الاثنين، 9 نوفمبر 2009

أيهما أسهل تعاملا الله أو الفيزياء؟

محمد عزالدين الصندوق


في الصيف الماضي وجهت لي دعوة من قبل مجوعة انكليزية تعنى بالفن الإسلامي في انكلترا. يدير المجموعة أستاذا في الفن الموسيقي و كان انكليزيا و معتنقا للدين الإسلامي. كانت الدعوة لإلقاء محاضرة بخصوص نشاطي الفني في مجال الرسم و عملي العلمي و فلسفة العلوم التي ارتكز عليها. أما مكان الندوة فكان في كنيسة انكليزية قديمه جميلة جدا سبق للجيش الايرلندي السري أن فجرها في فترة التسعينات من القرن الماضي و من ثم تمت إعادة بنائها لتكون مركزا للسلام و حوار الأديان إنها St Ethelburga’s Centre في لندن.
كالعادة في أي محاضرة لي أعددت تقديمي للموضوع ( بمساعدة ولدي علي بسبب كثرة مشاغلي) على شكل عرض صوري للبعض من أعمالي الفنية باستخدام عارضات الحاسوب ( الكومبيوتر) و كنت أركز في عرضي على الجانب الفني أكثر من الارتكاز على الأطروحات العلمية ذات الدم الثقيل و التي لا يميل لها العامه عادة. أسميت موضوعي ب " فن الوجود الخفي" (Art of Hidden Existence).
أنا مؤمن بأن هناك وجودا خفيا يصعب إدراكه فيزيائيا لهذا هناك حدا من عدم الدقة في الفيزياء الحديثه و سبق لي أن نشرت جزء من بحث في الفيزياء النظريه عام 2007 حول ذلك ( يمكن الاطلاع للمتخصصين على البحث بالنقر هنا ).
إن الوجود الخفي هذا وجودا فيزيائيا و لا استطيع أن أقول عنه شياْ سوى انه لا يمكن أن يدرك مختبريا. ربما سأتطرق له في مقالة أخرى. لقد ترك هذا الوجود الخفي تأثيرا في أعمالي في فلسفة التكنولوجيا و أعمالي الفنية.
الوجود الخفي يكون حاضرا شفافا يترك أثره و يثبت وجوده دون إمكانيه التحقق منه مباشرة. و لكون الخفاء لا يمكن أن يحس و من ثم لا يمكن أن يرسم. لذا اشعر به فنيا (و ليس فيزيائيا) شفافا مثل الماء و الهواء و الزجاج. لذا استخدمت الخط و الشفافية و الزجاج لعرض فكرة الوجود الخفي. أخذت الشفافية حيزا كبيرا في أعمالي رسمتها و استخدمتها لعرض أفكاري. ساعدني العمل الفني في أدراك صورة متكاملة تربط المنطق بالإحساس و اللذان يكونان البعد الإنساني في إدراك الوجود.
على أية حال، الموجود الخفي جزء أساسي في الموروث الديني لكافة المعتقدات و يلعب دورا أساسيا في الفكر الإنساني. و لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي يلعب فيها هذا الوجود دورا رسم و ربما ما زال يرسم حاضر و مستقبل هذه المجتمعات. و ربما كان هذا احد الأسباب وراء دعوتي تلك.
قدمني الأستاذ صاحب الدعوة لجمهور الحضور بطريقة أثارت لهفتهم لمتابعتي عندما ربط ما بين العلم و الفن و فلسفة العلوم. لقد كانوا يتوقعون فنانا محترفا و ليس كيانا هجينا. كان الحضور من أصول مختلفة و ديانات شتى يجمعهم الوعاء الاجتماعي الانكليزي و يتميز هؤلاء الحضور بولعهم الفني و قسم باهتماماتهم الدينية. و كالعادة أتوقع أن هناك من سيعجب و أخر من يكون على الضد مني. لقد كانت القاعة كلها في لهفة لمشاهدة أعمال العالم الفنان .
بعد العرض تعرضت لسيل جارف من الأسئلة المختلفة الأغراض و الأهداف. و لكن سؤالا واحدا استأثر باهتمامي و اهتمام الحضور عندما سألتني إحدى الحاضرات و كانت شابة من أصل أفريقي و لست اعرف انتمائها الديني: باعتبارك متخصص في الفيزياء و أستاذا جامعيا أيهما أسهل التعامل مع الله أو مع الفيزياء؟ التفت الجميع نحو السائلة و انتظروا إجابتي.
الحقيقة لم أكن أتوقع مثل هذا السؤال، و لكني أجبت من منطق الأستاذ الأكاديمي. أنا كأستاذ أتعامل من منطلق توصيل مادة الفيزياء للطالب و بذلك أحاول أن أصل به لمرحلة الكمال بالنسبة لمادتي العلمية. و لكوني بشرا و لست اله ولا استطيع أن اعرف نواياك و مقدار ما أخذت من معرفة فسوف احكم عليك من خلال أدائك الامتحاني. و واجبي يحتم علي أن أكون دكتاتورا في تقيمي و ليس للعاطفة مكان في ذلك. ومن هذا المنطلق يكون التعامل مع العلوم و أساتذة العلوم أكثر تعقيدا من التعامل مع الله. لأنه كيانا غير بشريا و يمكن أن يدرك ما لا أستطيعه أنا.
لقد كانت لإجابتي صدى كبير الكثير منهم من قبل و هناك من رفض. لاشك في أن هناك من يرى في الإله صفات بشرية دكتاتوريه!

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe