفظ لسان قومه وليس أي شخص آخر غير الرسول وليس أي لسان آخر غير لسان قومه، وما يؤكد ذلك من دون أي شك أو ريب هو قوله سبحانه في نفس الآية: (بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فجعل المقصد والهدف والمراد من إرسال الرسول بلسان قومه هو (((البيان لهم)))، وهذا يوكد من دون أي شك أو ريب أنه لا بيان للكتاب إلا عبر بوابة لسان قوم الرسول وحسب، وأي بيان للرسالة يتخطى لسان قوم الرسول هو بيان باطل.

الأمر الآخر أنك ذكرت في تعليقك أن نقل القرآن من وحي إلى لغة القوم البشرية يجعل منه نصا تاريخيا لا يمكنه حمل الحق الكوني والإحاطة به.

وأنا أختلف معكم في هذا لأن الكتاب الكريم لا يروي حدثا كان موجودا في زمن الرسول وانتهى بغير رجعة أو من دون تكرار له، وإنما أرى الكتاب الكريم رسالة إلى كل البشر في كل زمان ومكان حملت من الأشياء والحوادث والأفعال التاريخية معانيها وعلومها ودلالاتها ومفاهيمها وقيمها الباقية والدائمة ببقاء ودوام البشر على كوكب الأرض فلا تتبدد ولا تنقضي ولا تنقرض، فقد تتغير الأشياء وقد تتغير الأحداث وقد تتغير الأفعال إنما معانيها ودلالاتها وعلومها ومفاهيمها وقيمها لا تتغير ولا تتبدل ولا تنقضي ولا تنقرض، ومثلا على ذلك السفر من مكان إلى آخر هو هو السفر بمفهومه ودلالاته ومعانيه سواء سافرت بالناقة أو سافرت بصاروخ أو مكوك فضائي. فالتاريخي في الكتاب الكريم هو قشور الحدث وصورته وشكله وكيفيته أما علومه ودلالاته ومعانيه ومفاهيمه وقيمه ستظل باقية ببقاء آخر فرد من الجنس البشري على ظهر هذا الكوكب.

أما قولك: (استحالة هذه الترجمة دون برنامج داخلي في فؤاد من نزل عليه يمكنه إخراج الموجة المتلقاة نصا منسوخا). انتهى

هذا القول منك يدل على علمك واطلاعك على تكوين فؤاد النبي محمد وبالتالي اطلعت على البرنامج الداخلي الذي يمكنه من إخراج الموجة المتلقاة نصا منسوخا، أخي الأستاذ بن نبي كيف علمت أن بفؤاد الرسول برنامج يقوم بفعل ما ذكرت؟؟، وهل هذا البرنامج هو خاص بفؤاد النبي محمد وحسب، أم أنه في كل الناس، ويبقى قولك هذا قول بغير علم أو محض دعوى إلا إن أقمت له برهانا من الكتاب.

أخي الأستاذ بن نبي لقد جمعت لسيادتكم بعضا من أقوالك التي وردت في بعض كتاباتك وأريد عليها برهانا من الكتاب، لقد قلت في مقال لك بعنوان: (دراسة في خط القرآن ورسمه) ما يلي:

(إنني أعتذر عن عدم سوق كل ألفاظ ظاهرة "قوم" و يكفي هذا القدر المساق للتدليل على أهمية الرسم في البرهان على أنّ القرآن تنزيل, أي أن مخ النبي (قلبه بالتعبير القرآني) هو مستودع النص رسما و لفظا ويستحيل أن يكون غيره هو الذي خطّ القرآن.) انتهى

هل لديك أخي الفاضل أي برهان من الكتاب على أن مخ النبي (قلبه بالتعبير القرآني) هو مستودع النص رسما ولفظا؟؟ أخي الكريم نريد أن نعرف مثلك كيف ع
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe