الخميس، 5 نوفمبر 2009

كتابة الجيتول و النوميديين القديمة

تقديم:(المترجم)

لعله جرم غريب دخل على جغرافيا المجتمعات من طنجة إلى جاكرتا جعلها في صدام أبدي مع كل الدنيا.. في أخف تقدير، على سوء فهم أبدي مع الإنسان..
هذا في تقاطعها مع العصر..، أما مع التاريخ، ففي جفاء سادي إزاء حضاراتها القديمة.. لا نكاد نعثر على شعوب أسرع إلى الريبة من متعلقات الثقافة أو السياسة أو حتى الترفيه للحضارات الأم مثلها.
هل يعود ذلك إلى واقع الانعزال – كعنصر نشاز بالمنظومة - عن المجرى التاريخي العام و الطبيعي للإنسانية..، هذا المسار الذي تنتمي إليه حضاراتنا الأم و إنسان اليوم معا؟.. أرجو أن أكون خاطئا.
في المقال المقترح، للباحث محمد دادي موسى*، محاولة لمد بعض الجسور إلى واحدة من أهم معالم التاريخ الثقافي القديم، الكتابة الليبية.
لا يفكر أحد أبدا في الحط من شأن الكتابة الليبية. أن تكتب أو ترسم، هوية واحدة في الأصل.. الذين أبدعوا الرموز قصدوا إلى الحفاظ على أساطيرهم و على دلائل الحياة القديمة.
اللوح الديكارتي المصقول**، قد يكون أقوى أغلوطة فلسفية لكل الأزمان. إذ من أجل تحقيق هذا اللوح المصقول، كم مرة لدى الانطلاق من الصفر نهدم ببرودة ما يمكن أن يكون نقطة تدعيم أو حجر أساس.
قد يكون مفيدا لعصرنا أن نكتشف أهمية المعطى اللساني كمعطى حي، قابل كما كل حياة إلى النمو، إلى الثراء بمنطلقات جديدة.
و لا نحقق ذلك إلا إذا أعدنا اكتشاف أهمية التاريخ التي هي البحث عن التجربة انطلاقا مما هو استئناف لحياتنا.. يغدو هذا من التاريخ كطبقات الأركيولوجيا.
التاريخ حياة، بشكل دقيق لأنه يحتوي على معطى. شيء يتواجد خلف مفاهيمنا، خلف أحكامنا المسبقة، خلف أنساقنا. الكتابة العتيقة الجزائرية، "الليبية"، الحاضرة من خلال الجداريات و الرسومات تعود إلى 6700 سنة قبل التاريخ.
بالصحراء، "التيفيناغ"، الكتابة الحالية للطوارق أحفاد الجيتول القدماء، تتميز بتشكل رسمها الأصيل.. إنها تنحدر من الليبية.
يمكننا التساؤل عما إذا كانت هذه الكتابة طفرة في طبيعة حدوثها أم أنها معبأة بالتاريخ..
الجواب هو أن الزمن يعبأ بالمحتمل، باعتباره مادة تفكير، إبداع، وجود و مصير، ترك لبصمات إرادة القوة.. الكتابة شرط.. منتوج تواصلي حر.
الدلائل التي تنقلها تشحن بكل قوة الرواسب عبر العصور. هي مرتبطة بكل بداهة في تشكلها، كما في استعمالها بعدد من المؤسسات و الوظائف الاجتماعية بدون أن نستطيع التمييز بينها كرونولوجيا أو تصنيفيا. سواء تعلق الأمر بالديانة، بالتقليد السائد في التعبير الثقافي كتابة أو رسما، بالعادة، بالبنية السياسية أو بظروف تاريخية.
في القرن الخامس قبل الميلاد اكتسحت الليبية كل البلاد.. البونية لم تقدر على منافستها بكل بداهة، بل بالعكس تأثرت بها كثيرا. و عليه فالكتابة الليبية معترف بها منذ العصور القديمة.. نصب وجد بمعبد ماسينيسا يحمل تاريخ 139 قبل الميلاد.. شكل خطوط الكتابة الليبية توحي بنسق موجود مسبقا.، أمر يشير إلى فترة طويلة سابقة في التطور و الارتقاء.
الليبية تظهر بتنوع لافت للانتباه بغناه. التيفيناغ يحفظ اليوم طابع الشاهد على طريقة في الكتابة القديمة. اللغة الجماعية تبقى إذن بعد عدة آلاف من السنين. إنها تحمل وظيفة موحدة كعنصر للهوية التاريخية يحمي و يثمن الذاكرة الجماعية.
خصوصية العقل البشري هي القدرة على إبداع رموز و دلالات جديدة للرموز الجارية. أو مراجعة التواضع الذي يجعل الاتصال ممكنا. ذلك أن لذاكرة أية حضارة، عدة مراحل تسويها.
الكتابة تشيع هذا المعنى الذي يضاف إلى العقل من أجل خاصية الضبط الداخلي في فوضى المظهر. عبقرية شعب، هي ميزة الدول الكبيرة في كل ما أنتجت. و لكن نحتاج الى كثير من الوقت و الاحترام للاستكشاف ثم عرض الجوهر.
المجتمع المغاربي يسكن بالعادة إلى ضميره غير المتغير في احترام تاريخيته. لقد كان موعد مخاطبات الاشارة و الاتصال اللغوي مرحلة لا يمكن تجاوزها في تطور المجتمعات.
دراسة التاريخ، اللغة، الفن و الموسيقى تعطي للشباب الخبرة التي تنقصهم.. و كذا حب الخلق و الإبداع، و أصالة حقيقة كوننا في الواقع لم نخسر أبدا.
يوجد من المؤكد محيط من الأحكام المسبقة لمواجهتها، و جبل من عدم الفضول لتجاوزه..، و لكن يمكن اعتبار أن الخطوة الحاسمة قد تمت.
البحث العلمي كما التكوين و التربية، يشير إلى أن هذا المنبع اللساني غير مستكشف تماما.

ملاحظة

* محمد دادي موسى: كاتب جزائري، باحث في التاريخ القديم.
** اللوح المصقول: عبارة استعارها أصحاب المدرسة التجريبية من أرسطو تفيد بأن العقل قوة صرف كاللوح لم يكتب فيه شيء بالفعل.
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe