الخميس، 19 نوفمبر 2009

العلم والدّين: هذيان إسلامي

العلم والدّين: هذيان إسلامي
بقلم بشير عيسى


"ألِيس" سكنت جغرافيا الهذيان، لم تعد في بلاد العجائب !
ما الذي يحدث في العالم العربي والإسلاميّ، وما هذه الهستيريا ونحن في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات وإنتاج العلوم والأفكار بسرعة لا سابق لها. نقف فقط لنؤكّد لأنفسنا وللعالم من بعدنا أنّا كنّا السبّاقين إلى العلم، وأنّ الحضارة كانت مُلك أيماننا قبل أن تسرق منّا، ولا نتوّج ذلك التأكيد إلا بالندب والبكاء وعداء الآخرين .
هل يعقل مثلاً أن يختصر عباس بن فرناس كلّ تاريخ علم الطيران وحاضره ومستقبله لنكون أمه وأباه، وفي الوقت نفسه يخطب إمامٌ (عالم) في خطبة الجمعة متسائلاً : س + ع = الصفر؟ ليقول: بالله عليكم أليس في هذا ملهاة عن ذكر الله، ويطالب هذا العالِم بدوره بإلغاء مادّة الرياضيات.
وبالعودة إلى التاريخ: ألم يكتب عمرو بن العاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب يسأله في أمر مكتبة الإسكندرية، فيجيبه الخليفة: " إذا جاء فيها ما يخالف أمر الله فعليك بحرقها، وإن جاء فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله غنىً .." وهل لنا أن ننسى مثلاً آخر يأخذنا إلى أبي جعفر المنصور الذي طلب من ابن المقفع بعد أن قطع له أصابعه أن يقوم بأكلها بعد شيّها، حين نصّب المنصور نفسه ولياً على كتاب الله والدين الإسلامي …
ألم يحرم الخليفة القادر بالله عام 1020 م فكر المعتزلة وأباح دمهم، وهم الذين كان لهم دورٌ فكريّ وفلسفيّ لا ينسى في فترة برزت فيها أفكار ابن تيمية والغزالي في تكفير الناس، وكانت تحرق بالتزامن مع مدّ الأفكار السلفية والتكفيرية كتب فيلسوف قرطبة أمام عينيه، ليبدأ عصر وينتهي آخر … والأمثلة لا تنتهي .
لا شيء طبعاً يأتي من فراغ. في شهر رمضان الأخير يخرج العلم من عمامة رجال (أهل العلم) كما يخرج أرنب من قبعة ساحر، لتصير نومة أهل الكهف حقيقة علمية، والذبيحة التي لا يسمّى عليها فاسدة وسامّة، كما تصبح لغة القرآن الكريم لغة الكومبيوتر، وتنبثق من شاشات الفضائيات العربية برامج تنسب إلى النبيّ محمّد معجزات مخجلة يأبى المرء ذكرها من على هذا المنبر، في حين أنّ النبيّ نفسه كان يجيب إذا ما سئل بأن ليس له من معجزة سوى لغة القرآن نفسه.
في شهر رمضان الفائت سارعت محطات تلفزيونية عدّة لنقل تجربة شخص اعتنق الإسلام في العالم الغربي، وكأنّ مليار مسلم لا يكفي أمام الحلم بأسلمة العالم كله بعدما أسلمنا حتى الله .
المضحك المبكي هو في النكوص عن تقديمنا التاريخي لصورة الإسلام كدين عدالة وتسامح وقبول للآخر، فها هو القضاء المصري مؤخّراً يفاجئنا بإحدى التهم الموجّهة إلى خلية حزب الله في مصر بأنها تسعى إلى نشر التشيّع فوق الأراضي المصرية، وكأنّ الشيعية تهمة وليست مذهباً معترفاً به في الإسلام الذي ضاق على ما يبدو بأبناء جلدته رغم نموه الديموغرافي المموّل، فلا الإسلام السلطوي ولا الإسلام المعارض يقبل المختلف في جلسات مزايدة على الإسلام نفسه يشارك فيها كلا الطرفين .
يرى المفكّر الإسلامي د. محمد أركون في كتابه (نحو نقد العقل الإسلامي) أنّه: " إذا ما نظرنا إلى مجمل العبارات القرآنية في المدوّنة الرسمية النهائية، أي المصحف، لوجدنا كلمة الله واردة فيها 1697 مرة دون أن نحسب حساب الصفات التي تدلّ عليه أيضاً .. أما كلمة إسلام فعلى العكس من ذلك لم ترد في القرآن كله إلا ستّ مرات وبمعان تجريدية جداً وغير محدودة، غير أننا نلاحظ الآن أن استخدام كلمة إسلام أصبح عاماً وطاغياً سواء في الخطاب الإسلامي المعاصر أو في وسائل الإعلام العالمية، وفي كل ما يكتب عن الإسلام أصبحت هذه الكلمة تؤدي جميع الوظائف التي كانت تؤديها كلمة الله في الخطاب القرآني بصفتها فاعلاً أساسياً أولاً، إلى درجة أنها حلت محلها " . هكذا يتقدم الخطاب الإسلامي التقليدي ليحلّ محلّ الإلهيّ، حيث يغدو الله محاطاً بهالة إسلامية ولدرجة تشعرك انه لا يمكن الولوج إليه إلا عبر تلك الهالة، وعلى هذه القاعدة يتم تقسيم العالم إلى نحن و(هم)، ليصبح الجهاد ضدّ الآخر من بعدها شغلنا الشاغل في سبيل الدار الآخرة، بعد أن وضعنا نصب أعيننا زوال الدنيا وفناءها، ويصير كلّ من يفكر بالخروج عن الجماعة الإسلامية (صاحبة الحقّ) مارقاً ومرتدّاً يطبّق عليه حكم الردّة. ندعو الله ألا يتشبّه الغرب بنا فيقتل كلّ مرتدّ.
يرى ميشيل فوكو أنّ "الدين عقل مجتمع لا عقل له"، ولنا في ذلك مثال من الخطاب التقليدي للإسلام، ففي برنامج "زيارة خاصة" الذي يعرض على قناة الجزيرة، تحدث الدكتور "زغلول النجار" في حلقة عرضت مؤخراً عن الحقائق العلمية التي توصل إليها الغرب وكيف أنّها مثبتة في القرآن، وأنه قام في محاضرات عدة له بجامعات أمريكية بإطلاع العلماء على أنّ نتائج أبحاثهم موجودة في النص القرآني قبل قرون، ليقوم هؤلاء بعد ذلك بالبحث والتقصي فيصلوا إلى حقيقة ما أشار إليه "النجار"، عندها يعلن هؤلاء العلماء إسلامهم، وحين يطلب منه مقدّم البرنامج أن يذكر له بعض أسماء هؤلاء العلماء يجيبه الشيخ أنه لا يتذكّر أيّ اسم .
لماذا كل هذا التضليل والديماغوجية التي تحتوي ضمنياً عقد إحساس بالدونية تجاه الآخر، وماذا يعني مثلاً اعتناق شرطيٍّ للإسلام في معتقل متطرفي القاعدة (الذين يخشون العودة إلى بلادهم ومواجهة الاتهامات والأحكام على جرائمهم)، مع كامل احترامنا للشرطي ولمهنته، غير أنّه ليس بعالم أديان مقارن أو مفكّر أو باحث أو كاتب أو فيلسوف ولا هو حتى بالراهب، بكل بساطة أسلم الرجل، وماذا في ذلك؟ ألا تؤمن كل ديانات العالم بالله كلّ على طريقته! المفارقة أنّ الإسلام في هذا الموضوع يأخذ ولا يحبّ أن يعطي. أسلم ذلك الشرطي في معتقل متطرفي القاعدة، تعالت صيحات النصر والتكبير ربما لكسبنا كماً إضافياً إلى صفوفنا وكأننا في حالة سباق ديموغرافي مع العالم .
أما كان حرياً بوسائل الإعلام التي تدعي الحرية والمهنية وهي تنقل أخبار من اعتنقوا الدين الجديد أن تسأل مثلاً عن الأسباب التي دفعت الشيخ الستيني "عباس عبد النور"، وهو آخر علماء أسرته في مدينة دمنهور على مدى 600 عاماً، إلى تأليف كتابه (محنتي مع الله والقرآن)، وآخرين كثر غيره ممّن لا يجرؤون على ذكر اسمهم الحقيقي، حتى تكون وسائل الإعلام تلك منصفة في نقلها للرأي والرأي الآخر ، أم انه الخوف والتعتيم وطمس وتكفير أي تساؤل يمكن أن يفضي إلى حوار جِدّي بعيداً عن الإرهاب الفكري والتكرار المريض واجترار فقه القرون السابقة، ما جعلنا في قمة الدول المستغنى عنها بالمفهوم الحضاري، وذلك بعد أن أعدنا إحياء محاكم التفتيش لتكون القاضي والجلاد والشاهد على موت حرية الفكر والضمير في هذه ( الأمة ) .
  
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe