الجمعة، 20 نوفمبر 2009

المرأة في الديانات... إدراك الإلهي يكون عبر البعد الأنثوي

حوار مع ميشال كازناف Michel Cazenaue

المرأة في الديانات... إدراك الإلهي يكون عبر البعد الأنثوي

بقلم فلورنس كنتان florence Quentin

ترجمة : كمال بوعجيلة


يعتبر ميشال كازناف، الأنتربولوجيّ المختصّ في الديانات، كاتبا غزير الإنتاج وعلاّمة متميّزا، وهو أيضا شاعر المرأة بلا منازع، ومنتج برنامج "الأحياء والآلهة" “les vivants et les dieux” على موجات إذاعة فرنسا الثقافية “France culture” . ويرى كازناف أنّ "الأنثويّ هو الموضع الذي من خلاله يتأكّد المنبع السامي لكلّ شيء"، وإنّ الاعتراف بذلك من طرف الرجل يمكن أن يغيّر النظرة العدائية للمرأة المسيطرة في الديانات ويمنحها أيضا تجربة روحية حقيقية.

تتعرّض النساء إلى الرجم، والحرق، والتشويه، هناك قدر قارّ من الكره والبغض تجاه النساء في الأديان. لماذا كلّ هذا العنف ؟

إنّه الدليل على ما أطلق عليه "الذعر العنيف" الذي يحمله الرجل تجاه المرأة، وأظنّ أنّه عنصر من تركيبته الشخصية الذكورية… إنّها ظاهرة من العسير على الرجال أن يتخلّصوا منها- إلاّ إذا حاولوا الاشتغال عليها وتجاوزها- وهي في أصل كلّ ثقافة، أيّما كانت هذه الثقافة.

هل تمثّل الأنوثة خطرا ما ؟

نعم، لأنّ شعور اللذّة عند المرأة والذي يفوق مائة مرّة لذّة الرجل، يتجاوزه تماما ويتحدّاه. وهذه الفكرة نجدها في الميثولوجيا الإغريقية، حيث تيريسياسTyrésias وهي خنثى، تؤكّد للآلهة الذين يسألونها-عن اللّذة- أنّ المرأة تتفوّق على الرجل في هذا المجال. الرجال يشعرون أنّ لذّة المرأة تقارب اللاّنهائيّ وليس لها حدود أو خاتمة، النساء منفتحات على شيء هو من قبيل النشوة الإلهية … ولهذا السبب يخاف الرجال.

هذا "الخوف العنيف" إلى ماذا يحيل عند الرجل ؟

حتّى وإن لم أكن فرويديا تماما، فإنّني أجيب هذا يحيل إلى خوف "الخصاء"، قلق الموت … ولكن ليس هذا فقط، لأنّه يوجد أيضا من هذا الإحساس، شيء ما أكثر واقعية … وهو ليس من قبيل "الفانتازم" … إنّه الخوف غير المعقول وغير المنطقيّ من عدم القدرة على الانتصاب "الإنعاظ" .. لأنّ ذلك هو ما يدلّل للرجل أنّه رجل …

الفكر الفرويديّ، ساهم في إيجاد نظرة دونية للمرأة: هناك ليبيدو وحيد ذكوريّ في بدايات التاريخ، الرجل كان يقود العشيرة البدائية … دائما المرأة مقصيّة؟

كنتاج لمرحلته، فإنّ فرويد يحمل كرها للنساء. أخذ لاكان Lacan النظرية الفرويدية "المرأة ليس لها أنا أعلى"، إذن هي غير قادرة على إبداع أعمال فكرية ويفسّر: بما أنّها بدون "أنا أعلى" فهي تفلت من قانون الإخصاء … ولكنّه يستخلص من ذلك نتائج مختلفة تماما، من ذلك أنّ التلذّذ الأنثويّ نجده في النشوة الصوفية، عندما يقول "لاكان" "المرأة غير موجودة" يقصد أنّها "آخر مطلق" لا يمكن أن نعطيه مفهوما لأنّها تنتمي للاّنهائي … بالنسبة للرجل ولأنّه في "المنتهي" و"الفاني" فإنّه شديد الحزن والحسرة. وانغماسه في اللّذة يجبره على نحت هوية جديدة رجوليّة …

الجسم هو القدر، يقول فرويد: هناك شيء ما في تركيبة الأنثى يجعلها دائما متلقيّة، متقبّلة، في الاستقبال ..

بالنسبة للرجل، الانفتاح يعني اعترافه بوجود الأنثويّ في تركيبته الداخلية، أو أفظع – يصبح مثليّا- برأيي، الرجل لا يمكن أن يعيش تجربة صوفية حقيقية إلاّ إذا قبل أن يلتذّ بطريقة أنثوية، أي بمساهمة كلّ كيانه.

يونغ يفسّر من جانبه، أنّ التجربة الروحية تأتي من الأنيما “anima” أي الجزء الأنثوي للشخصية؟

بالنسبة له، طبعا، إدراك الألوهية يتأتى من الروحانية، من اللاّنهائي، أي من البعد الأنثويّ. في نصّه التنبئي "ولاءات للموتى" يفسّر أنّنا تحت سيطرة الماردين الاثنين: الجنون والروحانية، هذان الوسيطان بيننا وبين الألوهة، وأنّ الألوهة تمرّ عبر الأنوثة، عبر تمظهرها. كعنصر ديناميكيّ تقود الأنوثة إلى الاكتمال الحميميّ للنفس، أي أنّها تمنح للذات إمكانية أن تعي نفسها.

المنعرج الذي وقع بين عبادات الآلهة الأمّ، وديانات الإله الأب.. هل غيّرت وضعية المرأة؟

لقد اعتقدتُ ذلك لفترة طويلة، ولكنّي أرى أنّ بغض النساء ليس ميزة الديانات التوحيدية فقط. لنأخذ الهند مثلا حيث بعض المذاهب تنسب نفسها إلى الخماسي Tantrique يمكن أن ننتظر مطابقة تامّة بين الآلهة و"البرهمان" . وماذا نجد؟ أنّ المرأة هي دائما تابعة للرجل وتٌنسَب إليه كأمّ" "بنت…" إنّها ظاهرة تتجاوز الديانات المنزّلة. كذلك في اليونان القديمة، والتي لم تعرف "التوحيد" يعلمنا تاريخ بروميثيوس أنّ أكبر ثأٍر إلهيّ هو خلق امرأة للرجل، هذا "الشقاء الرائع".

ولكن لماذا كلّ هذا الكره "للجسد" … وهذا التحديد للمرأة المغوية في الدين اليهو-مسيحي ؟

لا بدّ من التفريق بين اليهودية –وإن كانت وضعية المرأة الاجتماعية منحطّة في هذه الثقافة- وبين المسيحية … في "العهد القديم" نرى أنّ "المتريارك" لهنّ نفس القيمة المسندة للبتريارك" … الله الرحيم يقول: "لن أترك أبناء رحمي" … الجسد ليس مكروها: لا يمكن أن يصبح قدّيسا إلاّ من عاش الاقتران. وعلى فكرة، "لكي نعرف الله" و"نعرف امرأة" نستعمل نفس الكلمة. أمّا “kabbale” -مجموعة من الفقهاء اليهود- هذه اليهودية المنغلقة فإنّها تضع "السكينة" أو الحضور الإلهي الأنثوي في شجرة السيفوروت".

تمجيد الذكوري وتعظيمه هو عمل المسيحية، التي فرضت مفهوم "الأب"، اسمه يظهر أربع أو خمس مرّات في "العهد القديم" مقابل أربع عشرة مرّة في الإنجيل. ولكن ليس بالإمكان التخلص من النساء هكذا. إنهنّ من نجد في قدمي الصليب و"ماري مادلين هي التي اختارها المسيح ليبعث أمامها".

هل تعوّض عبادة العذراء غياب تمثيلية الأنثى ؟

مريم العذراء تموّه نقص الذكوريّ في الكنيسة، والذي يحاول أن يجد الجانب الأنثويّ للإله. وتموت في ايفاز Ephèse -مدينة أرتميس الكبرى- آخذة هكذا مكان آلهة أمّ. يتساءل القديس برنار "لماذا نحتاج إلى وسيطة مادام المسيح وسيطا؟" ويجيب: "من الأفضل أن يكون هناك أمّ وسيطة، لأنّه مع الله الأب، لا أحد يعرف؟ أمّا بالنسبة لعذرية أمّ الله، فهي ليست جديدة. إنّها سيناريو ميثولوجي يعبر الكثير من الثقافات: الزواج المقدّس.

الآباء في الكنيسة، لم يدّخروا جهدا في وصم النساء بالعار ؟

لكي يُعترف بك، يجب أن تكون مواطنا رومانيا صالحا، وفي ثقافة تسيطر عليها إرادة الذكور عليك أن تكون كارها للنساء. بإبعاد النساء، فهمت الكنيسة بعض الحقائق بشكل حرفيّ. بما أنّ المسيح كان رجلا، فإنّ خلفاءه لا يمكن أن يكونوا إلاّ رجالا. بالطبع هم لم يفهموا إطلاقا أنّ المسيح هو إنسان كامل، رجل أو امرأة سيان.

أكثر من مائة ألف ساحرة أحرقن في محارق التفتيش على مدى ثلاثة قرون ….؟

محارق الساحرات بعثت في القرن الثالث عشر. عندما أحسّت الكنيسة بخطر الهرطقة والبدع، وفي القرن الخامس عشر استعادت سيطرتها وأنهت عهد الانشقاقات الكبرى. لقد حمّلت الكنيسة النساء مسؤولية نجاح المتصوّفة المحبوبين –كبار الرهابنة الفرنسيسكانيين أو الراهبات – وعلى مدى مائة وخمسين سنة في انتشار الروحانية والمحافظة على علاقة ممتازة مع الله دون وساطة رجال الدّين. في القرن الثالث عشر، اعتبرت النساء زاهدات، في القرن السادس عشر ساحرات، وفي أواخر القرن التاسع عشر مهرطقات.

لقد كتبت‘‘في العقود الأخيرة عبر العديد من الحركات تمّ إعادة تقويم "الأنثوي" المفهوم الجانبي والمحقّر لفترة طويلة …‘‘ هل مازلت على هذا الرأي ؟

مع بعض التحفّظات، لأنّ إعادة التقويم هذه تسقط أحيانا في "خطأ السطحية". لنأخذ حركة البئويين" اللّذين يعظّمون المعتقد النقيّ والبسيط (بالإلهة الأرض") من حيث أنّها بهذا الشكل لا توجد إطلاقا ولكنّها حقيقة رمزيّة ليس أكثر. لأنّ الآلهة في آخر الأمر ما هي إلاّ تمظهرات وليست جوهرا في حدّ ذاتها. لذلك نفس الشيء يمكن أن يقال عن بعض الحركات النسوية الأمريكية. ما الذي يفيدنا إذا عوّضنا عبارة الإله الأب بالآلهة الأمّ. عوض قلب علاقة القوّة بين الجنسين، علينا أن نصنع ثقافة يكون فيها الاعتراف متبادلا داخل الاختلاف.

البحث المتصاعد اليوم عن الروحانية هل يمكن أن يغيّر السيطرة الأبوية المهيمنة في الديانات؟

شرطَ قبول الجانب الأنثويّ من الله. مع العلم أنّ هذه الروحانيات الصاعدة يمكن أن تكون فخاخا، كمغامرة فردية تتطلّب ثقافة عالية، وامتلاك أدوات تمييز … والتي لم تعد مضمونة اليوم حتّى في الإعلان (revelation) الأنثوي حيث هناك خلط كبير. وعلى كل ليس هناك مجتمع يمكن أن يصمد بدون تنظيم جماعي، كما هو الحال بالنسبة للديانات. إنّه مشكل عويص: يجب في نفس الوقت التأكيد على الجانب الفردي (تكون مع الصوفي) والالتجاء إلى المؤسسة (رغم علمنا بمساوئها). في الأخير، الوثنية كانت لها إيجابياتها، زيادة على أنها ليست دغمائية، فإنّها تقترح مجموعة من الطقوس والشعائر الضرورية من وجهة نظر الغذاء الرمزيّ.

ميشال كازناف Michel Cazenaue :أنتربولوجي مختصّ في الديانات وعلم النفس التحليلي

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe