الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الفيزياء و الوجود الخفي

إنها الآن أمام مفترق طرق و لم تعد متربعة على عرش الفكر العلمي كما كانت قبل قرن تقريبا

الفيزياء و الوجود الخفي

 د. محمد عزالدين الصندوق

مع بداية القرن العشرين دخلت الفيزياء منعطفا جديدا غير الكثير من مفاهيمها و من ثم المفاهيم العلمية وقاد الى ثورة فلسفية كبرى في فلسفة العلوم. ففي عام 1900 ظهرت نظرية الكم (Quantum theory) وفي عام 1905 ظهرت النظرية النسبية الخاصة (ٍSpecial theory of relativity) لاينشتاين و من ثم النظرية النسبية العامة. لقد كان الفكر الفيزيائي مازال كلاسيكيا في نظرته للطبيعة و كانت الحتمية الفيزيائية الصارمة احد أعمدة الفكر الفيزيائي ولا يمكن التصور بإمكانية التخلي عنها. وفي العقد الثالث من القرن العشرين أخذت النظرية الذرية بالتطور على ضوء مستجدات ميكانيك الكم و النظرية النسبية الخاصة.
لقد قادت الأبحاث الجديدة تلك الى بناء فيزيائي جديد مختلف و غريب جدا عما الفته الفيزياء خلال القرنين السابقين. لقد تزعزع الفكر الحتمي لتدخل الاحتمالية محله و دخلت الفيزياء مصطلحات مثل الريبة أو اللادقة (Uncertainty) و الازدواجية (Duality) و الجسيم النقطي (Particle) لقد كان الجسم النقطي (أي الذي لا أبعاد له) مجرد افتراض تقليدي لتبسيط التعامل الرياضي و لكنه ألان أصبح واقعا فالإلكترون و كافة الجسيمات الأولية جسيمات نقطيه لا أبعاد مكانية لها و من ثم لا تركيب داخلي لها. و من ابرز المصطلحات التي دخلت الفيزياء مصطلح دالة الموجه (Wavefunction). لقد لعبت هذه الدالة الرياضية دورا أساسيا و حيويا في فيزياء العالم المتناهي الصغر. و هكذا درست الذرة لتصبح صورتها فيما بعد صورة رياضية يصعب تصورها.
لقد عرفت الفيزياء التقليدية القذائف و يمكن بدقة عاليه جدا تحديد موقع الجسم المقذوف من خلال تطبيق رياضيات الفيزياء التقليدية. و هذا ما تطبقه التكنولوجيا حاليا و بتطبيقات مختلفة. و لكون الإلكترون جسيما هل يمكن التنبئ بموقعه كما هي الحال في جسيمات الفيزياء التقليدية ؟ الجواب كان لا . ان كل الجسيمات الدقيقة تتعامل معنا بعدم من الدقة و كلمنا أمعنا في التأكد كلما ازدادت زوغانا و بعدا تاركة شكا كبيرا في القيم التي نريدها. ظاهرة حيرت العلماء وقت ذاك هذا الوضع غير المريح لم يكن ليقتنع به اينشتاين و لهذا كان غير مرتاحا لهذا الفكر الفيزيائي الجديد و خير دليل على عدم قناعته كانت جملته الشهيرة "ان الله لا يلعب بالنرد" أي ان الطبيعة يجب ان تكون خاضعة لقوانين دقيقه لا مجال لعدم الدقة أو الريبة فيها. لقد كان السبب الأساسي وراء تلك الظواهر الغريبة دالة الموجه. انها هي التي تقود الجسيم وهي التي تلعب دورا اساسيا في الفكر الاحتمالي. و لكن ما هي هذه الدالة الرياضية ؟ ماذا وراءها؟ ما هي هذه الموجه التي تصفها؟
اسألة كثيرة لم تجب عليها الفيزياء المعاصرة. و أعلنت مدرسة كوبنهاكن لتفسير ميكانيكا الكم عدم إثارة مثل هذه الإسالة! و علينا ان نتقبل التفسير الإحصائي لها دون البحث عن ماهيتها! ان هذا التصرف اقرب ما يكون لتصرف الفكر الديني الذي لا يقترب من التساؤل عن الذات اللاهية. و لما كان معظم الفيزيائيين ينتمون لمدرسة كوبنهاكن لذا توقف البحث في تلك الماهية التي أصبحت محرمة على البحث.
لماذا هذا التصرف الغريب في العالم المتناهي الصغر؟ وقت ذاك شطح بعض الفيزيائيين بافتراض امتلاك هذه الجسيمات روحا و بذلك ستكون لها القدرة على عدم طاعة القوانين الطبيعة. افتراضا كهذا لاشك في انه غير مقبول كليا لان هذا الجسيمات رغم عدم دقة سلوكها بالنسبة لنا الا انه تخضع لقوانين إحصائية و من ثم يمكن دراستها. أمام هذه ألدوامه الفكرية العاصفة اقترح بعض الفيزيائيون فكرة الإحصاء الكلاسيكي لتطبيقها في هذا العالم المتناهي في صغره ومنهم الفيزيائي الفرنسي الشهير لويس دبرويل (De Broglie) الذي يعود له الفضل في اكتشاف الموجه الغريبة تلك. لقد استخدمت الفيزياء الكلاسيكية الإحصاء في النظرية الحركية للغازات. حيث تم افتراض مكونات غير مدركة (خفية) هي جسيمات الموائع و بذلك تكون القيم التي نتعامل بها هي قيم إحصائية تقريبية لقيم أخرى يصعب التعامل معها. لقد كانت هذه أفكارا جذابة قادت الى ما يسمى بنظريات المتغيرات الخفية (Hidden variable theories) و هكذا دخل الخفاء كمصطلح في الفيزياء المعاصرة ليكون مصطلحا غريبا اخرا يجد طريقه الى الفكر الفيزيائي.
ان بحوثا في ماهية دالة الموجه او في أساسيات النظريات المعاصرة تعتبر في الوقت الحاضر بحوثا غير نمطية (Unorthodoxy). و تنشرها مجلات بحوث علميه خاصة.
لقد كنت مولعا منذ صغري بالفيزياء و الفكر الفلسفي و هذا ما قادني الى ان اخصص حياتي للعمل في هذا المجال. و لاشك في ان طبيعة البيئة التي ترعرعت فيها تركت البعض من تأثيرها على نمطي الفكري. لقد كنت اطمح لمعرفة ماذا وراء الإلكترون منذ كنت صغيرا!
وهكذا قررت ان اعمل في هذا المشروع كهاوي و ليس محترف و الفرق كبير بين الهواية والاحتراف. في عام 1999 نشرت أول بحوثي الفلسفية [1] في مجال الوجود الخفي و كان يهدف الى تقسيم الوجود المدرك فيزيائيا الى وجود مطلق وهو من اختصاص الفيزياء الكلاسيكية و أخر احتمالي و هو من اختصاص فيزياء الكم و الثالث خفي. و الوجود الخفي هنا وجودا فيزيائيا و سبب كونه خفيا هو انه غير قابل للكشف بوسائل الفيزياء الحالية. و على ذلك فهو وجودا مجهولا غير معروفا. لقد كان و ما يزال هذا الوجود عصيا على فيزياء الكم كما كانت الذرة يوما عصية على الفيزياء الكلاسيكية. لقد أخذت الفيزياء الحالية تطرح نماذج نظرية غريبة راجع مقالي "ميتافيزيقيا الفيزياء" انها اقرب لحالة الفيزياء في نهاية العصر الكلاسيكي عندما طرحت نماذج ذرية غريبة لم يكتب لها النجاح. اعتقد الآن ان الفيزياء أمام مفترق طرق و لم تعد متربعة على عرش الفكر العلمي كما كانت قبل قرن تقريبا.
تمكنت بعد صراع طويل (ليس المجال الآن لسرده) من الوصول لأول عمل علمي لي في الفيزياء النظرية يخص الوجود الخفي و كنت مصرا على إلحاق كلمة الخفاء في تسميته [2] و نشر في ربيع 2007 في مجلة بحوث كندية متخصصة. توصلت في بحثي ذاك الى تركيب غريب يكمن وراء الإلكترون الملاحظ (بفتح الحاء). هذا التركيب تركيبا رياضيا صرفا.
بعد ذلك تمكنت من تفسير الفضاء الرباعي للنسبية الخاصة باستخدام هذا النموذج الجديد وفي ربيع هذه السنة (2009) نشرت هذا البحث عن النسبية الخاصة على ضوء ذلك التركيب [3] في موقع جامعة كور نيل الأمريكية .
على اية حال المشروع مازال مستمرا و أمامي الان جدولا بالمؤتمرات العالمية التي سوف أقدم فيها أعمالي الجديدة في هذا المجال و لست ادري أي دور يمكن ان يلعبه هذا الوجود الخفي مستقبلا.

حواشي

[1] M. I. Sanduk, The absolute probable and hidden existence, Philosophica, No. 3 Vol I, (1999) Bayt Al-Hikma, Baghdad-Iraq.
[2] M. I. Sanduk, "Does the Three Wave Hypothesis Imply a Hidden Structure?" , Apeiron, 14, No.2, (April 2007). Available in: http://www.redshift.vif.com/Journal…
[3] M. I. Sanduk, " Three Wave Hypothesis, Gear Model and the Rest Mass" http://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/0…


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe