الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

2 من 2 التغيير اللاعنيف أم الخراب العاجل ؟ سيد القمنى

الملاحظة الملفتة بشدة، هى أن الدكتور أبا حطب في طي سرده لأسباب استبعاده النضال العنيف، لا تجده يرفضه من منطق قيمي أو من باب أخلاقي، بل هو يرفضه لأنة لا يحقق الأهداف ، إنة يرفضه لأنه لن يحقق المطلوب ولأن المسلمين المسيسين علي حالهم اليوم لا يملكون القدرة للوصول إلى أهدافهم والاستيلاء على السلطة بالنضال العنيف.
إن عجز شعوبنا وسلبيتها ولا وعيها كلها نتواتج ثقافة مريضة هيمنت عليهم آجالاً طويلة وتسيدت في عصور ظلام ممتدة حتى اليوم، بينما استطاعت شعوباً أخرى بمفكريها وفلاسفتها من استبدال ذلك الظلام بجديد حديث حر، ولم يستغلوا ضعف النظام الحاكم للقفز علي الكرسي الكبير لينصبوا أنفسهم مستبدين جدد بذات الفكر القديم، وربما أكثر إستبداداً وسلفية وهو الأمر الأكثر منطقية، إن الدكتور يحرض الشعوب ضد حكامها لتمكين المتأسلمين مع بقائنا عبيداً كما نحن الآن، وبالقطع سيكون حالنا أسوأ مما نحن عليه الآن بمراحل.
إن النضال اللاعنفي الذي يدعو إليه الدكتور هو كالسرطان، الذي يمزق المجتمع كي يثأر من الحكومة. إنه حتى وهو يعرض علينا جديده السلمي اللاعنفي حافظ بداخله علي (سورس) العنف، والطبع يغلب التطبع.
إن عنفه اللادموي لا يحمل معنى الرضا والتراضي، فعنفه الديني ولاعنفه الثقافي يخرجان من مشكاة واحدة، وقودها الدم وتقيتها العدوانية الخبيثة، وكوكبها الدري المخفي وراء الخطاب المختال هو الإستيلاء على الحكم ولو على ردم من خراب. فالدكتور ليس لديه بديل يقدمه لنا بعد تدمير المجتمع, وبعد مقاطعة المواطنين للحكومة وللشركات الوطنية والوكلاء الذين يزودون النظام بإحتياجاته, وعدم التعاون مع الحكومة عند حاجتها لشعبها وإضراب الصدمة للفلاحين والعمال، والإستقالة من العمل الحكومي وسحب الولاء عنها ورفض مساعدة أجهزة الحكومة... إلي آخر ما قال من خراب ديار، إنه لم يقدم لنا البديل لأنه يعلم أن البديل أوضح من أن يشار إليه أو يعّرف، إنه الحل الرباني.. الإسلام هو الحل. فلا يبقى سوى القضاء علي الحكومة والإكتفاء بمشايخنا مراجعنا وبالأزهر بعد ذلك سنداً والإخوان وبن لادن ظهيرا، بعد أن تم إلغاء عقل الناس، بعد أن قضوا على الملكة الغريزية الباحثة عن المعرفة، وكفروا العقل النقدي، وأصبح الناس يسألون مشايخنا وهم يجيبون علي كل سؤال في كل شأن، هل مجتمع في الدنيا على هذا الحال له أى حقوق ضائعة من حقه أن يطالب بها؟؟
الغريب أنه وهو يعض على إيمانه بيده مع أخذه النضال اللاعنيف، فإنة باليد الأخرى يقر بما نقول، كما في قوله "جاء إصطلاح الإنقلابات والثورات التصحيحية للتخلص من أنظمة ظلت تمارس القمع والاستبداد لفترات طويلة.. إلا أن الأنظمة الجديدة التى أتت بها الانقلابات لا تمثل تصحيحاً ولا بداية جديدة كما كان متوقعاً، وهنا يكمن الدرس التاريخي الذي يدفعنا إلي التحفظ علي خيار الإنقلابات، فاحتمالية تحول من يقومون بالانقلابات تحت شعار الحرية لأنظمة دكتاتورية تظل إحتمالية قائمة".
إن هذه العبارة تكاد تكون العبارة الوحيدة الصادقة فيما قال أبو حطب جميعه، وهو يقدمه تبرير وتأكيد لدعوته لبدائل العنف للتخلص من الإستبداد، وهو يعلم أن مجتمعنا وهذا حاله إن تغير فلن يتغير فية سوي الوجوه والأسماء ودرجة الظلم. لأنه يستكمل صادقاً دون أن يعني نفسه أو جماعته قائلاً: "لأن هؤلاء الواثبون علي الحكم لم يؤسسوا لتقاليد الحريات المدنية والتحول الديموقراطى". إن الدكتور إن أراد حقاً خير الناس لأنشغل بهم وبحث عن أسباب الاستبداد رغم تعدد الإنقلابات والثورات وتغيير النظم الحاكمة مع كل حكومة في بلاد المسلمين، إن السبب هو إستمرار الثقافة الحاكمة دون تغيير ودون أن تشذ حالة واحدة عن هذه القاعدة.
إن مفاهيم حقوق الإنسان والديموقراطية والحريات علي أصنافها شئ غائب عن ثقافتنا, وغير موجود في مخزوننا المعرفي ولا حتى في معجمنا اللغوي، لأنه لو كان متواجداً لكان لدينا كل أنواع الحريات من قديم الزمان منذ السلف الصالح الذي نفترض هنا بالضرورة أنه هو من أسس للديموقراطية. إن قيمنا لا تعرف الحريات كما هي في الديموقراطية المحدثة، ولو كانت تعرفها كما يوعز لنا أبو حطب كي نستردها بالنضال اللاعنيف، لكان المسلمون أسبق الشعوب معرفة بها، ولنقلها الآخرون عنا؛ ولما انتظر العالم كله حتى يظهر روسو وفولتير ومونتسكيو.
وضمن مبراراته لنضاله اللاعنيف أن خيار الانتخابات الذي تلجأ له الأنظمة الدكتاتورية لا يؤدي إلي تحول ديموقراطي،.. يؤدي إما للتلاعب بنتائجها أو إلغائها بالكامل.. كما حدث في بورما 1990 ونيجيريا 1993 وفي الجزائر 1991.. وتعمد النظم الدكتاتورية إقامة هذه الإنتخابات في ظروف لا توفر المعايير المطلوبة لإجراء إنتخابات نزيهة.
والرجل محق تماماً في أن خيار الانتخابات لن يؤدي إلي تحول ديموقراطي، لكن ليس نتيجة تزييف نتائجها، فبفرض اكتمالها بكافة معايير الانضباط والالتزام الإداري، فإنها لن تفرز لنا عناصر من غير ذات المجتمع وذات الثقافة، إن مجتمع السادة والعبيد لن يفرز لنا من يقيم لنا الحريات، حتى أحزاب المعارضة لا تعرض في سوق الفكر ديموقراطية حقيقة أو لا تقدم نموذجا ديموقراطياً حقيقاً من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، كلها كالحكومة، طبعة واحدة، لأنها ثقافة المجتمع. كلهم عصابات تتصارع علي الفريسة، والفريسة لطيفة مطيعة لأنها تطيع الله ورسوله وأولى الأمر منها. ولأن أبو الحسن الماوردي قد قال في الأحكام السلطانية: "إن أهل الرأى متى عقدوا البيعة للإمام لا يجوز لمخلوق نقضها، لأن الرعية عليها بموجب هذه البيعة الاستطاعة، والنصر للإمام ما وسعتهم الطاعة، ولا يحل لهم القيام عليه بحال". هذا قول الفقيه، ومثله كان قول المثقف المستأنس، إذ يقول ابن هانئ الاندلسي قي المغرب يخاطب الخليفة:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنـت النبي محمد
وكأنما أنصارك الأنصار
وفي علوم الآداب تأدبنا بكتاب العقد الفريد إذ يقول في كتاب "الؤلؤة والسلطانة": "السلطان زمام الامور وميزان الحقوق وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدنيا وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود علي عباده، به يمتنع حريمهم وبه ينتصر مظلومهم وينقمع ظالمهم ويأمن خائفهم"، أما الحكماء من الفقهاء، فقد أفادونا بما انتهى إليه حشدهم: "إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنه تدوم، ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن. قال حذيفة ابن اليمان ما مشي قوم قط إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله.. وقال عبد الله بن عمر: إذا كان الإمام عادل فله الأجر وعليك الشكر، وإن كان الإمام جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر، وقال وهب ابن منبه فيما أنزل الله علي نبيه داود عليه السلام: إني أنا مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن كان لي علي طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة، ومن كان لي علي معصية جعلت الملوك عليهم نقمة".
الكل يقول نفس الكلام لانه لا يعرف إلا ذات الثقافة الواحدة، ولا يعرف غيرها، ولو عرف لفاضل واختار ومؤكد أنه كان سيبدل ويغير، لذلك لا يسمح الفريق الإسلامي لغيره بالكلام في هذا الميدان تحديداً، فهم وحدهم القادر علي تطبيق حاكمية الله في الأرض، دون أن يبرزوا لنا مرة التفويض المعطى لهم من الذات العلية بهذا الشأن، لاختيارهم أمناء علي حاكمية الأرض دون كل المسلمين.
إن طلب أبي حطب بثورته اللاعنيفة في ضوء موقف الشرع هو خروج عن هذا الشرع، هو خروج عن الدين بالضرورة، إلا إذا كان مقصده تطبيق الشرع الإسلامي بعد ثورته اللاعنيفة، وهو يقصد هذا المعنى ولكن من وراء تقية فريدة جديدة في إبتكارها، مما يدهشنا أحياناً من مدى التقدم والمهارة ودهاء التكتيك للخطاب المتأسلم الجديد .
إن المجهول هو المنتظر بعد إسقاط الدولة ونظامها وتدمير مجتمعها، لأنه لم يقل لنا ما هى بدائله وخططه لإحلالها محل ما سيحدث من خراب شامل. الدكتور يتركنا حيارى من المجهول الذي سيأتي بعد تدمير المجتمع، هل سيظل متمسكاً باللاعنف؟ إن مطلب الدكتور باللاعنف هو لأن المسلمين لا يملكون أدوات الإنتصار علي الحكومات بالعنف، فماذا بعد إسقاط الدولة والنظام ومجئ المجهول للحكم؟ إن هذا المجهول سيملك أدوات العنف من جيش وشرطة؟ أم أن اللاعنف هو الخطوة التمهيدية للإستيلاء علي أدوات العنف ليتم تفعيلها وممارستها من بعد التمكين؟
في تاريخنا مثل هذا نماذج أصيلة مكررة، فتاريخنا حافل بالكوارث، في تاريخنا بعد امتلاك الأمويين للقوة قاموا بتصفية آل البيت جميعاً بما فيهم الأطفال الرضع والنساء والكهول؟! محمد علي فى مصر قضي علي المماليك بمذبحته الشهيرة منعاً لأى معارضة. فبأى المثلين سيتأسى الحاكم المجهول الآتي؟ وماذا سيفعلون بنا نحن فقراء المسلمين في سبيل دعم حكمهم؟ التدمير التام هو خاصية الثقافة البدوية لأنها كالقبائل تتصارع صراعاً صفرياً تتم فيه إبادة الآخر أو إستعباده والإستيلاء علي ممتلكاته، كذلك كان بدو إسرائيل من الأسباط، ذبحوا بعضهم بعضاً في رحلة الخروج، إسرائيل وهى من أصول بدوية، عند إقامة دولتها استدعت ذات الثقافة : الإبادة الجماعية ما أمكن .
اليوم يفترض الرقي الإنساني، أن رفض العنف كأسلوب للنضال مطلوب ليس لأن المؤمنين لا يملكون القدرة علي العنف وإنما يجب رفض العنف من باب أخلاقي. اليوم ليس المطلوب هو نضال العنف واللاعنف، المطلوب تعزيز أكثر فرق المجتمع إخلاصاً للديموقراطية ومدى قرب أو بعد هذا الفريق أو ذاك من حقيقية الديموقراطية. اليوم من يستحق العقوبة وعدم المساندة هو الأكثر بعداً عنها، الذى يطلب دولة دينية لا علاقة لها بمعنى الدولة في مجتمعات اليوم، وبتكوينها الديني لن تستطيع أى تغير من أجل أى تقدم ممكن، أن الدكتور أبا حطب كواحد من المتأسلمين لا يدعو هنا إلي تغيير القائمين علي الحكم واستبدالهم بغيرهم، إنه لايدعو إلى تبادل السلطة وتداولها، إنما يدعو إلى ثورة مدمرة كاسحة دون عنف تؤدي إلى تفكك المجتمع نفسه شظايا.
إن البديل الذي يقدمه لنا المتأسلمون يجب أن يحوز مشروعية محلية ودولية أيضاً، لكن هذا الخراب المستعجل لا يحوز أى مشروعية، أبو حطب مثل الذي يريد ان يستخرج حصوة من كلية مريض فيفتح لها من رقبته.
يبقى أن يعرف القارئ، أنه مع إيمان أهلنا المتأسلمين، فإنهم لا يجدون حرجاً في أفعال من نوع ولون ما سأسوقه الآن، فالفكرة التي قدمها أبو حطب وصراعه اللاعنيف وأدواته ووسائله كلها هو فكرة ثم شرحها عبر حوالي عشرة كتب لجن شارب، وله موقع يحوي هذه الكتب مجاناً علي الشبكة الدولية للمعلومات، والعجيب أن أبا حطب لم يشر إلى شارب إلا إشارة عابرة لا توضح دوره كأرضية كاملة التمهيد لما قاله أبو حطب. يعنى جايب سيرة شارب ليخزي العين ليس أكثر، وللمدقق أن يلحظ أن الدكتور عندما نقل بنوده لأساليب النضال اللاعنيف أخذ 139 بنداً من بين 198 بنداً عند شارب ، وترك ما ترك عن عمد وقصد، لأنها لا تتفق ومذاقنا الإيماني كمظاهرات العري الكامل فى الشوارع وما يشبهها. وبعد جمع ما أراد من بنود وترك ما أراد من بنود، فحشد أفضل الوسائل وأسرعها لخراب مصر. وقام بتشغيل كلام شارب لانتفاضة إسلامية لاعنيفة، وبينما كان شارب منتجاً مؤثراً في المجتمعات الأوروبية، فإن كلامه المنقول إلينا عبر أبي حطب قد شابته النوازع ومطالب الأيديولوجيا الإسلامية، فأصبح غير صالح لنا ولا لغيرنا.
كلام شارب نفسه كان صالحاً لعالم يقف في مواجهة الاتحاد السوفيتي حتي انهار هذا الاتحاد. في زمن وفي ظرف مختلف، والأهم إختلاف ثقافة المستقبل، فبلادنا لا تخضع لحكومة واحدة، فهناك سلطة دينية وسلطة حكومية، وحسني مبارك لا يحكم مصر بشكل مطلق، فالأزهر يصدر الفتاوى قوانيناً تسري في الواقع، ودار الإفتاء تفعل ذات الشئ، وتضغط علي المواطنين بمزيد من التحريمات، لتوانيا وإستونيا وألمانيا الشرقية كلها كانت تحت هيمنة ديكتاتورية واحدة، هنا لدينا ديكتاتور موجود في الشارع ينتظر ساعة هيمنته. في لتوانيا عندما تم إسقاط السلطة الديكتاتورية، كانت الناس تطلب البديل وهو موجود لديها وهو العلمنة الكاملة بكامل الحريات والحقوق والمبادئ الديموقراطية. سقوط النظام هناك جاء بديله نظام ديموقراطي، وسقوط النظام العام هنا البديل الجاهز له هو الإخوان وإخوانهم من المتأسلمين، المشكلة أنه ليس لديهم حتى الآن أى بديل لا برنامج ولا دستور ولا شئ بالمطلق، ولا تعلم هل إذا أتاهم الحكم فهل سيحكمون ببركة دعاء الوالدين؟ لقد كان الصحابة والخلفاء يحكمون ببركة حضورهم زمن الوحي ومصاحبة الرسول والتعلم منه مباشرة، والإخوان أوغيرهم من فرق الإسلام السياسى ليسوا صحابة ولا مبشرين بالجنة، فما بال الإخوان لا يقدمون برنامجاً علمياً واضحاً ولا دستوراً، ويطلبون الكرسي بالعنف وباللاعنف وبأى أسلوب ممكن، إنهم يقدمون لنا المجهول.
إن سقوط نظام المجتمع في بلاد مثل بلادنا وفي ظل مناخ ثقافي كماخنا لا يعني إلا عراق جديد كمثل صارخ بحجم الثارات في ثقافتنا، والتى لا يضبطها سوي استمرار النظام الضابط لهذا المجتمع، وهو نظام اجتماعى عام منذ مينا موحد القطربن ، هوغيرنظام الحكم، بينما أبو حطب يوجه بنوده لضرب النظام الضابط للمجتمع. إنهم يريدون الحكم ولو بدمار النظام الإجتماعى العام، على جثث ألوف المصريين كما العراقيين أو ربما الصوماليين ، وعلى ردم من خراب الديار ودمار العمار.
إنهم لا يمانعون أبداً ماداموا هم من سيحكم.
يا أبا حطب إن الإحصاءات في مصر تقول أن مجمل الوقت المنتج فعلا للموظف المصري هو ثلاث ساعات في الشهر، يعني هو في حال نضال لا عنيف بمزاجة وعلى كيف كيف أهلة ،وهذة إهانة اوجهها لشعبى و أقصدها ولا أعتذر عنها،وذلك لهشاشة الدولة وسوء الإدارة وخضوع الحكومة للتيار الدينى وابتزازة لهالأنها استبدادية فاسدة حتى نخاع جيناتها ، فهل هناك خراب أكثر من ذلك؟؟
هيه ناقصاك يا أبو حطب ؟!!

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe