الخميس، 5 نوفمبر 2009

التفكير بالتفكير

نبيل حاجي نائف


المقصود بالتفكير بالتفكير هو رصد أفكارنا والتفكير فيها أي التفكير بأفكار مرمزة بكلمات ( وفي الأساس التفكير يشبه التذكر ويعتمد عليه، فالتفكير هو شكل من التذكر مع حدوث استجابات فكرية متسلسلة في نفس الوقت )، ولا يمكننا فعل ذلك إذا لم تمثل هذه الأفكار ببنيات فكرية ( أي أفكار ) يجري استدعاؤها من الذكرة والتفكير فيها ( يمكن العودة لمقال . الدماغ " لدينا " كيف يفكر . )، فنحن نستطيع رصد أحاسيسنا أثناء حدوثها أو استدعاء صور لها من الذاكرة بعد حدوثها، أي نستطيع التفكير بها أكان أثناء حدوثها، أوعند استدعاء صور أو تسجيلات لها من الذاكرة .
نحن نستطيع تمثيل أي شيء بكلمة ترمز إليه، فنحن نستطيع بواسطة اللغة تمثيل أي شيء بكلمات حتى العواطف المفاهيم المعقدة مثل العدالة والأخلاق . . . الخ . ونحن في تواصلنا وتعاملاتنا مع بعضنا نعتمد بشكل أساسي على الكلمات وهي رموزالأفكار أي نتعامل بالأفكار.
إن الكثير من الكائنات الحية تفكر بأحاسيسها بشكل متطور، فهي تعالج المدخلات الحسية وتقوم بالاستجابات المناسب لها، وكذلك تقيمها وتصنفها وتضعها في ذاكرتها، وتتعلم الكثير من الأمور، ولكنها لا تستطيع أن تعالج أفكار تمثل الأحاسيس أو الأشياء، فليس لديها لغة مثلنا يمثل فيها كل شيء، تمكنها من ذلك . لقد راى البعض أن التفكير من دون لغة صعب أو غير ممكن، عندما أخذ طريقة تفكيرنا المتطورة فقط كمثال للتفكير .
يمكن اعتبار التفكير بالأحاسيس التي تستدعى من الذكرة هو شكل أولي من التفكير بالتفكير، و بنشوء اللغة المحكية لدينا تطور التفكير بالأحاسيس ليصبح تفكير بكلمات ترمز للأشياء وغالبية الأمور حياتنا، وكان تأثيرالحياة الاجتماعية ونشوء اللغة المكتوبة ونشوء الثقافة وتطورها، هو الذي سمح لقدرتنا على التفكير بالأفكار وجعلها متطورة بهذا الشكل .
فالذي سمح لنا أن نفكر في تفكيرنا هو اللغة بالإضافة للحياة الاجتماعية التي أنشأت الثقافة، ولولا اللغة لما كنا نستطيع أن نفكر في تفكيرنا وتميزنا عن باقي الكائنات الحيّة في طريقة وأسلوب تفكيرنا .
إذاً أهم العوامل التي سمحت لنا التفكير بالأفكار هو امتلاكنا للغة محكية ومن ثم مكتوبة متطورة . طبعا بالإضافة لوجود : الذاكرة اللغوية المتطورة - وإمكانية نسخ الأفكار أو تذكرها - والتراسل بين فصي الدماغ - واستعمالنا التغذية العكسية أو جدل الأفكار - فهم عوامل أساسية أيضاً .
إن استدعاء فكرة ( أو إحساس ) لإعادة معالجتها هو الذي يسمح بالتفكير بالأفكار . وأيضاً رصد أفكار الآخرين والتفكير فيه هو بمثابة تفكير بتفكيرهم، وهذا ما أدي إلى تطور وتوسع قرات ومجالات التفكير بالتفكير .
فللغة دور أساسي وهام في نشوء قدرتنا على التفكير بالتفكير، ويمكن اعتبار تصور كيفية حدوثه هو بمثابة تفكير بالتفكير، وأن الجدل الفكري الذاتي هو تفكير بالتفكير . والتفكير بالتفكير هو الذي وسع وعينا وميزنا عن باقي الكائنات الحية المتطور والتي تفكر بطريق جيدة ولكنها لا تملك لغة متطورة، لذلك لا تستطيع التفكير مثلنا .
سؤال : ما هو الفرق بين الأحاسيس المباشرة وتذكر هذه الأحاسيس ؟
أولاً تنظر إلى الشجرة وتحس تأثيراتها شكلها وأوانها ورائحتها . . الخ .
بعد أن تغادر الشجر تستعيد أو تتذكر تلك الشجرة وما أحدثت فيك من أحاسيس وتأثيرات .
ماهو الفرق بين هتين الحالتين، الإحساس المباشر من جهة، وتذكر هذا الإحساس بعد حدوثه من جهة أخرى، أي إعادة أضرام الشعور بالأحاسيس السابقة .
ما الفرق بين تناول الطعام وما يحدثة من أحاسيس، وتصور أو تذكر أو التفكير في تناول الطعام وما يحدثه من أحاسيس . ممارسة الحب، وتصور أو التفكير في مما رسة الحب .
عيش المشكلة أو المصيبة، وتصور أو التفكير في المشكلة أوالمصيبة . عيش التفوق والنجاخ، وتصور الفوز والنجاح . عيش الآلام والأوجاع، تصور الآلام والأوجاع . ما الفرق بين زيارة بلد والسياحة فيها، وبين مشاهدة ذلك في السنما أو التلفزيون، أو تذكر زيارة سابقة وما جرى فيها . ما الفرق بين سماع لحن أو أغنية، وبين تذكر أو تصور سماع لحن أو أغنية . ما هي خصائص كل من هذين الوضعين، أيهما أشد تأثراً أو أشد قوة ؟ وأيهما أجمل وأحلى ؟
فأنا عندما أقرر الذهاب في رحلة، أمر بتصورات لأحاسيس وانفعالات كثيرة قبل حدوث الرحلة، وهذه تؤثر على أحاسيسي عند حدوث الرحلة فعلاً وتتفاعل معها . هل الترقب والتوقع لأحاسيس معينة ثم حدوثها، هل يزيد أو ينقص من تأثيرها ؟ وهل يغير من تأثيراتها ؟ الظاهر نعم يغير .
فنحن البشر نتيجة اللغة والتواصل والعلاقات الاجتماعية والثقافة، أصبحت غالبية التأثيرات علينا تتأثر بما يخزن في ذاكرتنا من أحاسيس وأفكار وعواطف وانفعالات وإيحاءات وتوقع وترقب وآمال، وصارت تلك التأثيرات تفوق كثيراً تأثيرات الأحاسيس المباشرة . مع أن في بداية حياتنا تكون الأحاسيس المباشرة هي المؤثرة فقط، وبالتدريج يتم تسجيل القوي والهام في ذاكرتنا، وصبح مصدر تأثير إضافي عن حدوث وا يستدعي تذكره ودخوله ساحة شعورنا .
أن برمجة الاستجابات وبالتالي التصرفات، والتعلم نتيجة الحياة، هو ناتج ترابط الأحاسيس ( الممتعة ) أو ( المؤلمة ) في الذاكرة مع الأفكار . ويجري تصنيف الأحاسيس إلى ممتعة – مؤلمة – محايدة، واعتماد هذا التصنيف بشكل أساسية في تقييم الحوادث والأوضاع، وتجرى تعديلات عليه عندما تستدعي الأمور ذلك .
فتأثير الأحاسيس الممتعة أو المؤلمة التي تسجل في الذاكرة . والتي نتجت عن الاستجابات والتصرفات المجدية بالنسبة للأحاسيس الممتعة، والتي هي بمثابة مكافأة . والمؤلمة بالنسبة للتصرفات الفاشلة أو المعيقة لتحقيق دوافع وحاجات الكائن الحي، والتي هي بمثابة عقوبة . هي التي توجه بشكل أساسي غالبية تصرفات الكائن الحي، وبالنسبة لنا تشكل أفكارنا، فهذا التربط هو أساس برمجة التصرفات والتعلم . ثم يحدث ترسيخ لهذه التعلم نتيجة الممارسة المتكررة لهذه الاستجابات والتصرفات .
فالثقافة والأدب وكافة العلاقات البشرية تستخدم أو تعتمد بشكل أساسي على التفكير بالأفكار .
علاقة التفكير بالأفكار بظهور الوعي الراقي المتطور لدينا . عندما قال ديكارت : " أنا أفكر إذاً أنا موجود " فهو كان يفكر بالتفكير وبشكل متطور يعتمد على ثقافة متطورة، وهذا لا يستطيعة أي كائن حي غير الإنسان الذي يملك ثقافة متطورة، فهذا الإنسان يكون مدرك وواعي لأبعاد الوجود وأبعاد " أناه أو ذاته " .
إن " أنا أفكر " تتضمن التفكير في الفكير أو رصد التفكير، لأنّ الأنا التي هي ناتج تفكير يرصد التفكير وتفكر فيه، أي تفكر بالتفكير . فنحن الوحيدين من بين الكائنات الحية الذين يمكننا أن نفكر في تفكيرنا ونرصده . لذلك مفهوم " الأنا " و إدراك الذات والوعي المميز والواضح لها، غير موجود لدى كافة الكائنات الحية، ربما ينشأ وعي بسيط لذاتها عندما يربها الأنسان فترة طويلة ويتعامل معها باللغة، فيعطيها أوامر ويتلقى منها أوامر، وتشكل رفقة وصداقة معه .

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe