الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

الإعجاز و الإفلاس علي الأمين

وصل الأمر بالمسلمين بعد الإسراف في اجترار الفخر والعجب الجاهلي بانجازات الماضي إلى حساب الصفر، أو بمعنى أدق، حساب الإفلاس الحضاري المتمثل بمحاولة سرقة دورٍ ما في بناء مدنية وحضارة هذا الكون مهما كان حجم هذا الدور، وكيفما كان مصدره، صدق، أو كذب، أو تلفيق، لا يهم. المهم أن يبني بعض المسلمين مجداً من نوعٍ ما يرضي غروره بطريقةٍ ما، و أن يصفق له أحدٌ ما حتى يترنح طرباً. ولكن عبثا فمزمار حيّهم لا يطرب سوى أصحابه والبعض من جلسائهم. و هو بلا شك ثقب أذاننا، لأنه لا يشدو إلا عندنا ولا يُسمِع غيرنا، و الأنكى من ذلك، يثير علينا حنق الجيران ،وفي أحسن الأحوال يثير سخريتهم واستخفافهم بالعازفين وبالمستمعين، وبالمزمار نفسه. أما العازفون فهم ما يدعوهم الناس بعلماء الإعجاز العلمي في القران، والمزمار هو القران، والعزف النشاز، بلا شك، هو هذه التلفيق حول الإعجاز الذي يصل إلى حد ابتزاز ولاء المسلم العاقل لدينه ومنطق دينه الحق كوسيلة من وسائل التسويق الرخيص لأشخاصهم أو ربما لمبادئهم المعتلة.
فكلما عمَّ نور فتح ٍعلمي جديد، استل بعض المسلمين، وللأسف، معاجمهم اللغوية وكتب تفسيرهم وقصائدهم العصرية والجاهلية، وأدخلوا القران غرفهم المظلمة وطرحوه على طاولاتهم، وأشهروا أقلامهم، وراحوا يشرِّحون، و يمطون ويقلِّصون و يربطون ويقطعون ويوصلون ويعدُّون ويخدرون ويحيون ويميتون أحرف و مفردات الآيات أحيانا، والآيات , والسور ذاتها أحياناً أخرى إلى أن يُفتح عليهم بمدد من ربهم أو من وحي شيء بهم وإلى أن يستنتجوا، وبسرعة فلكية طبعا، أن ذلك الفتح العلمي الذي أبهر العالم إنما هو مما يعرفه المسلمون منذ ألف و أربعمئة سنة وهو جزء بسيط مما يدعى الإعجاز العلمي في القران يا للفرحة و الروعة و الرفعة !!!
فالإعجاز العلمي للقران ورقٌ مزخرفٌ جاهزٌ لتغليف أي إبداع كوني وهو يُصنع من قبل بعض خفافيش المسلمين يطال كل جهد بشري يسَّره الله إلى خلقه العاملين المجدين الذين لا يقبلون في عملهم غير النتيجة اثنان عند جمعهم واحد إلى واحد ولسوء طالع المسلمين أن حظهم من هؤلاء العلماء هو نفر قليل, وحتى هذا النفر القليل ، إن وجد، فما كان له ليبحث وينجح أو يظهر لولا حضانة قوم وحكومات هؤلاء المجدّين. إن الباحث في عناصر هذه الدراما "الاسلاموهندية" يجد في أتونها الكثير من المغالطات العقائدية والعلمية التي تستحق منا الوقوف عندها والتفكر فيها وفي معانيها وتتبع طرق تشكلها. فما هو يا ترى تعريف القران و ما هي حقيقة كون القران نفسه معجزة؟ وما هو المقصود بالإعجاز و بالتالي ماهو المقصود بالإعجاز العلمي في القران ؟ ومن هم خبراء الإعجاز و ما هي مصالحهم المحتملة؟ وما هي الفائدة من إعلان إسلامية العلوم دون إنسانيتها؟ أسئلةٌ أحاول تسليط الضوء عليها من زاويتي و أعمل على إجابتها علماً بأن الكثيرين ربما قد طرقوا هذا الباب ولكنني أجد في التنوع و الاختلاف حيوية صالحة ومفيدة لا غنى عنها، حيث أن تعدد أشكال طرح المواضيع يؤسس طرقاً قد تهدي الضالين.
فالقرأن هو بالتعريف كلام الله الــمُـعـجـِـز الـمُـتَعَـبَّد بتلاوته المُنزَّل على محمد بن عبد الله بواسطة جبريل، انتهى التعريف، وما يهمنا الآن من هذا التعريف هو كلمة " الــمُـعـجـِـز " التي وردت في التعريف المتفق عليه. فهذه الكلمة بادئ ذي بدء هي كلمة عادية لا يُـتـَعــبَّد بقولها، وهي لغةً عبارةٌ عن اسم فاعل من الفعل الرباعي أعَجَزَ , أي انه فعل الذي يقوم بالإعجاز بمعنى إتيان شخص ما بأمر لا يستطيعه أي شخص أخر،أو إتيان الخالق بأمر لا يستطيع الإتيان بمثله احد من البشر.
وقد جاءت صفة الإعجاز بهذا الشكل كخلاصة لمعاني آيات كثيرة وردت في القرآن وكلها تؤكد كون إتيان الناس بكلمات وتراكيب لغوية محمَّلة بصور بيانية وبدقة نحوية تحكي بجزالة فريدة قصص الأولين وغيرهم و تحكي ما يريد قائلها من متلقيها كالتي فيه، أمر يستحيل على البشر. انظروا إلى قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) البقرة, وببساطة تامة يمكن ولتقريب الأمر نقول أن الله، ومن خلال القران، يقول للناس: إن كنتم تعتقدون أن محمداً أتى بهذا الكتاب من عنده, فهذا يعني أنكم تستطيعون الإتيان بكتاب مثله لان محمدا بشر وانتم بشر أيضا، فادعوا ما شئتم من الناس لمساعدتكم في تأليف كتاب مثله، فان فشلتم، وسوف تفشلون، فاعلموا أن سبب فشلكم هو عجزكم عن مجاراة الأسلوب الغير بشري. و هذه هي حصراً معجزة القران المفتوحة و التي أثبتت صدقها حتى الآن ولا أعتقد بداهةً انه سيثبت بطلانها في المستقبل وخصوصاً في ظل تردي استخدام اللغة العربية الحالية وتراجعها والتي أصبحت بعيدة كل البعد عن الدقة النحوية الأصلية التي نزل بها القران منذ أربعة عشر قرنا مضى و أيضا حداثة المفردات والصور البيانية التي أضحت بعيدة كل البعد عن المفردات القرآنية ودلالاتها.
والإعجاز كلمة تدل على فعل أو عمل يقوم به كائن ما وهذا العمل يحدث بشكل مفارق تماما للمنطق وللبديهيات والبدهيات الكونية. فلو أنه جاءنا شخص يطير في الهواء عارياً كالعصفور بحيث ينتقل من مكان إلى أخر وقت يشاء وكيفما شاء، لقلنا أن هذا الشخص قد أتى بمعجزة لأن البشر لا يطيرون عراة دون أدوات مساعدة من أجهزة نفاثة أو غيرها وهي معجزة لأننا نحن معشر البشر غير قادرين على فعل مثله. و لو أننا شاهدنا شخصاً يُدهَس ويُسحَق بإحدى الدبابات، ولكنه لا يلبث أن يتشكل إنساناً سويا من جديد وكأن شيئا لم يكن، فهذه معجزة أيضا لأن معشر البشر لا يتأتى لهم أن يأتوا بمثل هذا الفعل أبداً. أو أن يمسك حيوان وحيد القرن آلة العود العربي ويعزف بيديه موسيقى ويغني أغنية فريد الأطرش "الربيع" لأصبنا بالدهشة العارمة لأن البشر يعلمون أن الحيوانات لا يمكن لها أن تفعل هذا الفعل أو حتى اقل منه. هذه أمثلة لما يمكن أن ندعوه الإعجاز البشري أو "الحيواني", فطيران المرء،أو عودته كما كان بعد السحق، أو شدو وحيد القرن بالغناء وعزف العود هي أفعال وأعمال مفارقة للمنطق وللبديهيات والبدهيات الكونية وهي غير قابلة للتفسير المنطقي ولا العلمي.
وفي المقابل ليس الأمر خارج نطاق المنطق و العقل وليس مفارقاً للبدهيات الكونية لو أن إنساناً عارياً و دون أية معدات مساعدة، تسلق بطريقةٍ ما إلى إحدى قمم جبال هملايا, أو أن ربَّاعاً يرفع ضعفي وزنه، أو أن يركض عدَّاءٌ مسافة مئة متر في عشرة ثوان ونصف الثانية، وليس غريباً ولا معجزةً أن يقوم حيوان وحيد القرن بهدم جدار كوخ صغير أو سحق أرنب تحت قدميه.. وليس غريباً البتة أن يعبر الخالق في قرانه عما يفعله في كونه حين يقول: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر فالأفعال المذكورة تقع ضمن نظام المقبول منطقيا والمعقول عملياً بالرغم من اختلاف درجات الصعوبة أو السهولة و الإمكانية وكل حسب مقدرته.

ومن تاريخ الدعوة الإسلامية أن رجالاً جاؤوا أبا بكر الصديق فرحين بخبر الإسراء والمعراج الذي بلغهم والذي حسب ظنهم أنهم بهذا الخبر سيقصمون ظهر "عدوهم" محمد صلى الله عليه وسلم ويفرقون أصحابه من حوله فقالوا له: إن صاحبك يقول أنه ذهب من مكة إلى المقدس وصعد من هناك إلى ربه ومن ثم عاد إلى بيته في مكة في اقل من ليلة، فقال ببرود مطلق إن كان محمداً قد قال ذلك، فقد صدق، وكأنه يقول: لقد صدقته في أكبر من ذلك أفلا أصدقه في هذه؟ و "أكبر من ذلك" هو وحدانية الله و حقيقة خلقه لكل شيء ، وطبعا جاءت إجابة الرجل منطقية و بدهية حسب القاعدة المعلوماتية التي يمتلكها. إن تصديق أبو بكرٍ لقصة الإسراء والمعراج السهل والسريع جاء على يقين منه بأن ما حدث إنما حدث بقدرة الرب الذي يعبده وحيدا والذي لا تقف قدرته عند حدٍ معين هو تماما كتصديقنا السهل والسريع لإمكانية الموت إذا ما طُعِنَّا بسكين.
إن كنّا قد قبلنا بأن الله قد خلقنا وخلق كل شيء من حولنا وأنزل القران والذي فيه أخبار الأولين و إشارات لأخبار اللاحقين وهو الرب الذي ما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا دابة، ولا دودة في بطن الأرض إلا يعلمها ويرزقها، وهو الذي إن أراد شيئا أن يقول له كن فيكون, فأين المعجزة في أن يتضمن القران إشارات دقيقة من قريب أو بعيد على شيء مما خلقه هو كما نؤمن ونصدق؟ والآن، كيف أؤمن بكل تلك الصفات أعلاه للخالق ومن ثم أدعي أن هذه الإشارة التي ربما يقصد بها إشارة إلى هذه الحقيقة العلمية الموجودة أصلا في حياتنا أو تلك، معجزة من المعجزات؟ إنني في هذه إذا كمن يقول: يا الهي انظروا إلى وحيد القرن قد سحق الأرنب بقدمه ، إنها معجزة! أو أن أقول لقد أتى فلان بمعجزة بعدو مئة متر بعشر ثوان ونصف, أو أن أقول انظروا إلى المهندس احمد فقد حوَّل مخططه الهندسي إلى ناطحة سحاب بعد ثلاث سنوات من العمل! أليس في وصف تلك الأعمال بالمعجزة هو محض إهانة واضحة لفاعليها؟ إنها كأن يقول لك أحدهم يا الهي كيف استطعت أن تعرف نتيجة جمع واحد إلى واحد؟... إنها معجزة! فماذا يكون موقفك منه يا قارئي العزيز؟ لا داع لأن تذكر لي ما سيجول في نفسك، فانا اعرف ما قد تقوله و القدرة على تخمين ذلك، بالمناسبة، ليست معجزة.
يقول الله في القران "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)" ، حسناً، لنفرض فعلاً أن الله يقصد تماماً أن يقول أنه جعل الهواء وسطاً لانتقال حبيبات الطلع من زهرة إلى أخرى لتقوم بعملية التأبير أو التلقيح. فماذا في ذلك؟ أين المعجزة في قوله لك أنه يفعل ذلك؟ أم انك يا عالم الإعجاز العلمي تستعظم على من خلق كل شيء أن يُسيِّرَ الرياح لتلقيح الأزهار؟ إن القول بإعجاز هذا الأمر هو تماما كأن يقول أحدهم لشخص والدهشة تملأ عينيه بعد فتح فيه: يا للهول كيف عرفت أن واحد زائد واحد يساوي اثنان؟ إنها معجزة! بل انك إنسان خارق! أليس في وصفه ذاك إهانة لك ولأبسط قدراتك العقلية؟ أليس في وصف الآية السابقة على سبيل المثال بالمعجزة العلمية إهانة للخالق نفسه وان كانت بدون قصد؟ فان كان ربُّ القران قد أوجد كل شيء، ويعرف كل شيء وعنده مفاتح كل شيء، يحي ويميت، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، و يرسل الرياح لتحمل غبار الطلع من زهرة إلى زهرة، أفلا يستطيع أن يعبر عن هذه العملية بإشارات في القران تدل عليها وربما على غيرها؟ هل المعجزة حصرا هي في وضع الإشارات والرموز في القران؟ أم المعجزة "بالنسبة لله" في جعل الرياح واسطة تلقيح الأزهار؟ أم أن المعجزة الحقيقية تكمن في الفهم لهذه الآية من قبل المسلمين ولكن بعد ألف و أربعمئة سنة من تلاوتها؟ فمن الواضح أن هذه الآية لم تكن لتدل على الإعجاز قبل ألف عام وكانت أيامها عبارة عن كلام لا يعلمه إلا الله، إلى أن أتى العلماء الغربيون "أطال الله أعمارهم"واكتشفوا أن الرياح لواقح أي ناقلة, ومن جملة ما تنقله غبار الطلع من زهرة إلى أخرى.
وفي سورة هود تقول زوجة إبراهيم عليه السلام: قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) ...ففي هاتين الآيتين يبشر الملائكة زوجة إبراهيم بأنها ستنجب, فأصابتها الدهشة, ليست الدهشة من المفاجئة التي تصيب أي امرأة فحسب, وإنما الدهشة من الفعل ذاته. إذ كيف لها أن تحمل وهي عجوز قد قطعت سن القدرة على الحمل والولادة منذ سنين عديدة خلت وقد كانت من قبل ذلك امرأة عقيم, و هذان الملكان ويبشرانها بحمل وشيك؟!!! وقد قالتها صراحة للملائكة، فجاء جواب الملائكة لها سريعا مستنكراً تعجبها ومعاتبها استغرابها الذي لا يليق بأن يصدر من أل بيت النبوة فهم أعلم الناس بقدرة الله الذي خلق كل شيء من لاشيء. من الملاحظ أن زوجة إبراهيم تحدثت هنا بمنطق أهل الإعجاز القرآني ولكن حديثها جُوبه باستنكار وعتاب جميل من الملائكة لها التي أدهشتها قدرة الله عزّ وجل الغير محدودة. أما علمائنا الأفاضل فهم لم ينسوا قدرة الله عزّ وجل ولا لحظة، غير أن بعضهم راح يجيّر قدرته على إسقاط المكتشف الحديث من العلوم على كلمات القران ليصفق الناس له وربما ليقبـِّلوا يديه، أو ليحلفوا برأسه و رأس أبيه.
سأضرب مثالين على مثل هذا الإسقاطات السقطات، الأول حين قرأ أحد متفذلكي الإعجاز الآية من سورة البقرة: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138 ) فقفز إلى مخيلته أن "صبغة الله "هي الصبغيات و الصبغيات يا سادة هي الترجمة العربية الجيدة لكلمة المورثات أي الجينات (genes) , ورحت أفكر ماذا لو لم تُترجم الجينات بكلمة صبغيات، ماذا كان سيحل بصاحب ذلك التلفيق؟ من أين سيأتي عندها بجينات الله ومن أحسن من الله جينات ؟ والمثال الثاني هو تناقل بعض المغفلين لمعلومة سخيفة لا يُعلم أساسها من رأسها تفيد بأن علماء ناسا NASA اكتشفوا أن هنالك أثار شق عظيم وملتئم يقطع القمر، وهذا يدل على أن حادثة شق القمر حدثت فعلاً مع الرسول و أن القمر فعلا انشق كما يخبر القران في سورة القمر: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) ... وقد صرف علماء ناسا مئة مليار دولار من أجل أن يعلموا ما نعلمه نحن المسلمون منذ ألف و أربعمئة سنة. الآن، على فرض أن هذا صحيح وهو ليس كذلك طبعاً، فكيف تكون معجزة شق القمر والتحامه معجزة، طالما أن عملية الالتحام بعد الشق كانت فاشلة بدليل وجود أثار الشق إلى الآن على سطح القمر كما يزعمون؟ المعجزة، بدون شك، هي أن ينشق القمر وأن يعود كما كان بدون أي أثر للشق. لست أطعن في حقيقة شق القمر, ولكنني أسخر من كون أثارٍ للشق مازالت موجودة على سطحه وأعتقد أن الشق الحقيقي موجود في عقلية من يصدق أن الله لا يستطيع أن يعيد القمر كما كان قبل الشق باقتناعه أن القمر المسكين ربما قد لُصِقَ بطريقة غير صحيحة وربما ينفصل الشقين بفعل اللاصق المنتهي صلاحيته ونفيق على كارثة فضائية.
"اللي اختشوا ماتوا" مقولة الأخوة المصريين أراها تصدق هنا أيضاً, فالذين "اختشوا" هم الذين لم يستحسنوا الفرار من الحريق بسبب عريهم, فماتوا ، فقيل باللهجة المصرية "اللي اختشوا ماتوا". و كذلك الذين لم يوجهوا الإهانات إلى الخالق والى عقولنا من الأولين أي "اللي اختشوا" أي الذين لم يقولوا بمعجزات القران العلمية، ماتوا وبقي الذي لا يقيم لقدرات الله ولا لعقولنا وزنا. فان كان الشخص يؤمن بقدرات الله المذكورة في هذا المقال، أو في ذلك، أو في أي مكان أخر, فما هو تعريف الإعجاز العلمي في القران لديه؟ فالله لم يقل إنه أرسل الرياح لتلقح الأزهار وتحدانا أن نستطيع أن نفعل ذلك وانتظر فعلاً منا أن نفعل ذلك؟ فكل مناسبات التحدي الواردة في القران كانت محسومة النتائج بعدم قدرة المُتَحَدَّى أن يخلق بعوضة على سبيل المثال أو أن يحي أو أن يميت، وكيف يكون الإخبار من قبل قادر عن أمور ستحدث إعجازا ؟ وكيف يكون إخبار المهندس عن ناطحة سحابه أنها ستصل إلى ارتفاع 350 مترا إعجازاً؟
يصف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي القران بأنه كتالوج الكون. فكتالوج الموبايل الذي وضعته الشركة المصنعة يرشدك إلى تعليمات وطريقة التشغيل المثلى وكيفية المحافظة عليه أطول فترة ممكنة. والقران حسب البوطي فيه تعليمات ترشد الإنسان إلى الطريقة المثلى لحياته ومعاشه، فالذي يحصل على سبيل المثال لا الحصر، أن الكتالوجات تأتي أحيانا بغير العربية, فهل إن أتى شخص يفهم لغة الكتالوج وقرأه وفهمه و أرشدك إلى كيفية إرسال رسالة بواسطته، يكون ذلك إعجازاً علمياً للكتالوج؟ (ربما يكون ذلك صحيحا في حالتنا الإسلامية والعربية المتخلفة حصراً) ولكن هذا الوصف لا يقبله عامة الناس العقلاء وسيقولون إنما هذه التعليمة وجدت من قبل المصمم من أجل إرسال الرسالة ومن الخطأ وصفها بالمعجزة وإذا سمع صانع الهاتف بقولكم هذا، سيظن أنكم تنتمون إلى العصر الحجري أو أنكم تسخرون منه. فكيف بنا إذا قلنا أن الرياح لواقح معجزة وهي أصلاً معلومة تنتمي لكتالوج صانع الكون مثلما قال د. البوطي؟ أليس في ذلك ما يجعل العقلاء من الناس يظنون بنا مثل ظنهم بنا عندما وصفنا اكتشاف طريقة إرسال رسالة بواسطة الموبايل معجزة؟

لقد ذكر الله في القران انه سيرينا آياته فيما يأتي من الزمان، ففي سورة القصص:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) ... ويقول في سورة فصلت: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ولكنه لم يحدد تماما ماذا بالضبط سيرينا، فهو لم يقل سأريكم أن سرعة الضوء هي 300 ألف كيلومتر بالثانية، حسب أهل الكيلو متر وليس أهل الميل، ولكننا نقبل بأن اكتشاف سرعة الضوء هي من آيات الله التي أرانا إياها في الأفاق. وهو لم يقل في القران أن الحمض النووي البشري يتكون من 46 صبغياً, ولكننا نقبل بأن اكتشافنا لهذا الأمر جاء من الباب المفتوح لرؤية الآيات في الجسم أي في أنفسنا. وقال الله في سورة النحل: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ... والضمير هنا ب" ما لا تعلمون" يعود على جماعة قراء هذا القران في أي زمان، إذ في أي زمان هنالك إمكانية لان توجد، بتيسير من الله، أشياء لم تكن معروفة لديهم أو لدى الذين من قبلهم. إذاً فهذا المخرج الثاني الذي أبقى الله فيه الباب مفتوحاً على مصراعيه للتفكر في خلقه الجديد في كل زمان وكل مكان ويغلق الباب تماماً على كل من يريد أن يقول " أأأأأ ها هذه هي ...لقد وجدتها... الله يقصد بهذه الكلمة كذا وكذا في القران ..." كخزعبلة "جرف هارٍ" التي خرجت للوجود مع ارتطام إحدى الطائرتين اللتين دمرتا برجي التجارة العالمي الأمريكي وكأنها إحدى الشظايا المسبقة الصنع، وهي كذلك فعلاً.

إذا كان القران الكريم يتحوى كل العلوم وأسرار الكون فلماذا لا يكبُّ جهابذة الفقه وجهابذة الفيزياء وجهابذة الطب على البحث عن علاج أمراض السرطان وأنفلونزا الطيور و أنفلونزا الخنازير و انفلونزا الزرازير؟ ولماذا لا يستنبطون أسرار الكواكب ومواد تركيبها من الآيات الكريمة؟ ولماذا لا يلقون بمخابرهم وأبحاثهم في المزابل أو في نار جهنم لتخلد فيها أبدا طالما أن أدوات البحث العلمي هي قاموس المحيط وموسوعة لغوية للعربية ورجل أطال لحيته وقصر بصره وفضت يا عرب؟ وبعد اكتشاف علاج كل الأمراض، نخرج للعالم ونقول لهم انظروا إلى علوم القران؟ لقد حللنا معضلات الحياة ببلاش يا من تدعون العلم أو ربما يا كفار!!! المشكلة، حتى وان حدث هذا، فليس فيه أي إعجاز، بل فيه غباء البشر بشكل لا لبس فيه، حيث سيُسأل السؤال التالي: إذا كان قرانكم يا أيها المسلمون فيه كل هذا الخير فلماذا تركتمونا نحن باقي البشر مدفونين في صحراء الجهل مئات السنين؟
لا أنكر احتمال تحوي القران الكريم للكثير من الإشارات العائمة لما قد يتوصل إليه الإنسان من اكتشافات واستخدامات تقنية عالية، ولكنني لا اقبل أن يقول لي أحدٌ أن هذه الآية أو تلك من القران تعني سرعة الضوء في الهواء، أو في الماء، أو في الفضاء. ولا يقبل عقلي مثلما عقول عامة البشر بتسخيف ما حققه علماء الغرب من اكتشافات صار عدّها يفوق قدرة المسلمين على العد والقول بأن هذا مما يعرفه المسلمون منذ ألف و أربعمئة سنة ففي هذا القول بهتان و جحود ونكران للجميل ناهيك عن انه مغالطة شرعية، فالبشر أعجز من أن يُعَاجَزوا بأكثر من تحد واحد كالإتيان بكتاب يماثل القران، فهذا يكفيهم. أما هذه الصور التي يكتشفها العلماء عن المخلوقات في كل يوم ما هي إلا صور من قدرة هذا الخالق على الإبداع والتنوع فيه و التي من الأجدر أن تُقدم للناس على أنها قدرة الله وليس إعجازاً قرآنياً تم اكتشافه بفضل معظم العلماء العاملون المجدِّون الذين لا يرجون سوى أن يكونوا أنفع الناس لعيالهم. ولا يسعني هنا إلا تذكر قول: "رحم الله امرؤ عرف قدر نفسه فوقف عنده."

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe