الخميس، 5 نوفمبر 2009

العلمانية : آلية مؤسساتية و كفاءة أخلاقية

نائل جرجس 

مدخل: (المترجم)

هذه المقابلة تتضمن عرض لمفهوم العلمانية من وجهة نظر المفكرة الفرنسية صوفي إرنست*. تبين لنا أيضا توضيحا لأبعاد العلمانية بشكل عام والعلمانية في النظام التعليمي الفرنسي بشكل خاص. وقد جاء هذا في حوار أجراه معها السيد جيل ساروت و ذلك بعد حدثين هامين في حياة الجمهورية الفرنسية، أولهم صدور القانون الذي يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس ومن ثم الاحتفال بالذكرى المئوية للقانون 1905 المتعلق بفصل الدين عن الدولة في فرنسا.
- مائة عام بعد قانون فصل الدين عن الدولة، ما هو التعريف الذي تحددونه للعلمانية في فرنسا؟
العلمانية هي الشكل المعمول به في فرنسا على نطاق واسع و طويل الأمد، حيث تطلق عليها الدول الأخرى مصطلح الدنيوية وهي التي تتحقق بتحرير السياسة من تأثير الدين، وإعطاء كل منهما الظروف المناسبة لاستقلاليتهم المتبادلة. الحرية الدينية، الحرية السياسية والاستقلالية الفردية. هذا التأصيل للعلمانية قد حدث بطريقة أكثر تصادمية وعلنية وقانونية في فرنسا عنه في الأماكن الأخرى، ولكن لا ينبغي الخلط بين العلمانية وبين مكافحة الإكليروسية التي صاحبت نشأتها. النقطة المرهفة هو أن العلمانية على حد سواء تتطلب شيء أساسي، ألا وهو هذا المشروع الضخم حيث يكون للتعليم دورا محوريا، و نظام الإجراءات يكون قانونيا، متغيرا وقابلا للتحسين والتطوير… وهو ما يهدف إلى تحقيق هذا النهج المثالي.
- ازدياد قوة التكتلات يمكن أن يشكل تهديدا للعلمانية ، وكيف؟
في الحقيقة، إن العلمانية هي اختراع علمي جاءت كردة فعل على الجهود الدائمة المبذولة من قبل جماعات دينية، منظمة بشكل جيد، والتي تحاول أن تفرض على الآخرين متطلبات خاصة. لكن أسس العلمانية، و خاصة الحيادية، ستكون قادرة على احتواء مثل هذه المتطلبات الغير مقبولة.
المشكلة انتقلت من الاعتقادات إلى الهويات، كل هذه الجماعات تحاول أن تنشر خصوصياتها بقوة أو فرضها بالترهيب في بعض الأحيان. الأمر المهدد في المدرسة، هو فقد فرصة القدرة على بناء إنسانية متماسكة وقادرة على اكتساب ثقافة متقدمة. الناشطون من كل نوع يدّعون أن الناس يريدون التعبيرعن أنفسهم، ولكن للتعبير عن ماذا؟ المنافسة في مجال استخدام العلامات التجارية، تصاعد استفزاز البالغين؟ المدرسة وجدت لتعلم لغات وثقافات مشتركة، وهذا يتطلب قليلا من الهدوء وضبط النفس….الهويات المتواضعة، تقبل دائما أن تكون مرهونة للزمن الذي تكونت فيه، وبذلك لا يمكن أن تنكر أو تنسى إنما تكون في عمل دائم. الهويات ليست موجودة هنا منذ البداية، إنما تتطور مع مرور الوقت خلال حياة الإنسانية .
-  ما كانت ردة فعلك عندما اعتمدت الحكومة في عام 2004 قانونا يحظر ارتداء الرموز الدينية الظاهرة في المدارس وخاصة الحجاب؟
بعد أن تابعت هكذا مواضيع منذ عام 1989، أعتقد أننا كنا نستطيع التصرف بشكل أفضل في ظل الإطار القانوني الذي كان قائما، على شرط أن نحلل بعمق هكذا قضايا غير متجانسة. حيث أن المشكلة تشتمل على جوانب ذات أبعاد متناقضة. علينا أن نكون قادرين هنا على التمييز بين ما هو نزوة مراهقة شاذة ولكنها غير مؤذية, في هكذا حال يمكن أن تعبر فقط عن خصوصية دينية متواضعة ومتحفظة، وبين التبشير المخل بالنظام العام، وفي هكذا وضع تتقدم العلمانية للمباشرة بالرد المناسب. هذا هو رأيي ، ولكن بعد إقرار القانون، الولاء الجمهوري يتطلب بأن نعطي معنى لهذا القانون بحيث يؤدي إلى تحقيق تقدم للروح العلمانية. العمل على تحرير المرأة والثقافة، مكافحة التمييز، مكافحة جميع أشكال كره الأجانب.
- ما هو المطلوب لكي تشارك المدارس في بناء ما تسمونه الروح العلمانية الحقيقية ؟
العلمانية هي أيضا مسألة كفاءة للممارسة. وهي قوة غامضة. في المرحلة الابتدائية يتم تأسيس تميزات والتي بدونها لا توجد العلمانية. أقصد على وجه الخصوص، المعرفية وغير المعرفية. المعرفة، الإثبات والتظاهر، ليست نفس الرغبة و الاعتقاد والتفضيل.
تميزات أخرى أساسية، التي لا يوجد فيها شيء من الطبيعية كالعام والخاص. المعلمين في وقت النضال من أجل العلمانية عرفوا أحيانا أن يلقنوا الأطفال أنه يوجد قبعتين: الأولى من المعلم الذي يدرس المعارف "من غير المسموح له تجاهل ذلك"، والأخرى للفرد الخاص الذي يمكن أن يكون له الخيار ليعيش حياة متميزة ولكن بدون أن يلقنها للأطفال . إن حياديتنا هي التي تدعم التطورات غير المحايدة والأولية للطلاب، هؤلاء يجب أن يتعلموا كيفية التعبيرعن الخيارات والالتزامات بطريقة تحترم بها الأحداث و حرية الآخرين.

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe