الأحد، 1 نوفمبر 2009

هل الصلاة فريضة على المسلمين ؟؟!


عبدالله أبو شرخ


يقول المفكر الفرنسي الشهير مشيل فوكو: (( ليست وظيفة الفكر أن يلعن الشر الكامن في الموجودات، بل أن يستشعر الخطر الكامن في كل ما هو مألوف، وأن يجعل من كل ما هو راسخ موضع إشكال )) وأي موضوع يمكنه أن يكون مألوفاً وراسخاً كموضوع الصلاة كفريضة إلهية فرضت على المسلمين كافة في كل الأزمنة، وأن تارك الصلاة كافر سيدخل جهنم منكباً على وجهه لأنه هدم ركناً معلوماً من الدين بالضرورة، وأن تارك الصلاة قد تخلى عن نص الحديث الواضح (( الإسلام بنى على خمس ))، ولعلك عزيزي القاريء ممن يؤمنون كل الإيمان بأن الصلاة واجبة على المسلمين كافة، وبأنك لن تتعاطى مع أي فكرة جديدة، لأنها ستكون بذلك من فعل الزنادقة المارقين أعوان الخونة والمستشرقين والكفار !

بعد قراءة هذا المقال، سيتضح أن الصلاة قد فرضت على طائفة المؤمنين وحدهم دون غيرهم، وأن الإسلام والإيمان مفهومين مختلفين أيما اختلاف، رغم العلاقة الوطيدة بينهما، وأن هذا المقال يستند إلى نصوص قرآنية واضحة لا لبس فيها، بينما تجد من يقولون بالصلاة فريضة لكل المسلمين يرفضون تلك النصوص أو يحاولون لي أعناقها وتأويلها، وفي الأغلب والأرجح تجدهم يهربون من النص القرآني إلى أحاديث ضعيفة، حتى وإن اكتسبت شهرة واسعة وذاع صيتها حتى أصبحت راسخة في الأذهان. هذه الشهرة سببها الفكر الوهابي المدعوم بالنفط، واسع الانتشار، والبعيد عن روح الإسلام الحقيقية، ذلك بأن الوهابية تسعى جاهدة دوماً إلى إكراه الناس على الصلاة ودخول المساجد لكي يتسلطوا على الناس باعتبارهم مندوبين عن الإرادة الإلهية. يفعلون ذلك حتى لو أدى بهم الأمر إلى إلغاء نصوص قرآنية وأحاديث أخرى ذات أسانيد قوية، وذلك كما سيتضح في السطور القادمة.

أولاً: الإسلام

(( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان قلوبنا - قرآن كريم )) والأمر واضح أشد ما يكون الوضوح، فالإيمان درجة ومرتبة مميزة ليست كالإسلام ( الفطرة )، والإسلام ليست رسالة محمد - ص - كما يعتقد البعض، بل هو دين تراكمي، تواصل نزوله عبر كافة الرسل بدءاً من إبراهيم عليه السلام الذي كان مسلماً قبل نزول الرسالة المحمدية بآلاف السنين (( وما كان إبراهيم نصرانياً ولا يهودياً بل كان حنيفاً مسلماً - قرآن كريم ))، وما محمد - ص - إلا خاتم رسل الإسلام (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق - حديث شريف ))، والإسلام هو (( لا ضرر ولا ضرار - حديث )) والمسلم (( من سلم المسلمون من لسانه ويده - حديث )) كما ورد الإسلام بمفهوم عكس الإجرام (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون - قرآن كريم ))، والسؤال الآن، كيف كان إبراهيم مسلماً دون أن يصلي الصلوات الخمس التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج فقط ؟؟! لاحظ أن مفهوم الإسلام كما ورد في الآيات والأحاديث السابقة وفي قضية إسلام إبراهيم عليه السلام، لا يتطلب الصلاة مطلقاً، بل يتطلب أخلاقاً حميدة من مثل عدم الإضرار بالغير وممتلكاتهم سواء كانت هذه الإساءة مادية أو معنوية، وفي هذه الحالة يكون المسلمون هم سكان الأرض قاطبة شريطة إيمانهم بالله واليوم الآخر، وبأن يكونوا صالحين في مجتماعاتهم، ولاحظ معي هذه الآية من سورة البقرة (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) !! الآية السابقة تتعرض لمفهوم الإسلام طبقاً لشرطين أساسيين هما مجرد الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح في الدنيا، وهنا يتدخل الوهابيون للقول بأن العمل الصالح هو الصلاة، وهي حجة واهية ذلك أن الصابئين هم أولئك الذين آمنوا بالله عن طريق العقل ومن خلال تأملهم في الكون، ولم يؤمنوا بالرسل كافة !! ولماذا لم تقل الآية (( من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة )) ؟؟؟ ألا يعد التزام مواعيد العمل والدقة والأمانة والإخلاص ( كما يفعلون في اليابان والغرب مثلاً ) - من العمل الصالح ؟!

ثانياً: الإيمان

أما الإيمان فهو مرتبة متقدمة على الإسلام، وهو ليس من الفطرة، فالإنسان بفطرته يحب النوم في الفجر ولا يحب النهوض للوضوء والصلاة، وهو يحب أن يأكل لا أن يجوع في شهر رمضان، لذلك كان القرآن واضحاً قاطعاً بأن الصلاة (( كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً )) ولو أرادها فريضة للسلمين كافة لنزلت (( إن الصلاة كانت على المسلمين كتاباً موقوتاً )) هذا النص تحديداً مكروه من الوهابية ويتمنون لو أن الآية كانت (( على المسلمين )) لكي تتسق مع مشروعهم الهادف لقمع إرادة الناس وتطويعهم عبر إكراههم على الصلاة. هذه الآية - وجملة الأحاديث والشروح المقدمة، تتناقض مع أن ( الإسلام ) بني على خمس، فشروط الإسلام الخمسة التي يتعرض لها الحديث هي من شروط الإيمان وليس الإسلام، وهنا تتضح اللعبة الخطيرة التي قامت بها الوهابية وغلاتها، فقد تم خلط الإسلام والإيمان كأن لا فاصل بينهما ضاربة بعرض الحائط النص القرآني (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )) وقاذفة خلف ظهرها أن الصلاة كانت على (( المؤمنين )) وليس على (( المسلمين )) - كتاباً موقوتا !! ولهذا السبب، نجد أن الصيام قد فرض أيضاً على المؤمنين بالنص (( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام )) ولم يقل ياأيها الذين أسلموا أو ياأيها المسلمين، وبالتالي انطلت علينا لعبة قلب شروط الإيمان ( بنص القرآن الواضح ) إلى شروط إسلام ( بنص الحديث الضعيف ) !

الخلاصة

يختلف مفهوم الإسلام عن مفهوم الإيمان، فالإسلام هو قضية أخلاقية محضة، تهتم بصياغة الإنسان بعيداً عن الإضرار بالغير والكذب والجريمة، وإذا آمن الإنسان بوجود خالق لهذا الكون وكان من الصالحين فهو مسلم، لذلك، عزيزي القاريء، إن كنت من جماعة المسلمين فقط ولا تستطيع الصلاة لأي سبب من الأسباب، فلا تخش العذاب والعقاب كما تدعي الوهابية، فهي على الأرجح فرقة خارجة عن الإسلام لا تؤمن بالنصوص القرآنية الواضحة بل بالإحاديث التي تتعارض مع تلك النصوص، وأن الإسلام دين تراكمي تواصل نزوله على الرسل كافة بدءاً من إبراهيم ومروراً بالأنبياء موسى وعيسى وانتهاء بمحمد - ص، وهذا هو المفهوم الصحيح للآية (( إن الدين عند الله الإسلام ))، أما الإيمان فهو قضية مختلفة ومرتبة عليا متقدمة، وقد فرضت الصلاة على المؤمنين وحدهم دون غيرهم من المسلمين.

-------------------------------------------
للمزيد: راجع كتاب " الإسلام والإيمان " / د. محمد شحرور / 1996.


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe