الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

أولاد سكيبة أو خروج الأقدام الحافية



أولاد سكيبة أو خروج الأقدام الحافية


عن الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، صدر للروائي منذر بدر حلّوم رواية بعنوان "أولاد سكيبة أو خروج الأقدام الحافية"
"معنى الشيء الثابت ادعاء باطل!! فنحن نستقبل الحدث نفسه مشظى إلى ألف قطعة، ونحن أنفسنا نتشظى معه لحظة استقباله.."
خزّانات من الحكايا والقصص والأحداث تنسّل خارجة من بين أسطر هذه الرواية المفعمة بالحركة، المتعددة الشخصيات المتقاطعة السِير فيما بينها، لتعود وتصبّ في سياق متكامل واحد يجمعها، في سرد استثنائي التشويق حققّه الروائي السوري بحنكة ودهاء، وبحبكة روائية متقنة التركيب، مشدودة الحلقات والمفاصل، متناغمة المعنى، لمشاهد تُرى من منظار حاد ودقيق وشديد الواقعية، يجرّد في تنقل حقل رؤيته ومجاله كل الحقائق الخفية.
"كل حادثة تقع على مرأى منا تتشظى إلى ألف حادثة صغيرة، كل منها تسكن مسكناً خاصاً منا، بعضها يكاد لا يغفو حتى يستفيق، وبعضها الآخر قد يستفيق من غفوته الأولى مرة واحدة في الحياة وقد لا يفعل.."
سخّر الكاتب كل أشكال التعبير الكتابية في خدمة سرد قصصه والتلميح بمعانيها. يحضر الصورة ويشكّل الرمز: قال الشيخ بوعلي لابنه "علي جاد" الراعي، بعد أن عاين حال ابنه وحال القطيع": أرى القطيع يذبح يا بني، وليس لبهلول مثلك وعاجز مثلي أن يحميه، وأما الله فلست واثقاً من أنه يريد"، و"ستجد من يرى في طريقة علي جاد في الإحصاء فرصة للهزء منّا نحن أهالي "عين الغار" جميعاً على أساس أن القطيع يقع في جذر إدراكنا للحساب، بل وللرياضيات العالية..". لا يبخل بالتحليل محملاً طرفه بعضاً من السخرية الماكرة: "كان يكفي في ضيعتنا أن تتلثم بالكوفية الفلسطينية كي تشعر بنفسك فدائياً وتنطلق بحثاً عن يهودي احتل أرضك في مكان ما قريب". و"حين يكون العدو هو نفسه الأخ والقريب والصديق، عليك أن تفتش عن واش في كل من يلقي عليك السلام".، و"طعم الموت كما طعم الحياة يختلف من مكان إلى مكان"، "هنا يتكثف القهر، هنا تتكثف البشرية بوصفها مصدر القهر أو متواطئة معه أو مشاركة فيه، هنا يصبح للموت الفردي معنى القهر الإضافي والخنوع الإضافي..".
لكن يبقى أسلوب السرد تاج الحكاية ومفتاح لغزها. شخصيات كثيرة تظهر تركيبتها في ميدان الحدث، يعبّر عن خصائصها النص الذي يبدو منفتحاً على آفاق لا حدود لها. من هذه الشخصيات: ابن عم علي جاد ويدعى "علي بن مسعود" الحائز من معهد الفيزياء العالية في موسكو على دكتوراة في فيزياء الذرّة، وشخصية ابن العم الآخر الذي لقب "تاريخو" لأنه "أطلق النار من بارودة صيد على كتاب التاريخ المدرسي"، تجسيداً لرغبة المعلم الذي أمضى بعد ذلك "قرابة خُمس قرن" في المعتقل. تاريخو الذي جاء وأخوه الشيخ ونوس وعلي خضيرة "للتشاور في أمر العسكر الذين احتلوا المقبرة"، يقابلهم أزلام السلطة: بو علي مروان المساعد السابق في المخابرات العسكرية، والمختار علي بو العبد والد المساعد الحالي في المخابرات إياها". "شمعون"، مدّرب فريق كرة القدم الذي كانت "نسيبة" في عينيه "كمثل عجلة صغيرة على وشك أن تبلغ في عيني ثور خبير"، وشخصية نسيبة التي أُوكلت بمهمة استطلاع تحركات العسكر، ستقوم بعملية ارتجالية أكبر وأهم في دار بوعلي مروان، ستقض مضجعها فيما بعد، لأنها ستقع فريسة غرام ابن الدار.
قصص وروايات العديد من أهل الضيعة تُشاهد تفاصيلها من خلال انعكاس رؤيا علي جاد في المرايا التي كان يصنعها. قصص عن الانتحار والاغتيالات، وحكايات نساء الضيعة والإغواء والرغبات الجسدية المكبوتة، وثمن إطفاء الشهوة الجنسية المحرّمة والذي قد يبدأ "بوضع مهين"، ويصل بصاحبه حد القتل كما حدث لـ "حميروش". رواية تستحق القراءة والاهتمام في هذا الكتاب الذي يروي في سلاسة ملفتة، وفي غزارة متدفقة حكايا الناس من مواقعهم الفعلية المظلمة، يبحث عن دوافعهم ويكشف عن مصائرهم، كي ينقل واقعاً مأساوياً مؤثراً يدعو إلى التفكير.
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe