السبت، 31 أكتوبر 2009

إختلافات جوهرية بين المصاحف

 

 سنورد في هذا المقال الفروق والتحريف الذى حدثت بين مصاحف النبى التى أملاها محمد بنفسه لكتبة الوحى من جهة ومصحف عثمان بن عفان الذى يستعمله المسلمون اليوم

أهم مصاحف النبى التى أملاها بنفسه لكتبه الوحى قبل موته 1- مصحف عمر بن الخطاب 2-مصحف علي بن أبي طالب 3-مصحف أبي بن كعب 4- مصحف عبد الله بن مسعود 5-مصحف عبد الله بن عباس 6- مصحف عبد الله بن الزبير 7-مصحف عبد الله بن عمر 8- مصحف عائشة زوجة النبي 9- مصحف حفصة زوجة النبى 10- مصحف عبيد بن عمير الليثي11-مصحف عطاء بن أبي رباح 12-مصحف عكرمة13-مصحف مجاهد14-مصحف سعيد بن جبير 15-مصحف الأسود بن زيد 16-مصحف محمد بن أبي موسى 17-مصحف حطان بن عبد الله الرقاشي 18-مصحف صالح بن كيسان19 -مصحف طلحة بن مصرف20-مصحف الأعمش21-مصحف علقمة بن قيس 22- مصحف فاطمة

*******

كان كل صحابي يملكَ مصحفا، فقد شاهدَوا نزول آياته وعايش أحداثها، وعرف أسبابها، وكانت هذه المصاحف تختلف عن بعضها كتابتاً وقراءة ، وكانت هذه الإختلافات كبيرة وصلت لحد الاقتتال فيما بينهم .كما جاء في رواية انس بن مالك عن اختلاف المعلمين والغلمان في القران لدرجة الاقتتال



وقد ذكر السجستاني في كتاب (المصاحف ص60- 98) في باب اختلاف مصاحف الصحابة ، قائمة باثنين وعشرين مصحفا مخالفا لمصحف عثمان .

وذكر ايضا االسجستاني بالأسانيد اوجه الخلاف فيما بينها وبين المصحف الحالي.


1- مصحف علي بن أبي طالب

سورة البقرة آية 285 { آمن الرسول بما أنزل إليه وآمن المؤمنون وهي في المصحف العثماني { آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون . كتاب المصاحف.
روى السيوطي في الاتقان بسنده عن ابن سيرين انّه قال عن الامام علي: (أنّه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وانّه قال: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه). الاتقان للسيوطي 1 / 59؛ ومناهل العرفان 1 / 247؛ وطبقات ابن سعد 2 / 338؛ والصواعق المحرقة ص 126؛ وتاريخ القرآن للزنجاني ص 48.
روى ـ أيضا ـ ابن سعد في الطبقات عن ابن سيرين انّه كتبه على تنزيله فلو اصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. طبقات ابن سعد 2 / 338؛ وط. أوربا 2 / ق 2 / 101؛ وتاريخ الخلفاء ص 185؛ وكنز العمال 2 / 373؛ والصواعق المحرقة ص 126.

*** لو نظرنا إلى بعض (وليس كل) الاختلافات اللفظية في المصحف العلوي عن العثماني مما بقى ذكره بعد ضياع الأصل (40)
وقد اتبعت في ترتيب عرض النصوص الآتي
نص القرآن الحالي العثماني – نص المصحف العلوي (تعليق بين قوسين)
سورة الفاتحة:
* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - اهْدِنَا ثبّتنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (تحريف بالزيادة أو النقصان)
* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ - غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغير الضَّالِّينَ (اختلاف في النص وبقاء للمعنى)
سورة البقرة:
* فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا - فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا (تحريف بالزيادة يقلب المعنى)
* خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا - خَافَ مِنْ مُوصٍ حِيفًا أَوْ إِثْمًا (اختلاف في النص بين جنفا وحيفا لعدم وجود تنقيط في الرسم القرآني)
* وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ - وَأَقيموا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للبيت (اختلاف في النص والمعنى)
* مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ - مِنْ رَبِّهِ وَآمن الْمُؤْمِنُونَ (تحريف بالزيادة أوالنقصان)
سورة آل عمران:
* يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا- يَفْرَحُونَ بِمَا أَوتُوْا (اختلاف في الحرف يغير في المعنى)
سورة النساء:
* وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ- وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالٍِ وهو العصبة مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ (اختلاف نصي وتحريف بالزيادة أو النقصان)
سورة الأنعام:
* إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ - إِلَّا لِلَّهِ يَقْضي الْحَقَّ (اختلاف نصي واقتراب في المعنى)
سورة الأعراف:
* فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ- فريقين فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ (تحريف بالزيادة أوالنقصان)
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً له يَوْمَ الْقِيَامَةِ (تحريف بالزيادة أوالنقصان
سورة الأنفال:
* وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ - وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَتُصِيبَنَّ (اختلاف نصي يقلب المعنى)
سورة التوبة:
* الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا - الثَّلَاثَةِ المُخَلِّفين (اختلاف نصي واقتراب في المعنى)
سورة هود:
* فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ - فَعَمَّاهاْ عَلَيْكُمْ (اختلاف نصي واقتراب في المعنى)
* وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ- وَنَادَى نُوحٌ ابْنَها (اختلاف نصي يغير المعنى)
سورة الرعد:
* أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا- أَفَلَمْ يَتَبَيْن الَّذِينَ آَمَنُوا (اختلاف نصي يغير المعنى)
* وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ - وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ (اختلاف نصي يغير المعنى)
* بَلَاغٌ لِلنَّاسِ - بَلَاغٌ وَهُدَى (اختلاف نصي يغير المعنى)
سورة الشعراء:
* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ-- وهُم أهلِ بَيْتَك منَ المُؤمنينَ . فإنْ عَصُوكَ وَرهْطكَ مِنْهم المخلصِينَ فقلْ (تحريف بالزيادة أو النقصان)
سورة النمل:
* أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ- أنا أنْظُر فِي كتابِ رنّي فآتيك بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ (تحريف بالزيادة أو النقصان)
سورة ق:
* وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ- وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِِ بِالْمَوتِ (انقلاب في النص والمعنى).
*******************************************************************

نص القرآن بما جاء في ذكر على بن أبي طالب وآل البيت فهناك الكثير من الأمثلة

* فعن أبي جعفر الباقر قال : «نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد هكذا : ( وإن كُنْتُم في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلَى عَبْدِنا - في عليّ ـ فأتُوا بسُورةٍ مِن مِثْلِهِ ) . (البقرة 23. راجع : الكافي 8: 53| 16.)
* وعن أبي عبدالله في قوله تعالى : ( من يُطعِ اللهَ ورَسُولَه ـ في ولاية عليّ والاَئمّة من بعده ـ فَقَد فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً ) (الاحزاب 33: 71)هكذا نزلت . (الكافي 1: 417 | 26 . الكافي 1 : 414 | 8)
* وعن أبي عبدالله قال : «نزل جبرئيل على محمّد بهذه الآية هكذا ( يا أيُّها الذينَ أوتُوا الكتاب آمِنوا بما أنَزَّلنَا ـ في عليّ ـ نُوراً مُبِيناً ) . (الكافي 1: 417/ 27)
* والمجلسي يُصرح قائلاً: ( أن عثمان حذف عن هذا القرآن ثلاثة أشياء: مناقب أمير المؤمنين علي, وأهل البيت, وذم قريش والخلفاء الثلاثة مثل آية " يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلا") (تذكرة الأئمة المجلسي ص9).
* وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : لم سمي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ؟ قال : الله سماه ، وهكذا أنزل في كتابه " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ( وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين ) (اصول الكافي ، كتاب الحجة ج 1ص 479.)
* وعن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ( بولاية علي ) ليس له دافع ، ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله (الكافي باب الحجة ج 1 ص 490.)
* و عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " فأبى أكثر الناس (بولاية علي) إلا كفورا ، قال : ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " وقل الحق من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين (آل محمد) نارا ( كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 493) .
* وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي) لكان خيرا لهم. ( كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 492)
* وعن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا (في علي) نورا مبينا. (كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 485.)
* وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله (في علي) بغيا. ( كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 484.)
* ويذكر على بن إبراهيم القمي في مقدمة تفسيره " أنه طرأ على القرآن تغيير وتحريف ويقول: وأما ما كان خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي ؟ فقيل له : فكيف نزلت يا ابن رسول الله ؟ فقال : نزلت كنتم خير أئمة أخرجت للناس" وقال: واما ما هو محرف منه فهو قوله : لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) كذا نزلت ، وقوله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) . (تفسير القمي مقدمة المؤلف ج 1 ص 36.)
* وعن أبي هريرة عن النبي قال: لما أسري بي الى السماء سمعت نداءا من تحت العرش أن عليا راية الهدى وحبيب من يؤمن بي، بلغ يا محمد، قال: فلما نزل النبي أسر ذلك، فأنزل الله يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك في علي بن أبي طالب وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس . (شواهد التنزيل ج 1 ص 249.)
* ويذكر الألوسي في تفسيره فقرة من القرآن هي مزيج من القرآن الحالي ونصوص أخرى ليست في قرآن عثمان
ان اقوم الدين،الحنفية مسلمة غير مشركة ، ومن يعمل صالحاً فلن يكفره، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب آلا من بعد جاءتهم البينة، ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية ، ما كان الناس آلا أمة واحدة، ثم أرسل الله النبيين مبشرين ، ومنذرين ، يأمرون الناس ، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويعبدون الله وحده ، وأولئك عند الله هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشيه ربه. (تفسير روح المعاني للالوسي 1/ 25)
* وقد ذكرها السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة البينة عن أبي بن كعب بنفس النص ( راجع الدر المنثور للسيوطي
http://www.al-eman.com/islamLib/viewchp.asp?BID=248&CID=545 )
* وأما عن اسماء الصحابة بفضائحهم فيذكر الكافي
عن البزنطي ، قال : دفع إليَّ أبو الحسن الرضا عليه السلام مصحفاً ، فقال : « لا تَنْظُر فيه » . ففتحته وقرأت فيه ( لم يكن الذين كفروا ...)( البينة 98: 1) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم . قال : فبعث إليّ : « ابعث إليّ بالمصحف » ( الكافي 2 : 631 | 16) .


مصحف عمر بن الخطاب
1 ) سورة الفاتحة آية 7 { صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين } وهي في المصحف العثماني {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. راجع المصاحف للجستستاني .
لقد عنون السجستاني لهذا المصحف، ولكنّه أورد تحته رواياتٍ مضمونها أنّ عُمَرَ قرأ آياتٍ على خلاف المصحف المعروف.
رواية الرجم. (رواها البخاري ومسلم وأحمد) ووافقته عائشة، كما سبق .
ورواية (لا ترغبوا). (رواها البخاري ومسلم).
ورواية الجهاد. (رواها السيوطي في الاتقان 3/ 84 والدرّ المنثور 1/ 106).
ورواية الفراش. (رواها السيوطي في الدرّ المنثور 1/ 106). وقد زعم عمر فيها أنّها كانت في المصحف تُتلى، لكنّه لم يجدها بعد ذلك!وبينما يعترفُ في حديث الرجم، أنّ إضافته لها على المصحف يسمّى زيادة عند الناس، ويؤكّد: (والذي نفسي بيده لولا أنْ يقول الناسُ: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتُها). (فتح الباري شرح البخاري 3/ 127).


3- مصحف اُبيّ بن كعب:

وهو من كبار القرّاء من الصحابة، حتّى رووا أنّ رسول الله قال: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن! فقرأ (لم يكن الذين كفروا ...) فقرأ فيها: (ولو أنّ ابنَ آدم سألَ واديا ...). (رواه السيوطي في الدرّ المنثور 6/ 378).
والزيادة مرويّةٌ عن آخرين من الصحابة، إلا أنّ المهمّ أمْرُ الربّ رسولَه بالقراءة على اُبَيّ؟!(صحيح البخاري 6/ 90 وصحيح مسلم 2/ 195 ).
وقد ورووا أنّه كانَ في مصحفه زيادة (وهو أبٌ لهم) في آية: (النبي أولى بالمؤمنينَ من أنفسِهِم) وأنّ غُلاما كان يقرؤها فمرّ به عمرُ فقال له: (حُكّها) فقال الغلامُ: لا أحُكّها، وهي في مصحف اُبيّ، فانطلق إليه، فقال له اُبيّ: (إنّي شَغَلَني القرآنُ وشَغَلَكَ الصفقُ بالأسواق). (رواه عبد الرزّاق في المصنّف 10/ 181، و السيوطي في الدرّ المنثور 5/183 عنه وعن سعيد بن منصور وابن راهويه وابن المنذر والبيهقي وغيرهم).
وكانت اية 158 من سورة البقرة في مصحف ابى } فلا جناح عليه ألا يطوف بهما{ وهي في المصحف العثماني } فلا جناح عليه أن يطوف بهما{
و سورة النساء آية 24 }.. فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن .. { وهي في المصحف العثماني }.. فما استمتعتم به منهن فأتوهن ..

 

مذبحة بني قريظة




ترددت كثيراً قبل طرح هذا الموضوع , ولكن بعد تفكير عميق قررت كتابتة , وذلك نظراً لوضع الأقليات بالشرق العام بوجه عام , والمسيحيين والأقباط بوجه خاص , فهم يعيشون في وسط كائنات لا تعرف سوى الإرهاب والقتل وقطع الألسنة , وهذا هو سلاحهم الوحيد , و بالتأكيد الكثير منّا يسمع خطب الجمعة التي تبين مدى كراهية المسلم لكل من هو غير مسلم , وذلك عملاً بالقرآن وتعاليم محمد , أول من صنع الإرهاب الدولي و الإرهاب الفكري , فكان له دور قوي جداً في صنع مصاصي الدماء و آكلي لحوم البشر مثل "خالد بن الوليد" ومن على شاكلته , وكلنا نعلم "خالد بن الوليد" الذي قطع رأس مالك بن نويرة و أخذ رأسه المقطوعة وطهى عليها الطعام! وهذا له شأن عظيم عند محمد و إله الإسلام لانه مجاهد يعمل للدين الإسلامي ويجاهد الجهاد المطلوب في سبيل إله الإسلام !

أردت أن أخذ قصة بني قريظة بالتحديد من وسط مئات المذابح الإسلامية التي يفعلها المسلمين بغير المسلمين تحت مسمى الجهاد . وذلك لان هذه القصة تعكس مدى كره محمد لليهود الذين لهم النصيب الأكبر من نصوص القرآن في قتالهم وذبحهم ويأتي من بعد منهم المشركين والنصارى

والسبب معروف , لان اليهود أكثر أمه تعرف صفات الأنبياء وتميز بين الصادق والكذّاب حسب تعاليم التوراة وسفر التثنية الإصحاح 13 , و تسببوا كثيراً في إحراج محمد أمام الآخرين , بعكس النصارى الذين كانوا منافقين .

ملحوظة : لست بحاجة لتوضيح أن النصارى ليس هم المسيحيين , لان النصارى هراطقة مكة .

نعود لمذبحة بني قريظة , التي كان سببها رفض اليهود بمحمد ورسالته ورفضوا تصديقة و مبايعته , و أعلنوا أنهم لا يفارقوا حكم التوراة ولا يستبدلوا به غيره !

مذبحـــة بنـى قريظــة
العفـــو عند المقدرة و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

من هى قبيلة بنى قريظة ؟
قبيلة بنى قريظة .. هى قبيلة يهودية وافقت على مساعدة قوات أهل قريش بقيادة أبو سفيان ضد قوات محمد رسول الإسلام فى غزوة الخندق .. عدد قومها غير محدد و إن كانت أقرب الروايات يقول بأن عددهم كان تسعمائة رجل تقريباً بأسرهم ( راجع كتاب محمد رسول الله لـ محمد رضا صفحة 238 )ا

ماذا حدث ؟ا
لم تحدث هذه المساعدة (بين قبيلة بنى قريظة و قوات أبو سفيان) نتيجة أنتهاء الحصار بين قريش و قوات محمد . و بالتالى لا توجد أى تهمة مثبته على قبيلة بنى قريظة .ا

ماذا فعل رسول الرحمة ؟ا
لم يغفر محمد أستعداد بنى قريظة لمساعدة قوات أبو سفيان و على الرغم من أن المساعدة المزعومة لم تحدث ، إلا أن محمد حاصر يهود بني قريظة خمسا وعشرين ليلة كما قال ابن إسحاق، وقال الواقدي إحدى وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، و هناك روايات أخرى تقول أن الحصار أمتد إلى خمسة و عشرين يوماً 25 يوما، ونتيجة لذلك أعلنت قبيلة بنى قريظة استعدادها للتسليم مع ترك كل ممتلكاتهم للمسلمين إذا سمح لهم أن يرحلوا في أمانا

غير أن محمد رسول الرحمة لم يوافق على هذا العرض. وعوضاً عن ذلك عين سعد بن معاز ليحكم في الأمر، الذي كان حكمة في بني قريظة معروفا مسبقا، لانه - اي معاذ - لما أصيب في غزوة الخندق قال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة. ( راجع كتاب محمد رسول الله لـ محمد رضا صفحة 237 )ا

و استدعى رسول الرحمة سعد بن معاذ، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وكان رجلا جسيماً واقبلوا معه إلى محمد وهم يقولون : يا أبا عمرو احسن في مواليك - اي احسن في بني قريظة - فان رسول الله إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم. فلما اكثروا عليه . قال: لقد آن لسعد ان لا تأخذه في الله لومة لائم. لما انتهى سعد لرسول الله .ا

قال رسول الله: احكم فيهم
قال سعد بن معاز : فاني احكم فيهم ان تقتل مقاتلتهم وان تسبى ذراريهم ان تقسم أموالهم .ا
فقال رسول الله : لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله .ا
فامر رسول الله ان تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسرى ان يكونوا في دار أسامة بن زيد.ا
ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم أمر بقتل كل من انبت.ا

( راجع محمد رسول الله ص 238 - وتاريخ الطبري 2/588 - ابن هشام؛ السيرة النبوية، الجزء الثاني، صفحــة 40 و41 )ا

أنظر رسول الرحمة و الأنسانية المبعوث من إله الإسلام يُصدق على حكم معاز الأرهابى و يقتل بالسيف كل رجال قبيلة بنى قريظة و يبيع النساء والأطفال كعبيد و يقسم كل ممتلكاتهم بين المسلمين .. إين العفو عند المقدرة الذى تغنى به محمد فى القرآن ؟ إين رحمة رسول الرحمة ؟ا

بعد كل هذا يخرج علينا داعية إسلامى و ينعق قائلاً : " الإسلام دين سلام .. الإسلام لم ينتشر بالسيف "ا

إذا كانت هذه هى تعاليم رسول الرحمة .. فأعتقد أن أى أنسان شريف هو أفضل منه ، هذه هى تعاليم هذا الإله المجهول الذى يعبده المسلمون الذى هو نفسه الشيطان الذى أضل و أغوى الكثيرين

[ لان مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيّرون شكلهم الى شبه رسل المسيح.ولا عجب.لان الشيطان نفسه يغيّر شكله الى شبه ملاك نور. فليس عظيما آن كان خدامه أيضا يغيّرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم .

----------------------
وانظر تفسير سورة الأحزاب 26 للقرطبي:ا

قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود , إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون , وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا , فخذوا أيها ; قالوا : وما هن ؟ قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه , فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل , وأنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم , فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم , قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا , ولا نستبدل به غيره
---
فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار , ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة , التي هي سوقها اليوم , فخندق بها خنادق , ثم بعث إليهم , فضرب أعناقهم في تلك الخنادق , يخرج بهم إليه أرسالا , وفيهم عدو الله حيي بن أخطب , وكعب بن أسد رأس القوم , وهم ستمائة أو سبعمائة , والمكثر منهم يقول : كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة

فلا نستغرب من سوء معاملة المسلم للأقباط وغير الأقباط , لان كل مسلم هو مشروع إرهابي , وقد ينجح هذا المشروع وقد لا ينجح , حسب شخصبة المسلم , وذلك ينبع من تعاليم أسوتهم "محمد" والقرآن , فأذا كان إسوتهم ومثلهم الأعلى بهذا الإجرام , فما بالك بالمسلم العادي؟

حقاً لقد وصف بولس الرسول هذه الأمه أدق وصف

رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 3

13 حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ.
14 وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً.
15 أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ.
16 فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ.
17 وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ.
18 لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ





الإباحية والقذارة في الإسلام


مايكل سعيد


لطالما صدعنا المسلمين بأباحية المجتمعات الغربية , وان عندهم الحرية بلا حدود , وانا مجتمعاتهم فاجرة وليس عندهم أخلاق , وليس وليس وليس .. إلخ من هذه القاذورات الإسلامية في وصف الآخرين بطريقة بها تهجم وتخلف وتعنت , ألا يستطيع الغربيين أن يردوا عليكم بالمثل , فكم من المجتمعات الإسلامية بها أإغتصاب للخادمات الفلبينيات و الإندونسيات , ألا يحدث هذا في "السعودية" , وكم الفجور واللواط المنتشر بالمدارس الأزهرية بمصر , وكم حالة إغتصاب تشهدها الصحف المصرية والعالمية للمجتمعات العربية , فكم من هذا يحدث بشكل دوري في هذه المجتمعات التي تتهم الغربيين بالفجور , دعنا من الدول والمجتمعات الفاجرة .
ما رأيكم بالدين الإسلامي العفيف الذي يرفض رفضاً باتاً ما تفعله المجتمعات الغربية والفضائيات الإباحية!!

1- إكرام الضيف بالطفلة الوليدة

(قال ابن جريج: واخبرني عطاء بن أبى رباح قال: كان يفعل يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلها المرأة لزوجها،قال عطاء: وما أحب أن يفعل وما بلغني عن ثبت قال: وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا قول وبه يقول سفيان الثوري: وقال مالك وأصحابه لا حد في ذلك أصلاً). (المحلى لابن حزم / ج 11 / ص 257 و 258 / ط دار الفكر بتحقيق أحمد شاكر).

2- نكاح المحارم،إنكح امك واختك وجدتك ... الخ. فلا حد عليك

(وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في ذلك كله ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته،وابنته،وأخته،وجدته،وعمته،وخالته،وبنت أخيه،وبنت أخته عالماً بقرابتهن منه،عالماً بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لاحق به والمهر واجب لهن عليه وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط وهو قول سفيان الثوري) (المحلى لابن حزم / ج 11 / ص 253 / ط دار الفكر بتحقيق أحمد شاكر).

3- لا حد في اللواط بل التعزير: (ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من اعظم العقوبات وقد أختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا أو الزنا أغلظ عقوبة منه أو عقوبتهما سواء على ثلاثة أقوال فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبدالله بن الزبير وعبد الله بن عباس وخالد بن زيد وعبدالله بن معمر والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا وعقوبته القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن وذهب عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي و قتادة و الأوزاعي والشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه وأبو يوسف ومحمد إلى عقوبته وعقوبة الزاني سواء وذهب الحاكم والإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهي التعزير قالوا لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسوله فيه حداً مقدراً،فكان فيه التعزير). (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم / ص 306 / طبعة دار ابن خزيمة).

4- الزنا بالخادمة جائز،يقول ابن الماجشون – فقيه مالكي وهو صاحب مالك: (إن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدِم – بكسر الدال - إذا وطئها). (المحلى لابن حزم / ج11 / ص251 / ط دار الفكر بتحقيق أحمد شاكر).

(الحنفية قالوا: إذا استأجر الرجل امرأة للزنا – فقبلت،ووطئها،فلا يقام الحد عليهما ويعزران بما يرى الإمام،وعليها إثم الزنا يوم القيامة،لما روى أن امرأة طلبت من راعى غنم في الصحراء أن يسقيها لبناً - فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها،ونظراً لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة ووطئها الراعي ثم رفع الأمر إلى عمر بن الخطاب،فدرأ الحد عنهما وقال: ذلك مهرها،وعد هذا استئجاراً لها). (الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري / كتاب الحدود – استئجار المرأة للزنا / ص1193 / ط الأولى لدار ابن حزم – بيروت).

5- امرأة تُمكن نفسها لصبي أو مجنون فلا حد على من واقعها .. ولا عليها؟!

قول الحنفية تحت قسم (زنا العاقل بالمجنون) (وإذا أطاعت المرأة العاقلة البالغة صبياً غير بالغ،أو مجنوناً ومكنته من نفسها فلا يجب عليها إقامة الحد ولا على من واقعها،لأن الحد يجب على الرجل بعقل الزنا). (الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري / كتاب الحدود – زنا العاقل بالمجنون / ص1175 / الطبعة الأولى لدار ابن حزم – بيروت).

6- لواط اللعب والتسلية البريئة فلا غسل علي

(إذا وطئ الصبي هل يجب عليه الغسل .. أجاب ابن عقيل عن هذه المسألة في صبي وطئ مثله،قال: إن كان له شهوة لزمه الغسل،وإن كان ذلك على سبيل اللعب لغير شهوة فلا غسل عليه). (بدائع الفوائد لابن القيم / ج2 ص 341 / ط مكتبة المؤيد).

7- (قال القاضي: لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعاً لأنها لا يشتهي مثلها فأشبه ما لو أدخل اصبعه في فرجها وكذلك لو أستدخلت امرأة ذكر صبي لم يبلغ عشراً لا حد عليها). (المغني لعبدالله بن قدامه / ج 10 / ص 152 / ط دار الكتاب العربي).


(قال البلقيني ووطء الميتة لا يوجب الحد على الأصح). (الإقناع للشربيني / ج 2 / ص 638 / ط دار الفكر 1415هـ).
(وبخلاف إدخال امرأة ذكر ميت غير زوج في فرجها فلا تحد فيما يظهر لعدم اللذة كالصبي). (حاشية الدسوقي / ج4 / ص 314 / ط دار الفكر).

(من زنى بامرأة ميتة لا يقام عليه الحد وإنما يعزر حسب ما يراه الإمام). (الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري / ص 1197 / ط دار ابن حزم) .....

كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن رجل عن ابن عباس أنه قال: وما هو إلا أن يعرك أحدكم زبـه حتى ينزل الماء ... عن ابن عمر أنه قال: إنما هو عصب تدلكه،وبه إلى قتادة عن العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازي،يعني الاستمناء يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل،قال قتادة: وقال الحسن في الرجل يستمني يعبث بذكره حتى ينزل قال: كانوا يفعلون في المغازي،وعن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: هو ماؤك فأهرقه يعني الاستمناء،وعن مجاهد قال: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك،قال عبدالرزاق: وذكره معمر عن أيوب السختياني أو غيره عن مجاهد عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالاستمناء. وعن عمرو بن دينار ما أرى بالاستمناء بأسا. قال أبو محمد رحمه الله: الأسانيد عن ابن عباس وابن عمر في كلا القولين مغمورة،لكن الكراهة صحيحة عن عطاء،والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن،وعن عمرو بن دينار وعن زياد أبي العلاء وعن مجاهد،ورواه من رواه من هؤلاء عمن أدركوا وهؤلاء كبار التابعين الذين لا يكادون يروون إلا عن الصحابة رضي الله عنهم). (المحلى لابن حزم / ج11 / ص393 / ط دار الفكر بتحقيق أحمد شاكر).

هذا غيض من فيض من ما ورد في الكتب الإسلامية , هناك أكثر من ذلك بكثير ولكنني أكتفيت بهذه الجرعة الخفيفية.



 

جون لوك العاشق للحرية


محمد نبيل الشيمي


جون لوك(1632/1704) العاشق للحرية الفردية الفيلسوف الطبيب المريض الذي ظل علي روحه المرحة رغم سقمه وصفه معاصروه من الفلاسفة بالرجل الجنتل.
الانسان في نظر لوك كائن عاقل والحرية لا تنفصل عن السعادة وغاية السياسة والفلسفة واحدة وهي البحث عن السعادة التي تكمن في السلام والانسجام والامن
وهكذا لا سعادة بدون ضمانات سياسية ولا سياسة حقة مالم تكن تهدف الي نشر السعادة المعقولة.
وتحتل الملكية الخاصة عند لوك مكانا متميزا وهي سابقة للمجتمع المدني وهي تمنح السعادة وكان يصر علي ان من غايات ووظائف الحكومة الحفاظ علي الملكية.كما كانت حرية الانسان شغله الشاغل وهي محور فكرة العقد الاجتماعي عنده وكانت افكاره عن الديموقراطية عبارة عن رؤية مثالية نابعة من طبيعة هذا المفكر الذي
وضع حرية الانسان فوق كل الاعتبارات وهذه الافكار/
1. الناس جميعهم سواسية فلا مراتب ولا درجات ولا فئات بين البشر.
2. الناس خميعا احرار وهم سواء في حقوقهم السياسية.
3. تقوم السلطة السياسية علي اساس التعاقد القائم علي التراضي بين طرفي العقد فلا يستطيع احد ان ينتزع السلطة ويستولي علي الحكم رغما عن ارادة المحكومين.
4. التأكيد علي حكم الاغلبية.
خلط لوك بين معني المجتمع المدني والحكومة التي حصر وظيفتها في الادارة والتشريع لا الحكم والتشريعات والقضاة والبوليس قوي كانت تنقص الناس وهم في حالة الطبيعة ووظيفة الحكومة المدنية توفير هذه القوي والحكام مجرد اداريين في خدمة الجماعة ومهمتهم تأمين الراحة والاذدهار للمواطنين.
رؤية لوك حول الحكم/
قدم لوك السلطة التشريعية علي باقي السلطات لان المهم عنده صنع القوانين اما السلطة التنفيذية فهي ممنوحة للامير كي يرعي المصلحة العامة واكد علي عدم اجتماع السلطة التنفيذية والتشريعية في يد واحدة وعلي الرغم من رفعه من قدر السلطة التشريعية علي غيرها من السلطات الا انه جعلها محددة بالحقوق الطبيعية.
مفهوم الثورة عند لوك/
يري ان من حق المحكومين مقاومة السلطات عندما تنال من الحقوق الطبيعية خصوصا الحرية والملكية الفردية ولكن المقاومة في نظره ليس بهدف تحقيق الاماني الشعبية بل الدفاع عن النظام والهدف من الثورة عند لوك حمل الامير علي التفكير والعوده لاحترام الشرعية وهذا التفسير يعني ان لوك لم يكن يطالب او يشجع علي العصيان او الثوره الشعبية ولكن هي فقط مجرد دعوة الي التعقل واشعار الامير بان هناك تبرما ناتجا عن فقد الرعية لحريتها وملكيتها الفردية.
ان نظرة لوك الي الثورة وقصرها علي حمل الامراء علي التفكير فيما دفع الرعية الي التململ والتبرم من الاوضاع يعني ذلك ان لوك لم يكن اطلاقا ثوريا وظل علي مبتغي وحيد هو ان يتمتع المجتمع بالنظام والهدوء.
ام رؤية لوك في الدين فانه كان يفضل بل يمثل الاتجاهات العلمانية التي تفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية ويؤكدعلي أن كل سلطات الحكومة المدنية هي فقط بخصوص المصالح المدنية ولاعلاقة لها بما يتعلق بالدين والملل والعقائد وفي إطار رده علي منتقديه الذين اعتبروه ناكرا للدين قال انه يؤمن بالوحي وانه من انصار المسيحية العاقلة التي يمكن اثبات ما تحويه من معتقدات جوهرية بالعقل بعيداَ عن أي رؤية غيبية .
لقد كان لوك بالفعل تواقاً للحرية الفردية التي هي منحة الله للانسان والتي يجب علي المجتمع الحفاظ عليها .


ابن طفيل فيلسوف العقلانية


محمد نبيل الشيمي


ولد أبو بكر محمد بن عبد الله ابن طفيل في وادي أش أحد أقاليم غرناطة ويختلف المؤرخون حول تاريخ مولده فمنهم من يذكر أنه ولد عام 1106م/ 500هـ في حين يرى آخرون أنه ولد عام 1110م / 506هـ أما الدكتور عبد الرحمن بدوي يري أن مولد ابن طفيل كان في العشر الأولى من القرن الثاني عشر أي بين 495 إلى سنة 505 هـ
اشتهر ابن طفيل بأنه كان عالماً واسع الإطلاع مثقفاً رفيعاً حفظ القرآن الكريم في مرحلة مبكرة من حياته وكان ملماً بالحديث النبوي فضلاً عن شدة ولعه بالفلسفة مع إلمامه بالعلوم الطبية وأسرار علم الفلك ... وكانت الفترة التي اقترب فيها من الخليفة أبي يعقوب يوسف (أحد ملوك الموحدين) أهم فترات حياته فقد كان أبو يعقوب مشجعاً وقريباً من العلماء والمفكرين ويجلهم ومن ثم كانت هذه الفترة مرحلة فارقة في حياة ابن طفيل حيث أبدع وفكر وقدم للفكر الإنساني الكثير وكان يجمع حوله المشاهير من العلماء والمفكرين وأشهرهم ابن رشد حيث استدعاه بن طفيل ليشرح كتب أرسطو في حضرة الخليفة .
على الرغم من إسهامات ابن طفيل في مجالات العلوم والفلسفة فإنه لم يحظ بما حظي به من هم أقل منه شأناً ومعرفة فهو كما تقول د. سمر العطار "ابن طفيل عالم عربي منسي ومدفون تحت غبار التاريخ رغم تأثيره الواضح على العديد من مفكري أوربا في أوائل العصر الحديث " كان ابن طفيل فيلسوفاً يقدم العقل والتفكير على ما عداه رغم أنه لم يكن معاديا ًللتصوف وكانت فلسفته عبارة عن عصارة أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن سينا وفيها رائحة فكر المتصوفة ومذهب أخوان الصفا .. وقد تغلبت آراء المعتزلة على تفكيره حيث سلك الطريق الذي يجعل العقل سبيلاً إلى الله وكان يرى أهمية إطلاق قوى العقل من قيود المادة وفي هذا الصدد وقف ابن طفيل سدا منيعاً أمام المعتقدات التقليدية التي انتشرت خلال القرن الثاني عشر وقد ركز في رواية حي بن يقظان على ضرورة أن يعتمد الإنسان على عقله وألا يكون خاضعاً لسلطة أحد وأن أحداً من البشر ليس في مقدرته أن يفرض رؤيته على الآخر أو يحتكر الحقيقة لنفسه وقد كانت روايته المشار إليها كما تقول د. سمر العطار من أهم الكتب التي بشرت بالثورة الصناعية وأفكار هذه الرواية مثبوتة بشكل أو بآخر وبدرجات مختلفة في في كتب الفلاسفة الكبار كجون لوك وجان جاك روسو وفولتير ... كانت روايته تحمل قيم المساواه والحرية والتسامح وهي القيم التي مهدت للثورة الفرنسية .


ومن المفكرين من يرى أن رواية حي بين يقظان أحدى الروائع الفكرية فهي ذاخرة بفكر فلسفي عميق استهدف منها ابن طفيل بيان اتفاق العقل والنقل (الدين الفلسفة ) وشرح سيرة المعرفة الإنسانية والكشف عن قدرات الإنسان المعرفية والعقلية أمام ما يقابله الإنسان من غيبيات وكيف يرقى بنفسه إلى عالم المعرفة الصحيحة القائمة على الحس والتجربة وحي بن يقطان بهذا الفهم هو رمز العقل الإنساني المتحرر من كل معرفة سابقة وهو بذلك يهتدي إلى نفس الحقائق التي جاء بها الإسلام .
والملاحظ ان ابن طفيل اختار لروايته إسماً يدل على عمق معرفي لديه (حي بمعنى عائش أو على قيد الحياة ـ يقظان بمعنى منتبه) ولهذا بعد فلسفى لديه حيث اتصور أنه ربط بين ضرورة أن يكون الإنسن مستيقظاً متنبهاً قادراً على الكشف عن الحقيقة واكتساب المعارف وينطلق فكر ابن طفيل ليقرر أن الإنسان يمتلك القدره بما يملكه من عقل على إدراك أسس الفضائل والأخلاق وأخضاع الشهوات الجسدية لحكم العقل دون إهمال الغرائز الطبيعية .
التوفيق بين الفلسفة والدين :-
شغلت قضية التوفيق بين الفلسفة والدين ابن طفيل وكانت هذه القضية أحد أهم القضايا الفلسفية التي خاضها الفلاسفة ومنهم الكندي في العصر العباسي وتعرض بسببها إلى السجن في معتقلات المعتصم العباسي ، وكان ابن طفيل من الذين أخذوا على عاتقهم توضيح واثبات أن لا تناقض بين الفلسفة والدين أي لا يوجد أي اختلاف بين أحكام الدين وما يدركه العقل بنفسه من قيم الحق والخير والجمال فضلاً عن أن الحكمة التي أرادها الشارع الحكيم تكمن في مخاطبة الناس على قدر عقولهم دون كشف عن حقائق وأسرار الحكمة وأن الخيرللناس مع التزام حدود الشرع وترك التعمق .
رأى ابن طفيل أن العقل نور من عند الله وأن الشريعة أيضاً وحي من الله وهو سبحانه المصدر الواحد للعقل والدين من ثم فلا يوجد أدنى إمكانية للتناقض أو الاختلاف بينهما حتى ولو كان هناك خلافاً فهو مجرد خلاف ظاهري لا يمتد إلى الباطن (خلاف في الشكل لا في الجوهر) وإن كان هناك خلاف ظاهري فهو ناشىء من عقلية البشر ونقص في القدرات العقلية للإنسان وعندها يعجز الإنسان عن إدراك الوحدة بين الفلسفة والدين ... أى ( العقل والشريعة ) ويلاحظ أن هناك تناقضاً بين أحكام الشريعة والحقيقة الفلسفية فعليه أن يعلم أن هذا التناقض ظاهري ووجب عليه أن يفسر الأقوال بما يوافق الفلسفة .
.... أكد ابن طفيل على أن الله خلق البشر بصفقات مشتركة تتمثل فيما حباهم من عقل وميزهم بالطابع الإنساني وأنهم أحرار متساوون ... كان يرى أن قيمة التسامح من القيم الأساسية في أي مجتمع وهو في ذلك ينبذ العنف وعليه أن يتسلح بالعقلانية في التفكير .. وكان يرى أن من اتخذ العنف طريقاً فهو شخص غير عقلاني وغير مدرك بما سوف يؤؤل إليه من نتائج .
ويبقى السؤال ماذا لو أن ابن طفيل بفلسفته العقلانية ما زال حياً يرزق أتصور أنه كان سيلاقى من العنت الكثير بل أنه لم يك ليترك حراً طليقاً فالمتزمتون وأصحاب الأفكار المغلقة المتعلقة بالخرافات والغيبيات المتناقضة مع العلم كانوا سيكيدون له كيدا كان مصيره كمصير الكندي وابن رشد وابن المقفع الذين وقفوا بفكرهم أمام المعتقدات البالية والأفكار الجامدة . ثم هل كان الجكام ليتركون فيلسوفا يدعو للعقل والحكمة وارساء قيم التسامح بين البشر وعدم خضوع الانسان لسلطة أحد سوى قناعاته بأنه على حق وهو مالا يقبله المستبدون من الحكام
... كان ابن طفيل مفكراً عظيماً ... ويوم وفاته عام 1185م / 581 هـ فقد الفكر الإنسان أحد رواده وانطوت صفحة من انصع صفحات الفلسفة العربية ... وانطفأت إحدى شموع العقلانية والوسطية .
المصدر :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- د . خليل الجر / حنا الفا خوري ـ تاريخ الفلسفة العربية (ج 2) دار الجيل ـ بيروت
- د. سمر العطار ـ الجذور الحيوية لعصر التنوير في أوربا تأثير ابن طفيل على الفكر العربي الحديث .ملخص جريدة الشرق الأوسط العدد 10599 ديسمبر 2007 .
- د. رياض نعسان أغاا : خصائص الحضارة العربية الإسلامية ـ ابن طفيل رياض الفكر .
- د. عبد الرحمن بدوي : حي بن يقطان لا بن طفيل تراث الإنسانية / مهرجان القراءة للجميع الهيئة المصرية العامة للكتاب .

 

ابن المقفع شهيد الرأي


محمد نبيل الشيمي


ثقافة عبدالله بن المقفع كانت وبالاً علية وسبب محنته التي انتهت بقتله كما يقال بدم بارد .. هذا الأديب المرموق الذي جمع بين ثقافات عديدة (الفارسية / الهندية / اليونانية / العربية) صنع منها كوكتيلاً فكرياً فريداً لم يبلغه أحداً من أقرانه في عصره ... كان يتسم أدبه بسلاسة لا نظير لها وكان لسانه ينطق فصاحه وبلاغه ... وكان هذا كان كفيل بأن يقوده إلى الموت على أيدى الطغاه الذي ضاق صدرهم من حرية الرأي والتعبير فكفى الخلفاء أصفيائهم من المنافقين والمتزلفين والمشايعين لرغبات ساكني القصور الذي وصل بهم الحال إلى محاسبة المفكرين والأدباء على سرائرهم حتى لو لم يعلنوا عما في أنفسهم ... وترك ابن المقفع قبل استشهاده كتابه الأشهر (كليلة ودمنة) وهو مجموعة من الحوارات تدور على ألسنة الحيوانات والطير يقصها (بيدبا) للملك دبشليم وقد طرح ابن المقفع من خلال هذه المحاورات آراءه السياسية في أسلوب الحكم السوي ... وعلى الرغم من أن الشائع عن هذا المؤلف من قيام ابن المقفع بترجمة محتواه عن الفارسية من أصولها الهندية فهناك من يرى أن المؤلف من إبداع ابن المقفع وليس مجرد ترجمة أيضاً ألف كتاب تحت اسم الأدب الصغير والأدب الكبير والأدب الصغير مجموعة من الوصايا الخلقية والاجتماعية التي تقود الناس إلى الصلاح في الحياة وفي العلاقة بعناصر المجتمع ... أما الأدب الكبير فيتناول (السلطان الحاكم )وما يتصل به من السياسة والحكم والصداقة وصفات الصديق الصالح .
أما الرسالة في الصحابة .. فقد كتبها وأرسلها إلى المنصور ولم يفته أن ينعت المنصور بأفضل الصفات ويمدحه ويؤكد على أنه أفضل من البيت الأموي ثم انتقل إلى توجيه الخليفة بعدد الوصايا كالاهتمام وضمان أرزاق جنود الدولة في خراسان وأن يضع بشأنهم قانون يحول بينهم وظلم الحكام حتى تكون حياتهم هادئة ... وتضمنت الرسالة توصية المنصور بأن يهتم برعاياه من السكان الذين ظلموا خلال حكم بني أمية فضلاً عن اقتراح أن يصدر الخليفة كتاباً ملزماً للفقهاء للعمل وفق أحكامه وعدم الاختلاف بينهم بما يوفر الاستقرار للأحكام ورغبة من ابن المقفع إرضاء المنصور ولإدراكه مقته وكرهه الشديد لأهل الشام فإنه في رسالته طلب الاحتياط منهم مع الشدة عليهم بعدل .
لكن المنصور المعروف عنه ضيق الصدر والأخذ بالظن فيما يتعلق بملكه ومن ثم كان يتم محاسبة المشكوك في أمره بأشد العقوبات وكان الجزاء في الغالب القتل وكان من أول ضحاياه أبو مسلم الخراساني الذي يعده المؤرخون أحد أهم دعائم الدولة العباسية والذين كان لهم باع كبير في توطيد أركانها وكان أيضا مصير ابن المقفع القتل بأمر من المنصور قام سفيان بن معاوية والي البصره بقتله بطريقة يشيب لها الولدان فقد قام بتقطيع جسمه جزءاً جزءاً ويضع كل قطعة في النار ... يراها ابن المقفع بعينه تحترق حتى مات وكانت التهمة جاهزة فقد اتهموه بالزندقة والواقع لم يكن كذلك فقد كان المنصور كغيره من الملوك طاغية مستبداً ... ولذا كان يعمل على تفريغ المجتمع من المخالفين في الرأي بإرهاب وتصفيه الكتاب والمفكرين ... وما زال يحدث ذلك في زماننا وإن تغيرت أساليب ووسائل الإقصاء والتعذيب ... ابن المقفع ما زال حياً بيننا بما أنجز وأعطى للإنسانية ولكن المنصور ومن على شاكلته لم يبق لهم في ذاكرة التاريخ غير وصفهم بالسفاحين ... حتى ولو كان لهم من الإنجازات الكثير .
 

إشكالية الوجود المسيحي في الشرق.....بقلم اسحق قومي

إشكالية الوجود المسيحي في الشرق.....بقلم اسحق قومي

 

إذا كانَ الوجود والكون والعالم مكوّن من الماء والتراب والهواء والنار بحسب الفلسفة اليونانية ،والإنسان مكوّن من الجسد والنفس والروح. فإنَّ العالم بمجمله مكوّن من الكربون.وأما نشوء الحياة فقد قرأتُ في الأناجيل البابلية والآشورية أنَّ أساس وجود الحياة هو (بحر نموّ). وهي المياه الصافية التي أقرَّ العلم الحديث مؤخراً بأنَّ الحياة الأولى نشأت عبرها ومن خلالها،وحينَ نقولُ بأنَّ هناكَ وجوداً وعالماً وكوناً..فإننا لا بدَّ من أن نقرَّ بأن آلية الوجود محكومة بعلة أولية ومخزونة في حكمة ٍ سُميتْ عبر مراحل الفكر البشري وتطوره بعدة تسميات.(الإله)
والفكر ُ الإنساني ميزَ عبرَ كينونته وارتقاءه بين مفاضلتين هامتين حين كان يُصنف محتواه تجاه الواقع المادي والإنسان بما يحملهُ من جانب وجداني وروحي.فقد سميَّ كلّ ما يمت بصلة إلى الوجود والقيم الوجودية المادية في فكره بالفكر الفلسفي المادي.
وكلّ ما يتعلقُ بالإجابة عن الأسئلة الماورائية التي هي خارج حدود الذات الإنسانية بالفلسفة المثالية وقد تشترك فيما بينها أحياناً وتتداخل مفهوماتها عبر الفكر الإنساني.
والدين كفكر ٍ هو الجزء الهام الذي شغِلَ الإنسان وابتداء هذا الفكر موغل ٌ في القِدمْ. فعندما بدأَ الإنسان في الفصل بين ذاته ِ والموضوع أو العالم الخارجي وهذه القدرة تعود إلى ملايين السنين تعبدَّ الإنسان لمجموعة ظواهر طبيعية وكونية وبدأت فكرة الدين لديه.
وإذا كان الفكر المعرفي للإنسان قد تنوع في مصادره ومناهله فذاك تبعاً لمجموعة استجابات ٍ واقعية ٍ تعرضَ لها الإنسان من خلال احتكاكه بالعالم الموضوعي وعبر عملية العمل. وكان لابدَّ من التراكمات المعرفية حول مصيره ونهاياته فكان إنْ نتج عن هذا التفكير ( الأسطورة) التي تشكل أول الإجابات عن مجموعة الإرهاصات الفكرية للإنسان ومصيره ونهاياته.وكانت تلك الأفكار المعرفية تكوّن المرحلة الأولى للفكر الديني في حالته المتطورة آنذاك.والتي جاءت متجسدة عبر مدرسة( أريدو) التي تقع إلى الجنوب الغربي من بابل في بلاد مابين النهرين سابقاً.
والتي كانت تدرّس مفهوم الإله الواحد وتصدت بذلك لمجموعة من الأفكار الدينية في عهدها .ونرى انتقال هذا المفهوم للإله الواحد مع رجل ٍ اسمه ابرام (إبراهيم الخليل) الذي خرج من أور الكلدانية إلى حران ومن بعدها إلى فلسطين وهناك يتم التلاقح بين فكره وفكر المصريين من خلال ( آمون) القائل بفكرة الإله الواحد. ويظهر الإله الواحد في التاريخ المعرفي للإنسان .كأحد المخارج المنطقية لتوحيد الأفكار الدنية المختلفة وربما كان هذا الإرتقاء والتوصل إلى هذه الفكرة إحدى البوابات الأكثر نجاحاً في القضاء على مجموعة الأفكار الدينية وصراعاتها.ورغم استمرار تلك الأفكار إلا أننا نجد أنَّ تسميات ٍ مختلفة للإله الواحد في كلٍّ من بلاد مابين النهرين وبلاد الشام ومصر واليونان. ولكن في مجملها تهدف إلى إله واحد يحكم الكون...
ولكن مشكلة اللغة واختلافاتها تؤدي بالضرورة إلى القول أنَّ اللغة والفكر توأمان.فاللغة هي نتاج فكر ٍ متطور ٍ وقادر ٍ على أن يستوعب المحيط المادي وما بعده في إجابات كانت في وقتها الأكثر واقعية ...وهنا في استهلاك الإنسان للعالم معرفياً حيث يتمكن من القدرة على أنهُ مخلوق ٌ مسئول وهو وحده من سيدفع ثمن الخطيئة الأولى مع وجود الموسوية . وهذا ما نجده في سفر التكوين( الخطيئة الأولى. الأب الأول آدم...الأم الأولى حواء). ومع أننا نرى أن هذا الأب الأول ليس هو الأول فعلاً بل سبقه العديد من الآباء الأوائل . إنما حين دونت التوراة كان الهدف من الإشارة إلى الأب الأول ( آدم) كي تربط عملية الفصل بين الخير والشر. بين المسموح له من قبل الخالق وبين المحظور.
وهكذا يأتي موسى الآرامي الجنس العبري التسمية والمتربي في حاضرة الفرعون ليكون قائداً لشعبه الذي تغرب في أرض مصرَ وأصبح أمة عظيمة ً، يتلقى ومن على جبل سيناء لوحي الوصايا ، بمعنى آخر كان لا بدَّ لذاك الشعب الهائم في برية سيناء من ضوابط أخلاقية وقانونية. وكانت الشريعة تختصر بمجملها الأفكار والشرائع التي سبقتها في بلاد مابين النهرين( شريعة حمورابي ومن سبقه)....
وحين جاء موسى ولوحي الوصايا معهُ وبدأ يعلم الشعب تلك الوصايا فقد وضعَ الإنسان أمام مفاهيم جديدة..فهناك الشريعة وأحكامها والوصية والموت والحياة. ولأننا لا نريد الدخول في تفنيد تلك الشريعة التي عرّفت الإنسان عن سلوكيته وتصرفه وعبادة الله الواحد. إلا أن تلك الشريعة والأحكام تعرضت إلى الكثير من التزييف والتزوير في الشكل من خلال تطبيقاتها العملية. ولم تصل تلك التطبيقات إلى جوهر الشريعة المقدسة.فكان الناموس مؤدبنا إلى السيد المسيح.( لأنّ الناموس بموسى قد أُعطي وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح).الذي جاء في ملء الزمان ليفتدي من هم تحت نير الناموس.
وأعتقد فيما لو قارنا بين إله موسى وإله النعمة لوجدنا الاختلاف واضح جلي . ففي الناموس الموسوي نجد الإله رب الجنود سفاكاً للدماء غير رحيم بينما الإله في عهد النعمة يتحول إلى منقذ ٍ ومخلص ٍ وفاد ٍ وإله رحمة لا نقمة ٍ....ويتجسد على هيئتنا كي نلمسه ونعيه وليس إلهاً مستتراً لا يقدر أحد على رؤيته....ولم يكن خلسة ( أنا والآب واحد من رآني فقد رأى الآب).
كما أنه من الواجب علينا أن نشير إلى الثقافات والفلسفات التي كانت سائدة في فلسطين من خلال الرومان الذين كانوا قد غزو الشرق برمته.
فهناك القوانين الرومانية والفلسفة اليونانية. فكل هذا كانت له تأثيراته على الفكر الجديد الذي سيجيء فيما بعد وتجسد السيد المسيح وسط اليهود ومنهم في الجانب الأنثوي( مريم لعذراء)....
ويعيش تحت الناموس في طفولته وشبابه....ويتمم كلّ بر ٍ كما قالها ليوحنا المعمدان في نهر الأردن عندما أعتمد منه....
ولكن اليهود ورغم الآيات التي قام بها السيد المسيح أمامهم ومن خلالهم
إلا أنهم غير قادرين على أن يتخلصوا من فكرهم المتحجر.
عبرَ تطبيقاته ِ التي أثقلت كاهلهم. كما أنهم غير قادرين على التصديق بأنَّ المسيا الذي ينتظرونه جاء بالجسد. لا بل وجدوه يجدف حين يُعادل نفسه بالله.
الرفض من اليهود للمسيا، والعهد الجديد يمرُ في مخاضات ٍ عسيرة ٍ لكنَّ الدوائر تكبر وتنمو وتصل في عهد الرسل إلى الأمم بالإضافة إلى اليهود.
وإذا استثنينا التطرق للمراحل التي مرّ بها عهد النعمة لمعرفتنا أن الجميع يعلم ذلك عدى من لم يقرأ كتاب الحياة والخلاص.(نرجو أن يقرأه لئلا يبقى في الظلمة.)والمهم أن يعلم القاصي والداني أن الإيمان المسيحي يقوم على عبادة الله الواحد الأحد ولكن في ثلاثة أقانيم.تجسد هذا الإيمان في المجمع المسكوني (نيقية....القائل نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل وبرب ٍ واحد سيدنا يسوع المسيح.....والروح القدس.....).وأما الأقانيم هي تجليات للجوهر الإلهي الواحد لكن في حالاتٍ ثلاث ومثالنا هو الماء (سائل ومتجمد وغازي(بخار).H2o
ولكنَّ المهم أن تصدق العقول التي لا زالت متحجرة رغم الحرية التي وهبها لنا الله،فالإيمان المسيحي يؤدي بالضرورة إلى الخلاص ويدفع فاتورة الفرائض والوصايا التي علقها على الصليب من افتدانا بدمه. ولكي لا يفتخر أحد بالأعمال لكنّ الجانب المعرفي في الإيمان بالسيد المسيح ليس الإيمان المعطل بل الإيمان العامل بالكلمة والمحبة والقادر على تجاوز الذات إلى الآخر.فهو انبثاقٌ وانتشارٌ في المحبة والعطاء الثر.
(أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم.....أحبوا أعدائكم .....أحسنوا إلى مبغضيكم.....من سألك أعطه ِ.....).
والجماعة الجديدة التي اتخذت من عهد النعمة طريقاً لها تُسمى في إنطاكية بالمسيحيين.والتي تكونت بالأساس من اليهود المتنصرين والأمم.
والأمم يُقصد بهم الذين كانوا يؤمنون بغير الموسوية( اليهودية).
وبعد هذا لابدَّ أن نشير إلى أنَّ بلاد الشام وبلاد مابين النهرين ومصر القبطية واليونان كانت على درجة عالية من الثقافة والعلوم والفلسفة.
حيث الحكم الروماني الذي كان قد سيطر على الشرق عامة ً.ومرة ثانية نودُّ أن نشير إلى أنَّ الفلسفة والفكر الفلسفي كان أساسه من بلاد ما بين النهرين وانتقل إلى بلاد مصر ثم ينتقل إلى اليونان الذين كانوا قد برعوا في الشعر وخاصة الشعر الملحمي ويكفي أن نشير إلى الإلياذة والأوديسا.لهوميروس.لكنهم يطورون الفكر الفلسفي عبر جدلية في جميع النواحي...فهذه المناخات الفكرية تؤثر في الفكر الروحي للمسيحيين والمسيحية بشكل خاص.ولهذا تتعرض المسيحية إلى العديد من الأفكار الهرطوقية التي عبرت بشكلٍّ أو بآخر عن الخلفيات الثقافية لكل من الهراطقة آنذاك.
وأعتقد أن فكراً روحياً لم يتعرض للمناهضة منذ زمن بعيد كما تعرض له الفكر المسيحي لأنَّ (اليهود يطلبون آية والأمم تطلب حكمة.....وأخزا الله الحكماء بإيمان المبشرين والبسطاء......)...
وأما في الجزيرة العربية فقد كانت اليهودية قد انتشرت منذ زمان بعيد بين النخبة وتهودت أغلب القبائل العربية أضف إلى بني قنقاع والنضير والخزرج.وبني تميم وغيرها وأما المسيحية فقد كان ورقة بن نوفل مطران النساطرة في مكة(بكة)...بالإضافة إلى المانوية والزردشتة (الفكر اليازيدي القديم)والصابئة. والتي جاء الفكر الإسلامي ليكون خلاصة تلك الديانات والعادات والتقاليد العربية قبل الإسلام وبقيت مستمرة في الإسلام .ونكتفي بذكر مرجع واحد ( الملل والنحل للشهرستاني)....ففيه تجد أن لا شيء جديد ...ولكن الفكر الإسلامي الجديد يتفق مع أغلب اليهودية في نصوصها وخاصة التشريع الذي أخذوه من سفر التثنية.فكلاهما يؤمنان بإله واحد وما موسى ومحمد إلا رسولان ونذيران ...لكن المسيحية تقوم على الإيمان بأقانيم ثلاثة وأن السيد المسيح ليس رسولا فحسب بل هو أبن الله ( والبنوة هنا ليست جسدية ).ورغم أنني أريد أن أتوقف هنا حيث أرى في القرآن الكريم أمراً مقدراً في الصفات التي أثبتها للسيد المسيح ومنها( الولادة العذرية.كلمة الله ألقاها إلى مريم.وفي سورة مريم والآية 16 يقول: فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا.....وحين عدنا إلى تفسير الجلالين وجدنا أن كلمة بشراً سويا أي لا عيب فيه ولا خطيئة.....ولا تقوم الساعة إلا بعيسى بن مريم. وهو وجيه في الدّنيا والآخرة.وغيرها من صفات..
لكن موضوع الصلب يكوّن العقبة التي لم تحل إشكاليتها رغم أنها جاءت من خلال فرق دينية كانت قائمة في الجزيرة العربية( شبه له.....).
الصليب وعملية الصلب تتحول في الإيمان المسيحي إلى نعمة الخلاص.والقول واضح في القرآن( سلام عليَّ يوم ولدتُ ويومَ أموتُ ويوم أبعث حيا)....ففي مفردة هذه الآية الكريمة.ولادة ، موتْ، يبعث حيا.
واستغربُ كون المفسرين قد فسروا الموت هنا بالنوم.ففي أي المعاجم العربية يقولون عن الموت بالنوم.ولماذا لا نقولُ عن النائم بالميت؟!!!!
لأنهُ آية ً للعالمين ....شخصية فريدة تفوق الوصف.
ولو عدنا إلى المناهضة اليهودية للمسيحية فهي قائمة حتى اليوم منذ بدء دعوة السيد المسيح وحتى القرن الماضي عندما كانت الشيوعية والماسونية وها هم وراء (شيفرة دافنشي) وبراون الاسخريوطي الجديد.
ولو قرأنا القرآن الكريم لا نجد ذكراً لزواج السيد المسيح فلماذا كل هذه الحروب على شخصية السيد؟!!!
وأما خطورة الإشكالية لدى بعض المسلمين هو رفضهم للوحي المسيحي
كما نجد في الآونة الأخيرة أنهم يُقحمون موضوع قدرة الرسول على الشفاء ...
ونجد في المذاهب الثلاثة(الموسوية والمسيحية والإسلام). عناصر للتوحد وخير الإنسان فيما فعلنا النوايا الطيبة. لأن الإنسان هو الهدف الأول والأخير.وعلينا أن نؤسس لثقافة المسامحة والقبول، فعليّ أن أقبل الآخر كما هو وعليه أن يقبلني كما أنا.وأن نأخذ من التراث ما يجمعنا لا ما يفرقنا.
أما المسيحية لم تنشأ في بلاد الواق واق ولا حتى في استراليا أو البرازيل بل نشأت في فلسطين وسوريا الطبيعية.والمسيحيون ليسوا وافدين على الشرق بل هم أسه وفجره ،.
والمسيحية تتعرض في الشرق إلى تصفية ٍ وجودية في هذه الآونة .رغم أنها لا تملك جيوشاً ولا مليشيات ولا قطاع طرق ولا أحزاب سياسية ولم تكن يوماً من الأيام خائنة للأوطان التي وجدت بها، بل هي من يدفع الثمن غالياً في كل مرة حين تصطدم مصالح الأوطان مع الغرب.حتى منذ الحروب التي أسموها بحروب الفرنجة( الصليبية).وخير دليل ٍ الغزو الأمريكي للعراق وما دفعه الشعب المسيحي ( أجل جميع الشعب العراقي دفع الثمن غالياً ولكن الشعب المسيحي ليس هو من دعا الأمريكان إلى العراق).وهناك أمثلة كثيرة نتكفي بهذا المثال.
وأما مشروع القرار في سوريا للأحوال الشخصية. فلو طُبقَ لكانت الطامة الكُبرى .فهو مشروع رجعي ويُعيد البلاد إلى عهد الغزو والفتوحات.وهدفه الأول والأخير هو ابتلاع المسيحيين خلال فترة لا تتعدى الخمسين عاماً.
فالمسيحيون في الشرق أصلاً لا يزيد عددهم عن10%من تعداد السكان في أفضل الأحوال وبالطبع يختلف هذا الرقم مابين مصر وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان وإيران وتركيا، وما يهمنا هنا هو عددهم في سوريا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 17 مليون نسمة ....
وبعد هذا ما هي الجوانب العملية لبقاء المسيحيين في الشرق؟!!!
تختزن الذاكرة الجمعية التاريخية أنَّ وجود أي جماعة ما بين الأكثرية يؤجل في حروب ما بين المذهب الواحد عبر مدارسه المختلفة.
ونعتقد ونلح على المسيحيين أن يقرأوا مسيحيتهم الطقسية قراءة جديدة تتناسب مع مجموعة التطورات في مناحي الحياة.
لأنَّ الشجرة التي لا يُقلمها الفلاح كلّ عام ٍ لا تُعطي ثمراً جيداً، فهل نحن من يتآمر على مسيحيتنا كي تشيخ؟!!!!!!!!!!
ونعتقد بوجوب تفعيل آليات عنصرين هامين وأكثر.
1= الدولة القطرية وقوانينها المرعية والتطبيقية وليست القوانين الورقية والشعارات الفضفاضة.ما يحفظ للمواطن مفهوم المواطنة الحقة وليست المواطنة التي تنظر للمسيحيين على أنهم أبناء ذمة.(ياللسخرية)
2= دور الكنيسة المسيحية الشرقية. يتجلى في مجمع مسكوني يُعالج القضايا الجوهرية وليس القشور.وتفعيل دور العلمانيين .فأي رئيس يقود البلاد لوحده بمعزل عن وزراءه ومستشاريه.؟!!!!
3= توحيد الكنائس الشرقية في كل شيء.
4= السفينة تغرق وهي في خطر ٍ والأمواج عالية والنوء عظيم.والرّبان المحب والحكيم والذي يغار على سفينته يفتديها بروحه.وهو ذاك الرّبان الذي لا يخاف العواصف ولا يعرف الخوف.ويكون كما ابن العبري في عهد التتر.
وحبة الحنطة ما لم تمت في التراب لا تعطي العشرة والمئة.
اصرخوا، تعرّوا، وليكن الطوفان،
الطاعة المثمرة وليس التخاذل والجبن والعبودية.
إنَّ جهاد النفس يكمن في تحطيم حاجز الخوف.
فهو أفضل من خلاص الجبناء.
وكما وعدتكم للحديث صلة.
****
اسحق قومي
شاعر وأديب سوري مقيم في ألمانيا

البعثُ في الشِّعر الجّاهلي

محسن ظافرغريب

ظهرَ الإسلام قبل نحو 1444سنة، وبدأ التـّاريخ الهجري القمري، قبل فقط 1430سنة لاغير، ليعاصر الإسلام انتشار الكتابة والتـّدوين و
الطـِّباعة، فكان "القرآن الكريم" محفوظاً، والسـِّنة الشَّريفة (في الحديث الصَّحيح) أقل منه صحَّة ًوحفظاً، مثلها مثل العهدين القديم والجديد
لدى أهل الكتاب. ولدينا "إنجيل" دير سانت كاثرين في صحراء سيناء، يعود لما يربو على 1600سنة خلت، نصوصه غير مطابقة لكل نصوص
"الإنجيل" المُعتمد كنسياً في العالم المسيحي اليوم، ويختلف عن نسخ العهد الجديد من حيث الترتيب، ويحتوي على نصَّين ِ غير واردين في نصوص العهد الجديد، وهما: رسالة برنابا، ورسالة راعي هيرماس. لقد حضَّ خاتم الأنبياء محمد (ص) صحابته (رض) على تعلم العبرية والسـِّريانيَّة، وطلب العِلم ولو في الصّين (الحديث)، وبدأ الإسلام بكلمة الله: اقرأ (قرآن). والسـِّريانيَّة المكتوبة سبقت لغة القرآن العربييَّة المبينة التي نشأت في القرن 7م، في الشَّرق الأدنى(غـُلبت الرّوم في أدنى الأرض- قرآن)، والسـِّريانيَّة لهجة آرامييَّة دخلت القرآن الكريم، ومفردة قرياناً، سريانيَّة، تفيد "كتاب الفصول"، وهو قداس سنوي، كما مفردات سريانيَّة مثل مار ، مرا = رجل، وبإضافة تاء التأنيث/ النسوة، تكون مرأة. سورة مريم: "فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا"، وتعني أن عيسى (ع) يشجع أمه مريم البتول على مواجهة أهليها رُغم وضعها له بدون أب طبيعي. أهلها "بشيتا) رسالة بطرس الأولى 9,815 من نشيد أفرام. ويجب أن تـُقرأ الآية:" فناداها لمّا جاءها المَخاض ألا تحزني قد جعل ربك وضعك شرعيا. وفي آيات هذه السّورة: 32,28,23,20 إشكالات نحوية مُحْدَثة قياساً لتاريخ نزول الوحي الأمين جبريل (ع)، كذلك في "سورة الكوثر" البتول، اسم لنهر في الجَّنـّة واسم لفاطمة بنت النبي الأكرم محمد (ص)، واعتبرت البتول "مريم" والبتول "فاطم"، كل منهما: سيدة نساء العالمين، وكل ديانة سبقت الإسلام (حنيفية) نبيها ذو العزم، ورسول رسالتها "إبراهيم" (ع)أبُ الأنبياء ابن آزر - أور أوروك العراق، مصدر أفكار الجّاهليَّة. أن المشركين كانوا يجادلون الرسول محمد (ص) في البعث وينكرونه، ويعدونه من (أساطير الأولين) كما جاء في آيات قرآنية كثيرة. فهم كانوا يقولون للرسول (إن هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين). (قالوا أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون. لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل، إن هذا إلا أساطير الأولين). أفكارهم من عقيدة أخرى قديمة آمن بها أولئك الأسلاف، وإلا لقالوا للرسول: إنك جئت بها من إحدى هاتين الديانتين اللتين يعرفونهما جيداً.
الشعر الجاهلي يكتفي بالإشارة والإيحاء، ولا يشرح العقيدة أو يفسرها، وهذا يدحض، قول كقول الدكتور طه حسين في كتابه: في الشعر الجاهلي: إن هذا الشعر لا يمثل حياة عرب الجاهلية وعقليتهم وديانتهم.
وقد وضع الشَّاعِر العراقي المهاجر "سامي مهدي"، دراسة قيـِّمة مفادها أن شعراء الجاهلية، دهريون عقيدة، يقرّون بوجود الله رغم وثنيتهم، خلافا لدهرية الزنادقة الملحدين. جاء عنهم في سورة الجاثية (وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر).
وبعض هؤلاء الشعراء، كان يسبّ الدهر حين يتذمر من نوازله. فهو (غول) في وصف أمية بن أبي الصلت، وأحيحة بن الجلاح، و(خؤون) بوصف النابغة الجعدي، و(ختور) أي خدّاع وغادر في وصف الحارث بن ظالم، و(ريّاب) في وصف الخنساء، و(متقلّب) بوصف أعشى بني أسد، و(ذو فنون) في وصف سلميّ بن ربيعة. فهو يترصد للإنسان، ويفاجئه، ويغدر به، وكل ما يحدث له من مصائب من (بنات الدهر) و(صروفه) و(خطوبه ). ومن الطريف أن أحد الشعراء المجهولين سمّي باسم (شاتم الدهر العبدي) إذ لم يعرف عنه سوى انتمائه القبلي وما قاله في سبّ الدهر. ويبدو أن سبّ الدهر كان عاماً وشائعاً بين الناس، ولعل هذا ما حمل الرسول محمد (ص) على النهي عن سبّ الدهر، في حديث صحيح قوله (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر).
أما لفظ (الزمان) فقد استخدمها الشعراء بمعنيين: معنى الدهر، ومعنى الزمن الذي يتبدى في تحول الفصول وتعاقب الليل والنهار وتغير الأوقات. نسبوا للزمان ما نسبوه للدهر من صروف وخطوب ونوازل وحوادث، وربما كان مجازا، لعلهم يريدون بالزمان الدهرَ والوزن يضطرهم. وقد عبر زهير بن أبي سلمى عن ذلك في قوله (وأعلمُ علمَ اليوم ِ والأمسِ قبله / ولكنني عن علمِ ما في غدٍ عمِ). يخشى (ريب الزمان) أي صروفه وخطوبه، وقضم جزءاً من عمره كل شروق وغروب، على رأي الحارث بن حلزة. أو (مِثْلانِ) على رأي حسان بن ثابت، فكأن الإنسان يحيا ليموت. إحساس الشاعر يشتد حين يشيب. ولو يستخدم الشاعر لفظ القدر في فإنه (قدري). (وإنّا سوف تدركنا المنايا / مقدَّرةٌ لنا ومقدّرينا) كما قال عمرو بن كلثوم. (وكان عليهم كتابا) كما قال أسامة بن الحارث الهذلي. فالجميع يموت. (لا سوقةٌ منهمُ يبقى ولا ملكُ) كما قالت الخنساء و(لكل جنبٍ مصرعُ) كما قال أبو ذؤيب الهذلي (وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه) كما قال عمرو بن معديكرب (والحي للمنون) كما قال سلميّ بن ربيعة. وهذه حقائق لم يكن من الصعب على الشاعر أن يدركها لأنه كان يلمسها في حياته، لصيقة بوجوده. ولذا تحتم عليه أن يتقبلها، ويتحمل آلامها بصبر، ويواجه قدره بمفرده بنوع من (الجبرية) التي لا بد منها، ويعيش كل لحظة من حياته، بحلوها ومرها، ويغتنم فرصة وجوده في الحياة فيقتنص ما يستطيع اقتناصه من لذاتها: النساء والخمر والصيد، كما حددها طرفة بن العبد في معلقته.
ولهاجس الموت علاقة وثيقة، خفية، بالمقدمة الطللية التي شاعت في أشعارهم. الوقوف على الأطلال والبكاء على ما حل بالديار من بلى والدعاء لها بالسقيا. أشبه بالوقوف على قبر. ضرب من الرثاء، فـ (ما الناسُ إلاّ كالديارِ وأهلِها) كما يقول لبيد بن ربيعة. (وما المرءُ إلاّ كالشهابِ وضوئه / يحورُ رماداً بعدَ إذ هو ساطعُ) كما يقول لبيد نفسه. انتقل من وصف الأطلال إلى وصف الناقة بصيغة لغوية استدراكية مثل قول امرئ القيس (فدعها وسلّ الهمَّ عنها بجسرةٍ) أو قول غيره (فعدّ عنها) أو ما أشبه، وكأنه يريد أن يصرفهم، عما أثارته المقدمة، وينتقل إلى موضوع آخر.
وصف مشاهد درامية متنوعة الصراع بدقة وحياد وتفصيل، من عنف دموي، وهلاك أو نجاة، قصائد شعراء منهم: زهير بن أبي سلمى وكعب بن زهير ولبيد بن ربيعة وأبو ذؤيب الهذلي ومتمم بن نويرة وعبدة بن الطبيب وربيعة بن مقروم. الجميع يصارع من أجل البقاء، والجميع يبحث عن قوته في تلك البيئة الصحراوية القاسية، ولا لوم على أحد، فهو من (حدثان الدهر) كما يقول أبو ذؤيب .
حيوان، وأحياناً لحيوانين مكافحين. شبه بينه وبين الحيوان. كلاهما يترصده الموت، ويصارع من أجل البقاء. صراع صوره أبو ذؤيب الهذلي في (عينيته) الشهيرة. المشهد الأول يصور أبو ذؤيب كيف يقع بعض الحمر الوحشية صرعى بسهام صياد كان يترصدها عند مورد الماء. والمشهد الثاني يصور كيف يصرع صياد وكلابه الضارية ثوراً وحشياً رغم يقظته وتوجسه وذياده عن نفسه. المشهد الثالث يوازي هذين المشهدين، فالصراع فيه بين فارسين، شديد البأس، مدجج بسلاحه، محتم بدروعه، مزهو بفرسه، معتد بنفسه، وآخر يكافئه في البأس والشدة والاعتداد يتصدى له فيصرعه.
صراع غالباً ما يدور عند موارد المياه، القيمة رمزية لم يقصدها الشاعر، فرضت نفسها. فللماء قيمة كبرى في حياة مخلوقات البوادي. الجميع يريد الماء، ويسعى إليه، إنساناً كان أم حيواناً. والحيوان غالباً ما يقتل حين يرد. وقلق الشاعر الجاهلي، وخوفه من المجهول، جعله أكثر التصاقاً. وكان (الخلع) من القبيلة من أقسى العقوبات في المجتمع الجاهلي، وكان (المخلوع) لا يقر له قرار حتى يجد قبيلة أخرى ترضاه وتجيره.
يعرف أنه سيلقى بعد موته في حفرة مظلمة، ويهال عليه التراب، وتوضع على جسده صفائح من حجر أو خشب، ويترك وحده في (غبراءَ يُكرَهُ وردُها) كما قال عبدة بن الطبيب. ويعرف أن الذئاب والضباع قد تنبش قبره وتعبث بجسده بعد موته، فيموت مرتين. سخر من قول مشيعيه حسب التقاليد الاجتماعية (لا تبعد). ومن أبلغ ما جاء في ذلك قول مالك بن الريب (يقولونَ لا تبعدْ وهم يدفنوني / وأينَ مكانُ البعدِ إلاّ مكانيا). فالموت هو البعد بعينه في رأيه. و(كفى بالموتِ نأياً واغترابا) كما قال بشر بن أبي خازم. يسخر من تجهيزه ودفنه، ومن الشفقة والتأسي والنواح عليه، وخير ما عبر عن ذلك قصيدة الأفوه الأودي الرائية (ألا علّلاني واعلما أنني غرر). وسخر حاتم الطائي من دفّانيه، الذين سيستعجلون نفض أكفهم من بقايا تراب حفرته و(يقولون قد دمّى أناملَنا الحفرُ). وربما بلغ الشنفرى، الشاعر الصعلوك، أقصى درجات السخرية من هذه الطقوس حين طالب بأن لا يقبر (فلا تقبروني، إن قبري محرمٌ / عليكمُ ولكنْ أبشري أمَّ عامرِ). وأم عامر هي: الضبع، التي تنبش القبور .
انغماس في الملذات على طريقة طرفة بن العبد بحثاً عن تعويض، هرباً من مواجهة حقيقة الموت، ونشدان الذكر الحسن في الكرم والشجاعة والنجدة والمروءة وغيرها. محاولات يائسة وتسرية مؤقتة عن النفس، فـ (غائبُ الموتِ لا يؤوبُ) كما قال عبيد بن الأبرص، الجاهلي لم يكن متديناً، أو رقيق الدين في أحسن الأحوال، فهو على قدر من الذكاء والبصيرة والإحساس المرهف بحيث لا يصدق أن الأصنام والأوثان التي يتعبد لها قومه يمكن أن تنفعه أو تضره، ولم يتحدث عنها في شعره، ولم يتعكز عليها في مواجهة (صروف الدهر) وخطوبه، ومنها الموت. وهذا ينطبق حتى على من تنصّر منهم كعدي بن زيد، أو تهوّد كالسموأل بن عادياء. وصف بالتدين، زيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبي الصلت. أكثر ما نسب إليهم منحول عليهم. وإن وجدت قلة قليلة جداً من الشعراء تقسم ببعض الأصنام والأوثان كاللات والعزى ومناة، فهذا القسم لا يدل على تدين حقيقي صميم، بل على شيء جرى مجرى العادة بين الناس. تجربة عميقة حكيمة أصبحت مثل أخلاقية وقيم إنسانية لزهير بن أبي سلمى. وتجربة قاسية وضرب من التأله الذهني للبيد بن ربيعة قبل إسلامه. فراغ روحي عميق، وافتقار لعقيدة دينية واضحة ومتماسكة يركن إليها، عقيدة تجعل لحياته معنى وهدفاً، وتفسر له كنه الوجود ولغز الحياة والموت، وتعده بحياة أخرى آمنة ومستقرة تثيبه على ما خسره في حياته الشاقة، أو على خسارته حياته نفسها، وتمنحه نعمة الخلود في جنة عرضها السموات والأرض، كما وعد الإسلام المؤمنين. فلدينا ما يشير إلى أن هذا الشاعر فكر بالبعث والنشور والحشر ويوم الحشر والحساب ويوم الحساب. فقد وردت كلمة (البعث) في بيت لعمر بن زيد الكلابي مثلاً. ووردت كلمة (النشور) في أبيات لحاجز بن عوف، وزيد بن عمرو بن نفيل، والشداخ بن يعمر. ووردت كلمة (الحشر) في بيت لجريبة بن الأشم الفقعسي. ودل بيت لعمر بن زيد على وجود (حاشر) يحشر المبعوثين. وورد ذكر (الحساب) في بيت لعدي بن زيد وآخر للأعشى ميمون بن قيس. وذكر (يوم الحساب) في أبيات لزيد بن عمرو بن نفيل، وزهير بن أبي سلمى، والأخنس بن شهاب. وطالب ابن أبي سلمى في بيتين من معلقته المرء بألا يكتم ما في نفسه عن الله، لأن الله يعلم بما يكتمه، فإما أن يدخره له ليوم الحساب أو يعجل فينتقم منه.
لكن فكرتهم عن ذلك اليوم تبدو عامة وغامضة ومشوشة. فماذا بعد الحشر وماذا بعد الحساب ؟ هذا ما لا نجد له جواباً عند الشعراء. غير أننا حظينا بصورة ميثولوجية عامة مشوشة، فقد كان الشاعر يوصي ابنه، أو أقرب الناس إليه، بأن يربط إلى قبره ناقة فتية نشطة لكي يحشر عليها، وإلا فإنه سيحشر في يوم الحشر راجلاً يسعى على قدميه. وكانت هذه الناقة تدعى (البليّة) وورد ذكرها عند أحد عشر شاعراً بحسب ما أحصاه بعض الدارسين، منهم: أبو دواد الإيادي، والحارث بن حلزة، وبشر بن أبي خازم، ولبيد بن ربيعة، وهذا الإحصاء لا ينفي وجود ذكر لها عند شعراء آخرين. ويذكر بعض المصادر أن (البليّة) كانت تربط معكوسة الرأس إلى مؤخرها، مما يلي ظهرها، ومما يلي كلكلها، وكان أهل الميت يأخذون حبلاً يشدونها به من وسطها، ويقلدونه عنقها، وهم يسمون هذا الحبل (الوليّة). والغريب في الأمر أنهم كانوا يفقؤون عيني هذه الناقة البريئة، ويتركونها وحدها عند القبر، فلا تطعم ولا تسقى حتى تموت. ويبدو أنهم كانوا يعتقدون بأنها ستبعث هي الأخرى في يوم الحشر وتستعيد بصرها وقوتها ونشاطها وتقوم بما ينبغي لصاحبها.
ويفهم من الشعر الجاهلي أن الموتى يحشرون بأجسادهم زمراً، ويصاح بهم أن: اركبوا، أو اظعنوا، فيتدافعون ويتعاثرون، ومن لا يركب بليته يصرع، ولا يفوز إلا من كانت ناقته قوية صالحة. ويبدو من ذلك أنهم كانوا يعتقدون بأن مكان الحشر بعيد ناء، والرحلة إليه شاقة، وبلوغه يتطلب مثل هذه الناقة. وأطلق جريبة بن الأشم الفقعسي على هذا المكان اسم (الهار) ومن معاني (الهار) الجرف العميق المتهدم، غير أننا لم نجد عنده، أو عند غيره، ما يوضح صورته. فهل (الهار) عالم سفلي كالذي فكر به العراقيون القدامى مثلاً ؟. ويقول بعض المصادر التي تتناول أساطير العرب قبل الإسلام إنهم كانوا يعتقدون بأن (البليّة) تشهد لصاحبها بأنه حجَّ بها في حياته فيكون في ذلك شفاعة له. إلى أين ستمضي النوق بالمبعوثين، لم يتطرق الشعر ويمكن أن نفهم من بيتي زهير بن أبي سلمى. وليس معروفاً كيف سيكون الثواب والعقاب، وليس هناك ما يشير إلى وجود (عالم آخر) بعد الموت في معتقداتهم.
وما دمنا نتحدث عن الموت وما بعد الموت، فلا بد من الإشارة إلى أسطورة كانت متداولة في الجاهلية وأشار إليها العديد من الشعراء هي: أسطورة الصدى والهامة: من يموت يخرج من هامته طائر يدعى (الصدى)، وإن روح القتيل الذي لا يدرك ثأره تصير (هامة) تزقو عند قبره وتصيح (اسقوني) فإذا أدرك ثأره طارت. ومن معاني (الهامة) عند اللغويين: طير الليل، أو طائر صغير يألف المقابر، أو هي: طائر البوم المعروف. ويمكن أن نفهم من هذا أن عرب الجاهلية كانوا يعتقدون بثنائية الروح والجسد ، ويقولون على ألسنة شعرائهم: إن الموتى لا يبقى منهم سوى الأصداء (جمع صدى) والهام (جمع هامة).
ولكن من يشكّون في الشعر الجاهلي سيقولون، أو هم قالوا: إن الأبيات التي وردت فيها إشارات إلى البعث والنشور والحشر والحساب ويوم الحساب هي مما نحل من شعر على الجاهلية بعد الإسلام، وقد تكون حجتهم أن هذه الألفاظ إسلامية وردت في القرآن الكريم. كان لأقوام الحضارات القديمة، من سومرية وبابلية وفرعونية، أساطيرهم وأفكارهم حول عالم ما بعد الموت ولعرب الجاهلية نصيبهم من هذه الأفكار ؟ إن ألفاظ البعث والنشور والحشر والحساب لم ترد عند شاعر واحد أو شاعرين أو ثلاثة، بل عند شعراء كثر، فهل أصاب النحل شعر هؤلاء كلهم ؟ وماذا عن البليّة ؟ أمنتحلة أيضاً، أم هي تجلّ واضح من تجليات الاعتقاد بالبعث والحشر ؟ القرآن الكريم يؤكد أنهم كانوا يعرفون عن البعث أكثر مما يظن المشككون.
هناك من يظن أن أفكار عرب الجاهلية حول البعث والنشور والحشر والحساب تسربت إليهم من اليهودية والمسيحية، أو من أقوام أخرى احتكوا بها وهم يرتادون بوادي العراق والشام وسيناء. فثمة مبالغات كثيرة قيلت، لأسباب غير موضوعية، حول انتشار اليهودية والمسيحية بين عرب الجزيرة وأطرافها، منها مبالغات الأب لويس شيخو. بعضهم تهوّد أو تمسّح، والغالب على اليهود أنهم يعتقدون بأن الثواب والعقاب يحدثان في الحياة نفسها ولا يؤمنون بالبعث أو بحياة أخرى تأتي بعد الموت. وهكذا كانت المسيحية في بداياتها الأولى، كما نفهم من مقدمة سفر أيوب في الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدس. وبرغم ما جاء في الأناجيل ورسائل القديسين، وخاصة رسائل القديس بولس، من إيضاحات عن: القيامة، والدينونة، وملكوت السموات، والحياة الأبدية، لم يكن لدى المسيحية مفاهيم واضحة ومحددة عن عالم ما بعد الموت، بل كانت هناك تصورات ورؤى شخصية لبعض الرسل والقديسين. وقل مثل ذلك عن فكرتهم عن الجحيم hell التي وردت في بعض الأناجيل وبعض رسائل القديسين، وعن الفردوس paradise التي وردت بشكل عابر في رسالة القديس بولس الثانية إلى أهل كورنتس. وظلت هذه المسميات، عدا القيامة، أقرب إلى التعبيرات المجازية طوال قرون، ولم تكتسب مضامين محددة، أو تتكون لها مفاهيم موحدة ترقى إلى مستوى العقيدة الشاملة ، إلا في عصور متأخرة نسبياً تطور خلالها اللاهوت المسيحي بفعل حاجة عامة المسيحيين إلى الوضوح والتشخيص.
ليس لها أية علاقة دلالية بفكرة القيامة في المسيحية، وعن ملكوت السموات والحياة الأبدية. ذكر للتحنيط في بيت لعبيد بن الأبرص قال فيه (وكل ذي عُمُرٍ يوماً سيحتنطُ ). أغلب الظن أن في هذا البيت تصحيفاً، فالقول في رواية أخرى للبيت هو (وكل ذي عُمُرٍ يوماً سيعتبطُ).
ممن أنكرالبعث: الشداخ بن يعمر الكناني. . طلبت قبيلة خزاعة من قومه بني كنانة النصرة على قبيلة أسد، فرد عليهم معنفاً (القومُ أمثالُكم لهم شَعَرٌ / في الرأسِ لا يُنشَرون إن قُتِلوا). وقال شداد بن أوس بن عبد شمس يرثي قتلى بدر من المشركين (يخبّرنا الرسول بأنْ سنحيا / وكيف حياةُ أصداءٍ وهامِ). وقال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه (حياةٌ ثم موتٌ ثم نشرٌ / حديثُ خرافةٍ يا أمَّ عمْرِ). أغلب هؤلاء شعراء متأخرون أدركوا الأسلام وقاوموه، منهم من أسلم في ما بعد ومنهم من لم يسلم.
-------------------------------------------------

- رفع اسم إن :"إن (هذان!) لساحران"! (سورة التوبة)، وبدل الصَّابئين :" إن الذين آمنوا والذين هادوا و (الصَّابئون!) والنـَّصارى"! (سورة المائدة).

- شق طريقك بابتسامتك خير لك من أن تشقها بسيفك:
Better set your path with a smile than with a sword

لفت الإنتباه عن المسمّى حديث الله

رياض الحبيّب


كتب السيد سمير إبراهيم خليل حسن مقالة تحت عنوان “متى يكون ٱلقول حديثاً؟” ردّاً على تعليق قبلتُ به التحدّي القرءاني الذي أورد الكاتبُ من القرءان في مقالة له سبقتِ المقالة المذكورة. وبما أنّ التحدّي القرءاني قائم فإني أرى من حقّ القارئ-الكاتب القبول به إمّا استطاع، علماً أنّي نوّهت في إحدى مقالاتي بأنّ التحدّي القرءاني غير عقلاني، لأنّ لكلّ كاتب أسلوباً مختلفاً عن غيره- كما اختلفتْ بصمة إبهامه عن تلك التي يبصمها غيره. هذا باستثناء اختلافات أخرى منها الزمني والروحي والثقافي. ومن المستحيل تالياً أنْ تتشابه بصمة المخلوق مع بصمة الخالق- إنْ جاز التعبير. لكنّ السؤال المُلحّ المطروح منّي- ومن غيري- هو: هل كان القرءان من بصمات الله؟!

هنا ما أورد السيد سمير إبراهيم خليل حسن في بداية المقالة المذكورة- في الحوار المتمدن- العدد: 2695 المؤرَّخ في 2009 / 7 / 2 مع الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176879

(( تلوت ما كتبه ٱلسيد "رياض ٱلحبيب" على مقالى "ما كَذَب ٱلفؤاد ما رأى". وفيه أعلن قبوله ٱلتحدّى وصنع ما يظنّه حديثًا مثل حديث ٱللّه. وممّا قاله وهو يتحدّى قول ٱللّه "فَليَأتُواْ بحَديثٍ مِّثلِهِ إِن كانُواْ صَـٰدِقِينَ":
(أفبعدما تقبّلْنا ءايات التحدّي تحدّانا النبيّ ءَنْ فاٌءْتوا بحديث13
يا ءَيّها النبيّ كفى تحدّياً قلْ لا بلاغة في التكرار إنّا قبِلْنا بتحدّيك فهلْ لكَ من مُغيث14
ولقد ترَكْنا التحكيم لقرّاء ذكوراً وإناثاً فليَحْكمْ مِّنهمْ مَنْ شاء إنّ أكثرَهُمْ لصّادقون عسى ءَلّا يكون منهم الخبيث15)
ولأنّه ترك ٱلتحكيم لمن يحكم ووصف مَن ينصره فى ظنّه بٱلصدق ومَن يكشف عن عورات قوله بٱلخبيث فقد جئت بحكمى على عورات نفسه ٱلتى يظهرها قوله ٱلظّنون لأبيّن له ولمن يصدقون ظنونه أنّ قوله ليس فيه من ٱلحديث أمرا.
فأوّل أمر على مَن يظنّ أنّه أتى بحديث مثل حديث ٱللّه أن يخطَّ حديثَه بخطٍّ لم يخطّه أحد من قبل يدلُّ فيه قوله على مفهومه ومفهوم كلمته ومفهوم عدّته بلسان قوم يخطُّون قولهم بخطٍّ أَخر ٱكتسبوه ميراثا عن ءابآئهم أوۤ أخذوه عن وارثين أخرين.
وعليه أن يعلم بما فى خطِّ ٱلقوم من عدّة للقول ومن دليل للعدّة ومن وسيلة لتكوين ٱلكلمة فى ٱلقول.
فما صنعه ٱلسيد "رياض" هو سرقة خطٍّ ٱستعمله بجهل فى كيف تتكوّن ٱلكلمة. فكتب لغوا كلمة يَٰأَيُّهَا" وكلمة "أَن" وكلمة ألّا" محرفًا سرقته بمسوخٍ "يا ءَيّها" و"ءَنْ" و"ءَلّا")) انتهى

ولقد قمت بالردّ على بعض المقاطع الواردة في مقالته بتعليق من ثلاثة أقسام، يستطيع القرّاء الكرام العودة إليها عبر الرابط المذكور أعلى.

أمّا اليوم فقد اخترتُ الردّ على المزعوم "حديث الله" من كتاب الشخصيّة المحمّدية أو حلّ اللغز المقدّس- للمؤلّف معروف الرصافي- مورداً عن كتابه نقلاً أميناً وواضعاً كلامه بين قوسين متوسّطين {} وموضّحاً بين قوسين كبيرين [] بعض المفردات التي أشار إليها الرصافي في مواضيع سابقة. حيث قرأتُ في الصفحة 605 موضوعاً لافتاً هو “آيات التحدّي في القرآن” ورد فيه:

{ولا شكّ أنّ “الحديث” الوارد في قوله "فليأتوا بحديث مثله- سورة الطور: 34" يشمل الكثير والقليل حتى إنه يصدق على آية واحدة من القرآن، والإتيان بمثله في آية واحدة أو آيتين لا يجوز أن تتم به المعارضة، بل لا يجوز أنْ يُعَدّ معارضة أصلاً، لأنّ ذلك سهل متيسّر لكلّ أحد. ففي الآيات القرآنية ما هو عبارة عن كلمة واحدة نحو (مدهامتان- الرحمن: 64) فإنها آية قرآنية وإنْ كانت كلمة واحدة. على أنّ الإتيان بمثله في آية أو آيتين هو مما وقع في أيّام نزول القرآن من المسلمين ومن الكفار. ففي الإتقان [الإتقان في علوم القرآن- جلال الدّين السّيوطي] قال:

وأخرج مسلم [صحيح مسلم] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنّ يهوديّاً لقي عُمَر بن الخطّاب فقال له: إنّ جبريل الذي يذكره صاحبكم [أي محمد- رسول الإسلام] عدوّ لنا، فقال عمر: (من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوّ للكافرين- البقرة: 98)

قال [في الإتقان أيضاً]: وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جُبَيْر أنّ سعد بن معاذ لمّا سمع ما قيل في أمر عائشة (أي في الإفك) قال: سبحانك هذا بهتان عظيم- النور: 12) فنزلتْ كذلك.

قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لمّا أبطأ على النساء الخبر في أحُد [معركة أحُد التي انكسر فيها المسلمون] خرجن يستخبرن، فإذا رجُلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله؟ قال: حيّ، قالتْ: فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء (تعني قتلى أحُد) فنزل القرآن على ما قالت: (ويتخذ منكم شهداء- آل عمران: 140)

وفي الإتقان أيضاً: قال ابن سعد في الطبقات [الطبقات الكبرى لابن سعد] أخبَرَنا الواقدي:
حدّثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال: حمل مصعب بن عُمَيْر اللواء يوم أحُد فقطِعَتْ يدُهُ اليمنى، فأخذ اللواءَ بيده اليسرى وهو يقول: (وما محمد إلّا رسول قد خلتْ من قبله الرسُل أفإنْ مات أو قتِل انقلبتمْ على أعقابكم- آل عمران: 144) فقطِعَتْ يدُهُ اليسرى، فحنى على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلّا رسول... إلخ ثمّ قتِل فسقط اللواء. قال: وما كانت هذه الآية نازلة يومئذ ثمّ نزلتْ بعد ذلك- الإتقان 35:1

فهولاء مسلمون من أصحاب رسول الله قد أتى كل منهم بحديث لم يكن قرآناً، ثمّ نزل به القرآن فصار قرآناً. وقد وقع مثل ذلك لبعض الكفار أيضاً، فقد ذكروا عن النُّضْر بن الحارث أنه كان إذا جلس رسول الله مجلساً يحدّث فيه قوماً ويحذرهم ما أصاب من قبلهم من نقمة الله يخلفه في مجلسه، ويقول لقرَيش: هلمّوا فإني والله يا معشر قريش أحْسَنُ حديثاً منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس. قال صاحب السيرة الحلبية: ولمّا تلا (أي النبي) عليهم نبأ الأولين، قال النضر بن الحارث: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا (إنْ هذا إلّا أساطير الأوّلين- سُوَر الأنعام: 35 والأنفال: 31 والمؤمنون: 83 والنحل: 27) وهذا الكلام حكاه القرآن بعد ذلك فصار آية قرآنية.

قال صاحب السيرة الحلبية: وعند ذلك أنزل الله تكذيباً له (أي للنضر): (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا- الإسراء: 88) ففي هذه الآية لم يتحدّهُم بحديث أو سورة أو بعشر سور بل بمثل القرآن كلّه! ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن أبي سرح فكان سبباً لارتداده على الأصحّ. وذلك أنّ عبد الله هذا أسلم وكان يكتب الوحي لرسول الله، فاتفق يوماً أنْ كان رسول الله يُملي عليه آية نزلتْ، فأملى عليه: (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين- المؤمنون: 12) فكتبها، ثمّ أملى: (ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين- المؤمنون: 13) فكتبها، ثمّ أملى: (ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثمّ أنشأناه خلقاً آخر- المؤمنون: 14) فلمّا كتب ذلك عبد الله تعجّب من تفصيل خلق الإنسان، فقال: (فتبارك الله أحسن الخالقين- المؤمنون: 14) فقال له رسول الله: أكتب ذلك، هكذا نزلتْ! فوقع من ذلك في نفس عبد الله ريب، فقال: إن كان محمد يوحى إليه فأنا يوحى إليّ، فارتدّ عن الإسلام ولحق بمكة وصار يقول لقريش: إني كنت أصرف محمد كيف شئت، كان يُملي عليّ: عزيز حكيم [أو غفور رحيم- في سيرة ابن هشام 4: 38-40] فأقول: أو عليم حكيم، فيقول: نعم كلٌّ صواب، وكلّ ما أقوله يقول: أكتبْ هكذا نزلتْ!- السيرة الحلبية 3: 90

فمِنْ هذا يظهر أنّ الإتيان بآية أو آيتين مثل القرآن أمر سهل قد يتفق لكل أحد أنْ يأتي به، فتحدّيهم بأن يأتوا بحديث مثله غيرُ صحيح ولا مأمون فيه سوء العاقبة. فلذا عدَلَ عنه محمد متدرّجاً في التحدّي إلى ما هو أعلى من ذلك، فجاء بالآية الثانية: (قل فاٌأتوا بسورة من مثله- يونس: 38) ولم يقف عند هذا الحدّ حتى جعلها عشر سُوَر، ثم ارتقى إلى ما يقتضيه التحدي الصحيح الذي يتعذر أو يستحيل عادة أن يجيبه إليه أحد، وهو تحديهم بأن يأتوا بمثل القرآن من دون قيد بحديث أو سورة كما قال في الآية الأخرى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ...إلخ- الإسراء: 88) وهذا التحدي الذي ترجع فيه المعارضة خائبة خاسرة بلا شك ولا ريب. ولذا نراه يتكلّم بجرأة واطمئنان واثقاً بعجزهم عمّا يريد منهم، حتى أنه لم يتحَدّ الإنس وحدهم بل جعل الجنّ لهم معاونين تهويلاً عليهم وتأكيداً لعجزهم} انتهى كلام الرصافي- رحمة الله عليه.

علماً أنّ كتب السيرة المحمدية أشارت إلى أنّ محمّداً قتل النضر بن الحارث بيده- ففي سيرة ابن هشام 2: 285 لما قتل النضر بن الحارث بالصفراء بعد انكفائه من بدر، لما استوقفته ابنته قتيلة يوم فتح مكة وأنشدته قولها- من بحر الكامل:

يا راكباً إن الأثيل مظنة... عن صبح خامسة وأنت موفقُ
أبلغ به ميتاً فإن تحية... ما إن تزال بها الركائب تخفقُ
مني إليه وعبرة مسفوحة... جاءت لمائحها وأخرى تخنقُ
أمحمدٌ يا خير ضنء كريمة... في قومها والفحْل فحل معرقُ
النضْر أقربُ مَنْ قتلتَ قرابة... وأحقهم إن كان عتق يعتقُ
ما كان ضرّكَ لو مننتَ وربما... مَنّ الفتى وهو المغيظ المحنقُ
فقال النبي: لو سمعتُ شعرَها ما قتلته

أمّا عبد الله بن سعد بن أبي سرح فهو من الستة الذين أمر محمد بقتلهم سنة “فتح” مكة ولو تعلقوا بأستار الكعبة، على رغم محاولة عثمان بن عفّان التشفع له متوسّلاً! وهو الذي أنزل محمد فيه قوله (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ)- الأنعام: 93
فيا للهول! ولكنّ تعليقي لم ينتهِ بعد، كما أنّ باب التحدّي لا يزال قائماً. فقد استغرق محمد ثلاثاً وعشرين سنة في تأليف القرءان. ولو عاش مدّة أطول لأنزل من اللوح المحفوظ آياتٍ أخر- حسب الحاجة! ويا ليت شعري هل “اللوح المحفوظ في السماء" معلوم الأبعاد (أي الطول والعرض والإرتفاع) أم أنّ سعته نسبيّة ومرنة، قابلة للتمدّد بحسب عمر محمد؟ علماً أنّ القرآن يمثل- منطقيّاً- نسخة اللوح المزعوم، أي النسخة منه التي على الأرض.


هنا سورة التحدّي- غير قرءانيّة- مهداة إلى أحبّائي من قرّاء الحوار المتمدّن:

ألا أيّها الرسول قل هكذا نزلتْ فالويل لمن كذب رسولاً مأموراً من ربّه بقتل مكذبيه 1
إنّ ربّك ليغفر ما تقدّم من ذنوبك وما تأخر فافعل كلّ ما بدا لك من أمر كريه 2
مَنْ ذا يتجرّأ على أنْ يأتي بحديث منسوب لربّك من قبل تنزيله ومن ذا يعترف به كفقيه 3
إنّما أقوال ربّك حكرٌ على لسانك يهتدي بها من شاء ربّك له أن يهتدي أو فليضلّ بها من شاء ربّك له أن يَتيْه 4
قلْ نُزِّل القرءان عربيّاً إنما لتتحدّى بلغته الناطقين بها بلْ يأتي بشيء ما مثله أو خيراً منه إمّا المغضوبُ عليه أو المعتوه 5
يا أيّها النبيّ ما كانتِ الشبكة العنكبوتيّة في حسبان ربّك ولا راودتْ بَالهُ الفضائيّاتُ ولا عُدّ منْ أسمائه الحُسنى النبيْه 6
..............

فأتمنى أخيراً على الأخ والكاتب والفقيه السيد سمير إبراهيم خليل حسن أن يتفضل بإبداء رأيه مجدداً في موضوع "حديث الله" والذي أفرَدَ له مقالة تحت العنوان- متى يكون ٱلقول حديثاً؟- بعدما قمتُ بعرض مبسّط للقول الذي صار “حديثاً” مستشهداً بشيء ممّا ورد في كتاب أديب العراق العظيم- معروف الرصافي- فهل يُمعن السيد سمير إبراهيم خليل حسن النظرَ في هذا العرض أم سيغضّ بالطرْف عنه؟ إنّ الله قطعاً أعْظم وبالحديث مِنّا أعْلم!

ابن الريوندي.. الروح الحائر


أحمد إبراهيم أحمد


ظهرت الزندقة ظهوراً غامضاً في التاريخ الإسلامي، ولم يسلط عليها المؤرخون ضوءاً كافياً رغم انتشارها زمن الخلافة العباسية، فقد تواجد الزنادقة في بغداد وحلب ومكة والبصرة والكوفة، وأرجع عدد من الباحثين هذا الظهور لنمو الحركة الشعوبية، وانتقال المؤثرات الثقافية للشعوب غير العربية، وعقائد غير المسلمين إلى الثقافة الإسلامية، وأشهر ما اتهم به الزنادقة ترك الفرائض كالصوم والصلاة والحج، وادعائهم أنهم قادرين أن يكتبوا نصوصاً أحسن من القرآن، وتعرض الزنادقة لمواجهة شرسة في خلافة أبي عبد الله محمد المهدي.
وتتحدث كتب تاريخية محدودة عن الزندقة والزنادقة، من بينها كتب تراثية مثل (كتاب الفهرست- كتاب الأغاني -كتاب مروج الذهب) وكتب حديثة من أشهرها (من تاريخ الإلحاد في الإسلام- شخصيات قلقة في الإسلام) من تأليف عبد الرحمن بدوي، التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين.
وعُرِفَ ابن الرِّيوَندي أو ابن الراوندي كأبرز زنادقة التاريخ الإسلامي القديم، واعتبر واحداً من أهم دعاة الفكر اللا ديني في نصف القرن الثالث الهجري الأول خلال العصر العباسي، واشتهر كزنديق ملحد ذو شخصية جريئة مثيرة، وأحد الشخصيات العلمية البارزة في التاريخين العربي والإسلامي، فقد كان ذو جرأة بالغة على عقيدة الإسلام مُشككاً فيها، مُنكراً للنبوة، يدعي أن الوحي والنبوة لا ضرورة لهما، ونفي وجود الخالق، وبلغت شهرته حداً دفع مفكري وكتاب عصره للتباري في الرد عليه، ونقض كتاباته، وكانت له مجالس ومناظرات مع علماء الكلام، وله وجهات نظر في المذاهب ذكرها علماء الكلام ونسبوها له في ما تركوا من تراث.
قيل أنه كان يمشي في شوارع بغداد مجاهراً بإلحاده، ولم يتعرض له أحد بسوء، ولم يتعرض لاضطهاد رسمي أو شعبي، واكتفى فقهاء عصره بالرد على آرائه المعلنة رغم أنه خلال رحلته الفكرية الشاقة انتقد الشريعة الإسلامية، وعقيدة التوحيد، ويوم المعاد، وناقش مسألة العدل، والفرائض، وأزلية الوجود، وصفات الله، حتى ألحد تماماً وأنكر وجود الله والدين، ونفى معجزات النبوة.
اسمه الحقيقي أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي (الرِّيوَندي ) واشتهر باسم ابن الراوندي نسبة إلى قرية راوند البلدة التي ولد بها (بفتح الراء والواو وبينهما ألف وسكون النون وبعدها دال مهملة) وهي إحدى قرى قاسان (بالسين المهملة) من نواحي أصفهان بإيران.
ولد عام 205هـ الموافق 820م واختُلِفَ في تحديد منيته، فقيل أنه توفي ولم يجاوز الأربعين في عام 245هـ الموافق 859م وقيل مات عن عمر ناهز الثمانين سنة، وقيل أن الوزير المهلَّبي طلبه فهرب منه، ومات في الاستتار، وذكر أبو علي الجبائي أن السلطان طلب ابن الراوندي وأبا عيسى الوراق "فحُبس أبا عيسى حتى مات، أمّا ابن الراوندي فهرب إلى ابن لاوي الهروي، ووضع له كتاب (الدامغ) في الطعن على محمد  وعلى القرآن، ثم لم يلبث إلاّ أياماً يسيرة حتى مرض ومات، وذُكر أن وفاته كانت برحبة مالك بن طوق التغلبي." وقيل ببغداد .
مر ابن الراوندي بمراحل عقائدية متباينة، إذ بدأ تعليمه التقليدي في مدرسة إسلامية بقريته (راوند) درس فيها العلوم الشرعية السائد تعليمها، ويقال أنه كان طالباً مجداً، ثم انتقل من قريته إلى مدينة (الري) ليلتحق بمدرسة حظي فيها بإعجاب أساتذته، إلا أننا لا نعرف شيئاً عن هؤلاء الأساتذة ولا الدروس التي تلقاها، ويقال أن إقامته في (الري) كانت قصيرة للغاية، و يصفه من كتبوا عن هذه الفترة من حياته بأنه كان طيب السيرة، نقي السريرة، يراعي الآداب السائدة، محافظاً على الفرائض، يحترم السنن المرعية، وألف خلال هذه الفترة كتابه الأول (الابتداء والإعادة) وكتابه الثاني (الأسماء والأحكام) اللذان يؤكدان إيمانه وانتمائه العقائدي للإسلام خلال هذه المرحلة من حياته.
انتقل ابن الراوندي في شبابه من (الري) إلى بغداد العاصمة السياسية والفكرية والثقافية للخلافة العباسية، وعمل ببغداد وراقاً ينسخ الكتب؛ فساعدته مهنته تلك على الاطلاع، وساهمت في سعة ثقافته، وصار مُعتزلياً في صدر شبابه حتى أصبح واحداً من أعلام معتزلة القرن الثالث الهجري، ودافع عن آرائهم وفلسفتهم، لكنه انشق عليهم وانفصل عنهم، وأخذ يفند آراءهم ومناهجهم ويرد عليها، وانتقدهم في كتابه (فضيحة المعتزلة) رداً على كتاب الجاحظ (فضيلة المعتزلة) (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان) وقد وضع الخياط كتاب (الانتصار) رداً على كتابه هذا.
انحاز ابن الراوندي بعد ذلك للشيعة لفترة قصيرة، وألف خلال هذه الفترة كتاب (الإمامة) (ذكره الخياط وابن المرتضى) وطعن فيه على المهاجرين والأنصار اختيارهم أبي بكر  خليفة لرسول الله  وقال "أن النبي محمد  استخلف عليهم رجلاً بعينه (يعني علي بن أبي طالب ) وأمرهم أن يقدموه، ولا يتقدموا عليه، وأن يطيعوه ولا يعصوه، فأجمعوا جميعاً إلا نفراً يسيراً، خمسة أو ستة، على أن يزيلوا ذلك الرجل عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله  استخفافاً منهم بأمر الرسول  وعصياناً له" إلا أنه انقلب على الشيعة، وقطع علاقته بهم.
جاء لقاء الراوندي بالملحد البغدادي أبي عيسى الوراق ليكون حجر زاوية قلقه الفكري، وليحوله إلى أحد أشهر ملاحدة التاريخ، وقال خصوم أبي عيسى الوراق عنه أنه كان شيعياً رافضياً؛ إلا أن الخياط (كان مُعتزلياً) يقول أن الوراق كان معتزلياً في البدء، لكن المعتزلة طردوه لأفكاره المانويةً إذ كان يقول بمبدأي النور والظلمة، ويعتقد في خلود الأجسام .
بدأ ابن الراوندي بعد لقاءه بأبي عيسى الوراق رحلة شك قاسية، تتلمذ خلالها على اثنين من أهم أساتذة الزندقة (ابن طالوت ونعمان) كما تعرف وتتلمذ على الزنديق (أبو شاكر) الذي كان مُتشيعاً قبل أن يُلحد.
وصف الراوندي بأنه كان حاداً جاداً في جدله جاء عنه أنه قال:
"ما التصدي للحراب والقضاب ومبارزة الأبطال بأصعب من التصدي للجواب لمن أمك بالسؤال." وقال: "تحت كل لم أسد ملم."
ويقال أن ابن الراوندي اجتمع بأبي علي الجبائي على جسر بغداد، فقال ابن الراوندي:
"يا أبا علي أما تسمع مني معارضتي للقرآن وتقضي له؟"
فقال أبو علي:
"أنا أعرف بمجاري علومك، وعلوم أهل دهرك، ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبةً وهشاشة وتشاكلاً وتلازماً ونظماً كنظمه وحلاوة كحلاوته؟"
فرد ابن الراوندي قائلاً:
"لا والله."
فرد أبو علي:
"قد كفيتني، فانصرف حيث شئت."
وكتب ابن الجوزي في زندقة ابن الراوندي أكثر من ثلاث ورقات، وقال الجبائي:
"وضع كتاباً للنصارى على المسلمين في إبطال نبوة محمد  ونسبه إلى الكذب، وشتمه وطعن في القرآن الذي جاء به."
ويمكن فهم فكر ابن الرواندي من خلال النزعة المادية التي تبناها وموقفه من النبوة، فهو يرى أن الفكر الإنساني مستمر في التقدم إلى الأمام دوماً سواء قبل أو بعد الرسالة النبوية، ويرى أن هذا الفكر الإنساني يحقق بالقدرات العقلية للبشر إنجازات تراكمية بمرور الزمن حتى لو واجه فترات انحطاط، فالمحصلة النهائية هي التقدم والتطور.
و يلتقي ابن الرواندي في نزعته الإنسانية التي تبناها مع أفكار جابر بن حيان، وكافة المذاهب الغنوصية، والمذاهب المستورة، وأفكار التنوير التي ترى الحياة تمضي قدماً للأمام وتتطور بغض النظر عن قربها من الرسل أو ابتعادها عن الأنبياء رضي الله عنهم أجمعين.
ويقف هذا الفكر موقفاً معاكساً للفكر السلفي السني الذي يرى في العصر النبوي أرقى العصور الذهبية وأعظمها، وأن ما يليه من عصور، ينحدر تدريجياً كلما بعدت الشقة عن العصر النبوي، إذ يزداد تراجع العلم والقيم بالابتعاد عن هذا العصر.
تصدى لأفكار ابن الراوندي كثرة من معاصريه وممن جاء بعدهم من رجال الدين؛ مما يدل على أهمية وخطورة أفكاره، وممن رد عليه أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي أحد شيوخ الشيعة الذي رد على كتاب (التاج) وألف الجبائي المعتزلي خمسة كتب للرد على ابن الراوندي وكتبه (الزمرد) الذي يحتج فيه على الرسل وإبطال الرسالة و(الدامغ) الذي يطعن فيه على نظم القرآن وكتاب (التاج) وكرس (الخياط - معاصر الجبائي) أيضاً جهوده لنقض كتب الراوندي، فكتب كتابه (الانتصار) نقداً لكتاب (فضيحة المعتزلة) كما نقد أيضا كتب (القضيب) الذي قال فيه الراوندي أن علم الله تعالى بالأشياء محدث، وأنه كان غير عالم حتى خلق خلقه، وأحدث لنفسه علماً، وكتاب (عبث، أو نعت الحكمة) الذي يسفّه فيه الله  في تكليف خلقه ما لا يطيقون من أمره ونهيه وكتابي (الزمرد-الدامغ) وهاجم الزبيري المعتزلي أربعة من كتب الراوندي، كما رد أبو الحسن الأشعري مؤسس الفرقة الأشعرية على ابن الراوندي في كتب كثيرة، وغيرهم كثير.
لم يكن كل من رد على ابن الراوندي على نفس القدر من الكفاءة العلمية والعقلية، فهناك من تناوله بالهجوم في شخصه ولم يتعرض لفكره، قال القاضي أبو علي التنوخي (المحسن بن علي بن محمد ابن أبي داود التنوخي البصري أبو علي) :
"كان أبو الحسين ابن الراوندي يلازم أهل الإلحاد فإذا عوتب في ذلك قال: إنما أريد أعرف مذاهبهم، ثم إنه كاشف وناظر، ويقال أن أباه كان يهودياً فأسلم، وكان حُبر اليهود يقول للمسلمين: "لا يفسدنّ عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه التوراة علينا." ويقال إن أبا الحسين قال لليهود: "قولوا إن موسى قال لا نبيّ بعدي."
وذكر أبو العباس أحمد ابن أبي أحمد الطبري أن ابن الراوندي كان لا يستقر على مذهب، ولا يثبت على انتحال حتى ينتقل حالاً بعد حالٍ حتى صنف لليهود كتاب (البصيرة) رداً على الإسلام لأربعمائة درهم، فيما بلغني، أخذها من يهود سامرا، فلما قبض المال رام نقضها حتى أعطوه مائتي درهم فأمسك عن النقض.
وقال محمد ابن إسحاق النديم قال البلخي في كتاب محاسن خراسان: "أبو الحسين أحمد ابن الراوندي من أهل مرو الرّوذ من المتكلمين ولم يكن في زمانه في نظرائه أحذق منه بالكلام ولا أعرف بدقيقه وجليله منه، وكان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء، ثم انسلخ من ذلك كلّه لأسباب عرضت له ولأن علمه كان أكثر من عقله."
ويكاد كتاب (الانتصار) للخياط أن يضم النص الكامل لكتاب (فضيحة المعتزلة) فضلاً عن نقل نصوص كثيرة من كتاب (الزمرد) الذي رد عليه أيضاَ المؤيد في الدين هبة الله بن عمران الشيرازي الإسماعيلي الذي كان داعي الدعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي بكتابه (المجالس المؤيدية) الذي ورد في أحد أجزائه الكثير من كتاب (الزمرد) بشكل ساعد على معرفة محتوى هذا الكتاب بدقة كبيرة.
وقد أمكن التعرف من خلال هذين الكتابين (الانتصار، والمجالس المؤيدية) على مضمون كتاب (الزمرد أو الزمرذ) الذي يعتبره البعض قمة ما كُتب في الفكر الإلحادي في العصر العباسي، ففيه أكد الراوندي على سمو العقل على النقل، وبين أوجه تعارض الشريعة الإسلامية مع العقل، وشكك في أركان الإسلام وسخر منها سخرية قاسية، واستهزأ من العقائد الإسلامية، وطعن في الإسلام والقرآن، وأنكر النبوة ومعجزات محمد  وآيات الأنبياء وأنكر معجزاتهم الحسية وزعم أنها مخاريق حسب كلام الخياط (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان والخياط) ويمكن تلخيص أهم الأفكار والشكوك التي طرحها ابن الراوندي في كتابه (الزمرذ) فيما يلي:
 الشعائر الإسلامية، والحج والطواف، ورجم الشيطان كلها عادات وثنية، وطقوس هندوسية كان العرب يمارسونها في الجاهلية.
 تهكم على وصف الجنة، حيث فيها حليب لا يكاد يشتهيه إلا الجائع، والزنجبيل الذي ليس من لذيذ المشروبات، والإستبرق الذي هو الغليظ من النسيج.
 لا فضل للغة العربية على غيرها من اللغات، ولا تفرد للقرآن، ولا إعجاز به، إذ أنه من وجهة نظره لا يلزم غير الناطقين بالعربية، وأن القرآن يمكن كتابة نص أحسن منه، وإن عدم محاكاة العرب للقرآن يرجع لانشغالهم بالقتال.
 ما يأتي به الرسول إما أن يكون معقولاً أو غير معقول، فإن كان معقولاً فقد كفانا العقل إدراكه فلا حاجة لرسول، وإن كان غير معقول فهو غير مقبول.
 تساءل عن سبب عدم نزول الملائكة لعون المسلمين في معركة أحد.
 اعتبر غزوات الرسول محمد  سلباً ونهباً.
ويمكن تلخيص أهم آراء ابن الراوندي في:
1. ليس على الله أن يرسل الرسل، أو يبعث أحداً ليكون نبياً له، ويرشد الناس إلى الصواب والرشد، لأن في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى ويمضي إلى رشده وصلاحه بطبعه.
2. إن تصورات الإنسان عن الخالق والمبدأ محاطة بالأوهام والأساطير، لأن فكر الإنسان يعجز عن إدراك الخالق أو معرفة أوصافه.
3. لا سبيل لمعرفة سر الموت، فالإنسان منذ خلق وهو يبحث عن سر الموت كي يحول دون وقوعه، فأخفق حتى الآن في هذا السعي، وقد لا يوفق في الاهتداء إلى سره إلى الأبد، و لا يعلم الناس جميعاً كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، ومعاينة الإنسان موت الآخرين لا تعلمه شيئاً عن أسرار الموت.
4. يشعر الإنسان بالخلود كونه عاجزٌ عن إقناع نفسه بأنه سيموت، وبأنه سينعدم من هذا الوجود، فلدى الإنسان شعور بأنه لن يموت أبداً، وأنه حين يُثوى في قبره سيعيش ويبقى حياً، وإن يكن ذلك بطريقة أخرى وبنشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا.
5. الملائكة الذين أنزلهم الله يوم معركة بدر كانوا "مفلولي الشوكة وقليلي البطش، فلم يقتلوا أكثر من 70 رجلاً، ولم ينزل أي ملاك يوم معركة أحد عندما توارى النبي  بين القتلى فزعاً."
6. لا يختلف الطواف حول الكعبة عن الطواف عن غيره من البيوت.
ويرد المؤيد في الدين هبة الله بن عمران الشيرازي الإسماعيلي في كتابه (المجالس المؤيدية) على آراء الراوندي بأن:
 بشأن كفاية العقل لإدراك الصالح والطالح وعدم الحاجة للأنبياء, فوظيفة العقل إبصار الأمور الباطنة والغائبة عن الحس مثلما الحواس مسئولة عن مبصرات الدنيا، فالبصر لا يستطيع الرؤية دون تحفيز خارجي كضوء الشمس أو القمر، والعقل لا يستطيع الإدراك دون محفز خارجي؛ مثله كامتلاك الإنسان لسان وحنجرة وشفتين لا تكفي وحدها لبدء النطق.
 بالنسبة إلى التهكم على طقوس الحج، والطواف، ورجم الشيطان، والزكاة، والصلاة فهذه الطقوس غرضها الأساسي خرق الغرائز البدائية للإنسان، وإشباع حاجاته الروحية التي هو بحاجة لإشباعها.
 كون القرآن فريداً، وتفضيل اللغة العربية على غيرها من اللغات سببه أن الكلام كالجسد له روح، وروح الكلمة المعنى، وكما الأجساد فإن اللغات والكلمات قد لا تتفاوت كثيراً، ولا يمكن اعتبار أحدها خيراً من الآخر، حيث المعنى وروح الكلمة هما الفيصل، وإن اعتبر العرب -الذين هم أهل اللغة- القرآن إعجازاً، فإن روح الكلمة ومعاني القرآن وحكمته، تطغى على اختلاف اللغات والعبارات.
 عدم نزول الملائكة يوم أُحد مرده أن من يؤمن بالملائكة، يُدرك أن جبريل قادر على دفع الكفار بريشة واحدة من جناحه، وأن ملكين أو ملك واحد كان كافياً لإهلاك قوم لوط وثمود وصالح، ونزول الملائكة في بدر كان غرضه رفع الروح المعنوية للمسلمين، وحل مثالي لتوزيع الغنائم بين المسلمين الجدد، باعتبار الله وملائكته هم أصحاب ذلك النصر.
ويحكم نخبة رجال الدين الإسلامي على ابن الراوندي من مقولاته بأنه فيلسوف ملحد، وليس عندهم شك في إلحاده وردته في التكييف الفقهي الإسلامي، ووصف بعض من ترجم له أنه من مشاهير الزنادقة، وأنه كان يحتال لنشر إلحاده فينسب آرائه للبراهمة، ويرون أنه غلب عليه عقله، وأن ثقته بهذا العقل المجرد جعلته يظن أن الذهن البشري قادر على تمييز الخير من الشر، وأن إتباعه لهذا النُهى (الذي هو قاصر من وجهة نظرهم) جعله يستخف بالوحي والسنة، فجاءت أفكاره مجافية للمنطق، مفارقة للحق، بعيدة عن مناهج الإسلام.
ونص ابن تيمية في مجموع الفتاوى على أنه زنديق، وقال عنه الذهبي في السير:
"ابن الراوندي الملحد." وذكر الغزالي إلحاده في كتابه الأشهر إحياء علوم الدين، ونقض عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال عنه:
"كان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية، وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفراً، ولا يجوز إيمان إلا ما كان في اللغة إيماناً، وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر، ولا السجود لغير الله كفر، ولكنه علم على الكفر، لأن الله بين أنه لا يسجد للشمس إلا كافر."
وقال ابن الجوزي:
"زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري."
ويرى بعض المفكرين الإسلاميين أن مذهب ابن الراوندي هو مذهب المرجئة الذين يجعلون الإيمان مجرد التصديق، لأن الإيمان في اللغة هو التصديق، وما ليس بتصديق ليس بإيمان، ويزعمون أن التصديق بالقلب واللسان جميعاً، ويخرجون العمل عن مسمى الإيمان، ويرون أن طريقة ابن الراوندي الإرجائية هي طريقة بشر المريسي.
ترك ابن الراوندي من الكتب مائة وأربعة عشر كتاباً مليئة بالحجج القوية المتقنة، والآراء الجريئة على الثوابت الإسلامية، ذكر بعضها أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط في كتابه (الانتصار).
ومن كتب الراوندي التي ذكرها الخياط في كتابه الانتصار (الابتداء والإعادة- الأسماء والأحكام - البقاء والفناء - لا شيء إلا موجود – اللؤلؤ) وذكرهم ابن البلخي، وكتاب (خلق القرآن) ذكره ابن البلخي وابن النديم، وكتاب (الطبائع في الكيمياء) ذكره الخياط وابن المرتضى، وكتابي (القضيب) و(التاج) الذي يحتج فيه لقدم العالم وقد ذكرهما الخياط وابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان، وكتاب (التعديل والتجوير) وكتاب (الفرند) الذي انتقد فيه بعث الرسل ورسالات الأنبياء، ورد عليه أبو هاشم كما أشار ابن المرتضى، وجاء ذكر هذا الكتاب عند ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان، وكتاب (البصيرة) الذي ذكره أبو العباس الطبري، وقال أن الراوندي ألف هذا الكتاب نزولاً عند رغبة اليهود طعناً في الإسلام، وكتاب (الدامغ) وهو طعن في القرآن ومعارضة له وذكره ابن البلخي وابن المرتضى، وكتابي (التوحيد- الزينة) وكتاب (اجتهاد الرأي) الذي ذكره ابن النديم في كتابه الفهرست وقال أن أبا سهل النوبختي رد على هذا الكتاب، وأشهر هذه الكتب (عبث الحكمة) الذي طعن فيه على مذهب التوحيد وتحدث عن الوثنية، ولا يوجد للأسف معرفة بمضمون معظم هذه الكتب لأنها اختفت ضمن ما اختفى من كنوز الفكر العربي والإسلامي.
إن الحديث عن ابن الراوندي ليس طعناً في الإسلام، ولا انحيازاً للزندقة، ولكنه تعرف على مساحة فكرية هامة في تاريخ الفكر الإنساني، أضافت لهذا الفكر سواء اختلفنا معها أو اتفقنا حولها، فموقف ابن الراوندي المنكر للنبوة، موقف شديد التفرد Idiosyncrasy في الفكر الإلحادي، ومنهج العقل الإنساني، ونتاج حقيقي لمنطق مختلف في الذهنية البشرية، تميز بها الفكرين العربي والإسلامي، فبينما أنكر الإلحاد الوثني الآلهة في الفكر الفلسفي اليوناني، وأعلنت الفلسفة الغربية الحديثة بعد المسيحية على لسان نيتشه "موت الله" تبقى أفكار ابن الراوندي فريدة في اختلافها مع هذين المنطقين اللذان نقضا الإلوهية، فأفكار الراوندي لا تهاجم الإلوهية، وإنما تهاجم الفكر العقائدي الديني، وتنفي النبوة كصلة وحيدة بين المفارق Transcend والإنساني Human والتي إذا انتفت انتفى معها مفهوم الدين، ومن ثم تزول الأديان، ولا يصبح هناك معنى أو ضرورة لمهاجمة الإله والإلوهية.

لمزيد من القراءة:
1. ابن النديم: الفهرست.
2. عبد الأمير الأعسم: ابن الريوندي في المراجع العربية الحديثة، مجلدان، دار الأفاق الحديثة - بيروت – لبنان.
3. عزيز العظمة: ابن الريوندي، رياض الريس للنشر- بيروت – لبنان.
4. عصام محفوظ: حوار مع الملحدين في التراث، دار الفارابي- بيروت – لبنان.
5. عبد الرحمن بدوي: شخصيات قلقة في الإسلام، الطبعة 2، دار النهضة العربية- القاهرة 1964م.
6. عبد الرحمن بدوي: من تاريخ الإلحاد في الإسلام- الطبعة الثانية-دار سينا للنشر- القاهرة 1993م.
7. صلاح الدين الصفدي: الوافي بالوفيات، الموسوعة الشعرية الإلكترونية http//www.cultural.org.ae

 


تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة الأولى


رياض الحبيّب
r_hbeyyib@hotmail.com 




لقد بيّنت بأدلّة قاطعة في مقالتي “لفت الإنتباه عن المسمّى حديث الله” المكتوب رابطها أدنى أحاديث لمسلمين من أصحاب محمد قد أتى كل منهم بحديث لم يكن قرآناً، ثمّ نزل به القرآن فصار قرآناً، منهم الخليفة الثاني عُمَر بن الخطّاب ومصعب بن عُمَيْر- الذي قتل يوم أحُد وهو يحمل اللواء. وقد وقع مثل ذلك لبعض الكفار أيضاً، منهم النُّضْر بن الحارث- الذي كان يقول لقرَيْش: هلمّوا فإني والله يا معشر قريش أحْسَنُ حديثاً منه، ثم يحدّث قريش عن ملوك فارس، حتى قتله محمد بيده- وعبد الله بن سعد بن أبي سرح- وهو من كتّاب الوحي لمحمد ومن الستة الذين أمر محمد بقتلهم بعد “فتح” مكة. هنا رابط المقالة المذكورة- في عدد الحوار المتمدن 2705 المؤرّخ في 2009 / 7 / 12:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=177888

وقد تمّ بها تبيان موضوع مهمّ جدّاً وهو أنّ تلك الأحاديث- التي نسبها محمد لله- كانت أحاديث بشريّة صرفة وهي بمجموعها تمثل أحد المصادر التي اعتمَدَ محمدٌ لتأليف القرءان.

وفي سلسلة هذه المقالة سأبيّن طريقة تأليف القرءان، مستعيناً بدرجة كبيرة بكتاب الشخصيّة المحمّدية لمؤلفه: معروف الرصافي* والذي ركّز في كتابه هذا على قول الحقيقة مهما يكن الثمن! وسأكتب مقتطِفاً فحوى الكلام ومختصِراً قدر الإمكان، أمّا تعليقاتي وإضافاتي ما بين سطور المقالة فسأضعها بين قوسين كبيرين [ ] من أجل التوضيح والإستطراد.

القرآن
نقرأ في الصفحة 551-552 من كتاب الرصافي: كان محمد في خلوته في حراء يفتكر في وضع الأساس الذي تقوم عليه الدعوة، يفتكر في الصور التي تقوم عليها الدعوة، بل الواسطة التي يؤدي بها الدعوة. ومعلوم أن الدعوة تقوم بالكلام، ولكنْ بأيّة صورة من الصور الكلامية يُصاغ كلام الدعوة ويُسبك؟ أيجعل الكلام شعراً منظوماً أم نثراً مسجوعاً أم ماذا؟ حتى استقرّ رأيه على جعل الكلام قرآناً يُقرأ ويُحفظ. فابتدع- بما أوتي من فطنة واسعة وذكاء وقاد- لكلامه الذي يؤدي به الدعوة أسلوباً لم تعرفه العرب ولم يسبقه إليه أحد منهم، فجاء كلامه على هذا الأسلوب لا هو من الشعر المنظوم ولا هو من النثر المسجوع، إنما جعله جملاً تنتهي بفواصل؛ كل فاصلة منها تفصل الكلام الذي تقدّمَها عمّا بعده إمّا فصلاً تامّاً في اللفظ والمعنى معاً، فيكون الكلام المختوم بها مستقلاً بمعناه ولفظه، منفصلاً عمّا قبله وعمّا بعده، وإمّا فصلاً غير تامّ أي في اللفظ فقط، فيكون الكلام المختوم بها مستقلاً في اللفظ فقط، وإنْ كان من جهة المعنى مرتبطاً بما قبله أو بما بعده. وقد سمّى كلّ كلام ينتهي بفاصلة آية! فجاءت آيات القرآن كلها مفصّلة على هذا النمط- كما وصفها هو في القرآن إذ قال:
(كتاب فصّلتْ آياته قرآنا عربياً لقوم يعملون)- سورة فصّلت، الآية 3

ثمّ قسّم آيات القرآن إلى أقسام مختلفة في الطول والقِصَر، وسمّى كلّ قسم سورة! ولم يُراعِ- في تقسيم هذه الآيات إلى سُوَر- شيئاً من موضوعها ولا من زمان نزولها أو مكانه، بل قد تكون السورة الواحدة مشتمِلة على آيات مختلفة من الأمور التي يتكلم عنها القرآن. وقد تكون في السورة الواحدة آيات متقدمة في الذكر وهي متأخرة في النزول وبالعكس! وقد تكون في السورة الواحدة آيات نزلت في مكة وأخرى نزلت في المدينة. وهكذا جاء ترتيب الآيات والسّوَر على هذا النحو [بدء الصفحة 553 من الكتاب] بتوقيف من النبي، أو الذين جمعوا القرآن بعد وفاته هم رتبوه على هذا الترتيب بلا توقيف منه. والظاهر أنّ المقصود من تقسيم الآيات إلى سور متعددة هو تسهيل قراءتها وحفظها على القرّاء والحُفّاظ ليس إلّا.

[والسؤال المطروح هنا: هل استكمل محمد خلال ثلاث وعشرين سنة تلاوة كُلّ الكلام المكتوب في اللوح المحفوظ- المزعوم في السماء- أم بقي منه شيء؟ ومن جهة أخرى- بعد ثبوت حرق عثمان سائر المصاحف مزكّياً مصحفه، وبعد ضياع قرآن كثير؛ بما فيه من سائر الحروف باستثناء حرف قريش، وبما فيه من آيات القرآن، كالذي كان في سورة الأحزاب- مثالاً- والتي كانت تعدل سورة البقرة، وبما فيه من الآيات التي ذهبتْ تلاوتها وبقيَ حكمها وبالعكس، ألمْ يكنْ ربّ محمد قادراً على حفظ كلامه من الحرق والإسقاط والضياع؟ لقد تناول الرصافي هذا الموضوع في أماكن أخرى من كتابه ممّا ليس في إطار بَحْثي الحالي]

قال الجاحظ: سمّى الله كتابه مخالفاً لما سمّى العرب كلامهم على الجُمَل والتفصيل، سمّى جملته قرءاناً كما سمّوا ديواناً، وبعضه سورة كقصيدة، وبعضها آية كبَيْت [في الشعْر العمودي] وآخرها فاصلة كقافية (الإتقان في علوم القرءان 50:1) فالفواصل هي أهمّ ما يدعو إلى الإنتباه في القرءان- أي كون آياته مفصّلة- وهي قوام أسلوبه. كتب الرصافي [في الصفحة 555] أمثلة لفواصل القرآن التي هي نوعان- كما أسلفت- فإمّا كلمة واحدة تنتهي بها الآية- ويكون الكلام في الآية مبنيّاً عليها وتكون هي ممتزجة به- وإمّا جملة تجيء في آخر الآية فتفصلها عمّا بعدها فصلاً تامّاً في اللفظ والمعنى، أو فصلاً في اللفظ فقط وتبقى الآية مرتبطة في المعنى بما بعدها.

النوع الأوّل
تكثر أمثلة النوع الأوّل في السوَر القِصار، منها الكوثر 1-3:
إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربّك وانحر* إنّ شانئك هو الأبتر*
ومنها الليل 1-4: والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلى* وما خلق الذكر والأنثى* إن سعيكم لشتى*
ومنها المدّثّر 1-5: ياأيها المدثر* قم فأنذر* وربك فكبّر* وثيابك فطهّر* والرجز فاهجر*
وقد جاء نحوها في بعض الطوال أيضاً كالكهف ومريم. ولا ريب في أنّ هذا ضرْبٌ من السّجع، إلّا أنّهم لم يسمّوه سجعاً تأدّباً مع القرآن الذي هو كلام الله والسجع عندهم من شأن الكهّان.

[أتمنّى- على القارئ الكريم والقارئة الكريمة- العودة إلى مقالتي التي علّقتُ من خلالها على سورة الكوثر- بما اٌستوحيت من كتب التراث، كما كتبت مطوّلة على شاكلتها مقتبساً من السيرة المحمّديّة:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=166580

علماً أني لم أكن الأوّل في هذا الإتجاه، لكنّ السؤال المطروح هنا: لماذا سُمّي كلام محمّد قرآناً وكلام الكهّان سجعاً وكلاهما كلام- أحدهما أصبح مقدّساً بينما أمسى الآخر غير مقدّس؟ سأضرب هنا مثالاً على سجع الكهّان:
من خُطب قسّ بن ساعدة الإيادي:
تبّاً لأرباب الغفلة* ليصلحنّ العامل عمله* وليفقدنّ الآمل أمله* كلّا بل هو إله واحد* ليس بمولود ولا والد* أعاد وأبدى* وأمات وأحيا* وخلق الذكر والأنثى* ربّ الآخرة والأولى*

وهنا مثالان مما وصل من قرآن مسلمة بن حبيب- مسلمة الذي أطلق عليه المسلمون لقب الكذاب ومسيلمة تصغيراً، مثلما أطلقتْ قريشُ على محمّد لقب المذمّم**
من قرآن مسلمة: إنَّا أعطيناك الكواثر* فصَلِّ لربّك وهاجر* إن مبغضك رجلٌ فاجر*
وورد أيضاً:
إنَّا أعطيناك الكواثر* فصَلِّ لربّك وبادر* في الليالي الغوادر* واحذر أن تحرص أو تكاثر*
فلنقارنْ مع سورة الكوثر- المكتوبة أعلى- ما بين قرآن مسلمة وبين قرآن محمد

المثال الثاني من قرآن مسلمة:
والشمس وضحاها* في ضوئها وجلاها* والليل إذا عداها* يطلبها ليغشاها* فأدركها حتى أتاها* وأطفأ نورها ومحاها*
فلنقارن مع سورة الشمس ما بين القرآنين:
سورة الشمس 1-6:
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها* والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها*

قلت من وجهة نظري الشخصي: فلو انتصر جيش مسلمة في معركة اليمامة على جيش المسلمين نهائيّاً لحلّ على قرآن محمد القول الحالّ اليوم على قرآن مسلمة- والذي لم يصلنا منه سوى القليل. ولعلّي أوفّق في تأليف ضرب من السجع:
والمركب الطافي* على البحر الصّافي* يحمل الكلام الكافي* والشرح الوافي* لكتاب خرافي* بقلم معروف الرصافي*

فلو أردتُ الآن تأليف سورة على شاكلة قرآن مسلمة بن حبيب- مثالاً- لقلت:
فاء قاف* والمدن والأرياف* إنّ الناسَ لفي خلاف* لو علموا بربّك كامل الأوصاف* لاٌتفقوا في آخر المطاف* على كلمته الفضلى باٌئتلاف* أرسلناها إليهم زمن القحط والجفاف* فبشّر بالخير والإنصاف* واٌنصحْ بالطهر والعفاف* إنّا قوّمنا حقوق الإنسان بلا اٌنحراف]


النوع الثاني
أمّا النوع الثاني من الفواصل فكما جاء في الأعمّ الأغلب من آيات السّوَر الطوال، ففي سورة النحل 1-2:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون* ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فَاتَّقُونِ. فالجملة تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [التي قمت بتشكيلها] فاصلة، وكذلك فاتَّقُونِ.

وفي سورة طه 130-132:
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لَعَلَّكَ تَرْضَى* ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى* وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى* فالجمل الثلاث [التي قمت بتشكيلها] فواصل!

فواصل من النوعين
وأكثر السّوَر لا تكون فواصلها كلها من نوع واحد بل تكون من النوعين كما ترى في سورة الفرقان 5-6:
وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا* قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا* فالفاصلة الأولى من النوع الأول والثانية [التي قمت بتشكيلها] من النوع الثاني.

وفي سورة الشعراء 23-24:
قال فرعون وما رب العالمين* قال رب السماوات والأرض وما بينهما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* فهذه [التي قمت بتشكيلها] من النوع الثاني والتي قبلها من النوع الأوّل.

وقبل الإستمرار في قراءة الصفحة 556 من كتاب الرصافي أجدني تاركاً للحديث بقيّة
..............

* يمكن التعرّف على سيرة معروف الرصافي عبر ويكيبيديا بسهولة، لكنّ جدّي- لأمّي- الذي في شبابه عاصر الرصافي في بغداد وكان يؤمّ بعض مجالسه، حدّثني كثيراً عن الرصافي واصفاً إيّاه بصفات العبقريّة وسرعة الحفظ وقوّة الذاكرة- رحمة الله عليهما

** نقرأ في تفسير القرطبي للآية الأولى من سورة المسد: وكانت قريش إنما تسمّي رسول الله مُذمَّمًا؛ يسبّونه، وكان يقول: (ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبّون ويهجون مذمَّماً وأنا محمّد) علماً أنّ امرأة أبي لهب قالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضرَبْتُ بهذا الفِهْر فاه [والفِهْرُ في الطّبّ: حجر رقيق تسحق به الأدوية- المنجد في اللغة والأعلام] والله إني لشاعرة: (مُذمَّمًا عَصَيْنَا وَأَمْرهُ أَبَيْنَا وَدِينهُ قَلَيْنَا) ثم انصرفتْ. فقال أبو بكر: (يا رسول الله، أما تراها رأتك؟) قال: (ما رأتني، لقد أخذ الله بصرها عني)

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe