الأحد، 27 ديسمبر 2009

"فصل الكلام في مواجهة أهل الظّلام"






ننشر فيما يلي المقدّمة التي صدّر بها الأستاذ حميد زناز كتابه "فصل الكلام في مواجهة أهل الظّلام"، وقد نشرته رابطة العقلانيّين العرب بالتّعاون مع دار السّاقي. (الطّبعة الأولى، 2009) نصوص تواجه "الإعصار الدّينيّ"، متحلّلة من كلّ رقابة، زاهدة في كلّ حذلقة متلعثمة. (الأوان)
لم تستطع الحداثة أن تشقّ لها طريقا آمنا في صحراء الإسلام الشاسعة ولو كانت عقارب التاريخ تشير إلى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة. فالمرأة لا تزال حليفة الشيطان الرجيم وجهنّمُ هي دوما تلك العلمانية الآتية من الغرب المُلحد. ولا يزال الإرهاب الفقهيّ والنصيّ جاثما على الأرواح والعقول في الأغلب الأعمّ.
لقد سعيت عبر المداخلات التي يتضمّنها هذا الكتاب إلى تبيان استحالة وهُراء محاولة التوفيق بين الدوغما الإسلامية ومتطلبات الزمن الحديث. فالاجتهاد، ذلك الفانوس السحريّ الذي ترفعه النُّخَبُ المسلمة والمتأسلمة شعارا وتزعم من خلاله مواكبة العصر، ما هو في حقيقة الأمر سوى إعادة جدولة الأصولية. إنّ حرية الاعتقاد وحقّ التفلسف واستقلالية الفرد وحريّته في تسييرذاته والمساواة بين الجنسين، والتسامح وغيرها من القضايا الإنسانية المعاصرة،لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تجد لها أجوبة معقولة في إطار الدين. وذلك أنّ الديانات كافة هي في الحقيقة معادية لحقوق الإنسان الأساسية.
إن حالة التخلّف والبطالة العقلية التي تعانيها البلدان الإسلامية ليست عَرضية، بل هي متجذّرة في عمق الهيكل الديني ذاته، وتعود أساسا إلى عدم الفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا، بين قضايا الأرض وقضايا السماء.. فمن نافلة القول أنه بدون فصل غير مشروط بين الدنيا والدين ستصبح الظلامية المتعاظمة بمثابة مرحلة عليا من مراحل الإسلام في السنوات المقبلة.
ولأنني لا أحبّذ الخوض في تحاليل نظرية قد تحلّق فوق الواقع ولا أن أُثقل ذِهن َ القارئ بمصطلحات رنّانة فقد اخترت الاستئناس بشهادات رجال ونساء عانوا مرارة العيش في بلدان ظنّوا أنها أوطان. وقد استعنت بالتحقيق الصحفي معتمدا بنحو خاصّ على التجربة الذاتية والملاحظة العينية والذهنية المباشرة. وفضّلت لمسَ الواقع بدل التحليق في أوهام الأحلام النظرية. على أنني لا أبتغي من وراء هذه الصفحات إقناعَ أيّ كان، كما لا أودّ السقوط في حيادية جبانة. وإنما كان هدفي الأول والأخير هو فضح أولئك الذين يتسلّقون أكتاف العروبة والإسلام، و ذلك بالعودة إلى أقوالهم وأفعالهم والتفكير فيها ثم تحليلها وتبيين أهدافها. ثم إنّني أتساءل عن أسباب فشل المسلمين ولا سيّما العرب منهم حيث نجح غيرهم ، كما أتساءل عن سرّ مقاومة أغلبية المسلمين لأفكار التقدم والتحرّر. وأحاول الإجابة عن سؤال كثيرا ما قُمِع هو: كيف ولماذا روحَن التاريخُ دينَ المسيح وسيَّسَ دينَ محمّد؟
أحاول البحث بكل حرّية، وبعيدا عن التشنج والعُقد، عن الصندوق الأسود بين حُطام العالم الإسلامي، علّني أعثر على سرّ هذا السقوط الحضاري المتوالي. وفي تناولي لأخبار هذا العالم الإسلامي الذي غدا "الرجل المريض’ لعالم اليوم، لن أكتفي بقراءة القرآن كما يفعل بعض خبراء العالم الإسلامي، ولن أنتخب أحاديث تدعو إلى السلم ولا آيات تدعو إلى التسامح، بل سأفسح لضحايا تلك العلّة الكبيرة التي أصابت العقل في بلدان الإسلام مجالا للتعبير عن آرائهم وأفكارهم. وسأناقش أفكار المسؤولين ومواقفهم على الصعيدين السياسي و الثقافي إزاء علاج ذلك المرض العُضال الذي أسميتُه: "الإدمان الديني".
كتبت من دون حذلقة، وأطلقت العنان لقلمي، فجال كما شاء دون رقيب ولا حسيب، وراح يحفر في قول هذا وذاك مدحا أو قدحا، ويبحث عن سرّ استماتة الأقلّية وانبطاح الأغلبية أمام رياح الإعصار الديني. ولقد سعيت إلى استحضار مثل شعبي هنا وتأمل محتوى مقال أو كتاب هناك، منتقلا من الذاتي إلى العام، ومن المكتوب إلى الملموس ومن الروحانية إلى الرجم!
لقد أردت أن أشارك في هذا الصراع المصيري الشامل الدائر بين أطراف الجسم الإسلامي المتشظيّة. فحاولت أن أتابع المواجهة التاريخية بين الثابت والمتحوّل، وأن استنطق اللامعقول، وأحاجج الذين يريدون أسلمة الوجود، لعلّني أُسهم في اكتناه المأزق الذي وقع فيه مسلمو اليوم.


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe