الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم الرصافي- أخيراً


رياض الحبيّب



تناولت في الحلقة السابقة المثال الأوّل الذي ساق الرصافي على ما ليس من البلاغة في القرآن من جهة اللامعقول في عدل الله. وهنا المثال الثاني ممّا ساق الرصافي من جهة اللامعقول في مشيئة الله بقول مؤلّف القرآن: (ولو شاء لجعله ساكناً) أي: ولو شاء الله لجعل الظلّ ساكناً. وهنا نصّ كلام الرصافي في الصفحة 618 من كتابه الموسوم- الشخصية المُحمّديّة:
{وفي سورة الفرقان: 45 قوله (ألم ترَ إلى ربّك كيف مدّ الظلّ ولو شاء لجعله ساكناً) - إنّ المعنى في قوله (ولو شاء لجعله ساكناً) لا يتمشى مع المعقول، وبيان ذلك أنّ الشواخص الماثلة في سطح الأرض تحجب الشمس عمّا دونها من الأمكنة فيكون فيها الظل، فالظل إذن هو عدم نور الشمس لكونه محجوباً بالشخوص الماثلة. وهذا الظل يختلف امتداده باختلاف ارتفاع الشمس في الأفق، فعند الطلوع تأتي أشعة الشمس أفقية وحينئذ يحجبها كل شاخص في سطح الأرض ويكون الظلّ مديداً، وكلما ارتفعت الشمس تقلّص الظل على قدر ارتفاعها حتى إذا كانت الشمس في سمت الرأس كان الظل من كل شاخص قالصاً إلّا قليلاً. فهذا هو امتداد الظل وهذا هو قلوصه وانقباضه بارتفاع الشمس. ومعلوم أن طلوع الشمس وارتفاعها في الأفق ناشئ من حركة الأرض ودورانها على محورها، فليس من المعقول جعل الظل ساكناً غير متقلص ولا منقبض إلا إذا وقفت الأرض عن حركتها المحورية والدَّورية، وذلك مُحال لأنه مخالف لنواميس الطبيعة التي هي سنّة الله و(لنْ تجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبْديلًا) – الأحزاب: 62 والفتح: 23 وعلماء الكلام مُجْمِعون على أنّ قدرة الله لا تتعلق بالمُحال، على أن وقوف الأرض عن حركتها المحورية والدورية لا معنى له سوى زوالها وفنائها، وإذا فنيت الأرض لم يبق ظلّ ساكن ولا متحرك، فماذا يُراد إذن بقوله (ولو شاء لجعله ساكناً)؟!} انتهى

وتعليقاً على سعة اطّلاع الرصافي في مجالـَي الفيزياء والفلك؛ إنها ليست المرّة الوحيدة التي تحدّث فيها الرصافي عن ظواهر فيزياوية، إنما له كلام جميل وتصوّر رائع في موضوع “خلق السماوات والأرض” في الصفحة 650 من كتابه وكيف {كان محمد يعتبر الأرض مركزاً للعالم، جرياً على النظرية القديمة التي كانت شائعة في زمانه} ما يستطيع القرّاء الكرام بسهولة متابعة كلام الرصافي في الصفحة التي ذكرت. وللجواب على تساؤل الرصافي المشروع {فماذا يُراد إذن بقوله (ولو شاء لجعله ساكناً)} ذهبتُ أوّلاً إلى تفسير الطبري:
قوله (ولو شاء لجعله ساكناً) يقول: ولو شاء لجعله دائماً لا يزول، ممدوداً لا تُذهِبهُ الشَّمْس، وَلَا تُنْقِصهُ؛
20035 - عن ابن عباس- قوله (ولو شاء لجعله ساكناً) يقول: دائماً.
تعليقي: كيف يجعل الظلّ دائماً بعد اختفاء الضوء وهوالمُسبّب الوحيد للظلّ؟

20036 - عن مجاهد- قوله (ولو شاء لجعله ساكناً) قال: لا تصيبُهُ الشمس ولا يزول
تعليقي: إنْ كان القصد بقوله (لا تصيبه الشمس) لا تصِلُه أو لا تُدركه فالظلّ ليس مادّة ليقصدها ضوء الشمس، إنما يستحيل نشوء الظل أصلاً بدون توفـّر ضوء. أمّا قوله (لا يزول) أي يستمرّ فيستحيل أيضاً استمرار الظلّ أو دوامه بدون وجود ضوء.

ومن تفسير القرطبي:
{ولو شاءَ لجَعَلهُ سَاكِناً: أي دائماً مستقِرّاً لا تنسَخهُ الشمس. ابن عباس: يريد إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع} انتهى
تعليقي: يا ليت شِعْري كيف يجعل الظلّ (دائماً مستقِرّاً لا تنسَخهُ الشمس- إلى يوم القيامة) في ليل مُعتِم لا ضوء فيه؟ ولماذا خلق الله الشمس وفي ذهنه أنْ يمنعها الطلوع؟

ومن تفسير الجلالين:
{"ولو شاء" ربّك "لجعله ساكناً" مُقيماً لا يزول بطلوع الشمس} انتهى
تعليقي: من البديهي أنْ ينشأ الظلّ بعد طلوع الشمس ولكنّه يتلاشى تدريجيّاً في خلال وقت انتقالها إلى الجهة الأخرى من الأرض فكيف يجعل الله الظلّ مقيماً و{علماء الكلام مُجْمِعون على أنّ قدرة الله لا تتعلق بالمُحال} كما تقدّم في تحليل الرصافي لمقطع الآية القرآنية المذكورة؟ ولو ورد المقطع المذكور في كتاب غير القرآن لاتّهِم مؤلّفه بالهذيان أو الغباء. أمّا لو كان المعنى في صورة شعريّة أو حبكة ما لمَا اعترض أحد على قبولها ولربما اٌستـُحسِنتْ. ولا تزال العبارة (دام ظلّه أو ظلّك) من عبارات الترحيب والتعظيم ولكنّها في المجاز وليست في الحقيقة. وفي النهاية وفي سياق التعظيم أيضاً قلت: لا ظلّ دائم سوء ظلّ الله عز وجلّ أي ظلّ الحقيقة أو المحبّة أو السلام أو العدل...إلخ وأمّا كلّ ظلّ سواه فذاهبٌ في النهاية وزائل. وفي الإمكان متابعة موضوع منطقتـَي الظلّ Shadow بالإنگليزيّة وشبه الظلّ عبر ويكيبيديا- الموسوعة الحرّة:
http://en.wikipedia.org/wiki/Shadow

أمّا بعْدُ فالسكون في اللغة ضدّ الحركة.
ولشرْح معنى “سكن” في مُعجم “لسان العرب” لابن منظور (الذي اتخذ من القرآن والأحاديث والشّعْر مراجع) أورد المقتطفات التالية:
{سَكَن الشيءُ يَسْكُنُ سُكوناً إذا ذهبت حركته، وأَسْكَنه هو وسَكَّنه غيره تسْكيناً. وكلّ ما هَدَأ فقد سَكَن كالريح والحَرّ والبرد ونحو ذلك.
وسَكَن بالمكان يَسْكُنُ سُكْنَى وسُكُوناً: أَقام؛ قال كثيِّر عزة:
وإن كان لا سُعْدَى أطالتْ سُكُونـَهُ *** ولا أَهْلُ سُعْدَى آخِرَ الدّهْرِ نازِلُهْ [بحر الطويل]
وفي حديث زيد بن ثابت: كنت إلى جنب رسول الله (ص) فغـَشِيَتْهُ السّكِينة؛ يريد ما كان يَعْرِضُ له من السكون والغـَيْبة عند نزول الوحي} انتهى-
فلم أجد “ساكناً” في هذا المعجم- وغيره- لتعني “دائماً” كما تفضّل أهل التأويل ولم أجد “سكن” بمعنى “دامَ” ولو افترضنا أنّ المقصود بقوله (ولو شاء لجعله ساكناً) في الآية القرآنية يعني “دائماً” فأوّلاً: لم يكن صعباً على مؤلّف القرآن القول به بدلاً من قوله (ساكناً) وثانياً: لا يوجد ظلّ دائمي بدون ديمومة الضوء- كما تقدّم.

أمّا من جهة العلم؛ قد أثبتت الفيزياء الحديثة أنْ لا وجود لسكون مطلق إنما نسبيّ؛ لأنّ جميع الأجسام والجُسيمات في الكون في حالة حركة نسبيّة. حتى ذرّات المواد التي في حالة الجماد كالجليد والحجر والخشب والزجاج والملح... إلخ تتحرّك الذرّات فيها (ودقائق الذرّات) حركات اهتزازية بقدر ما فيها من طاقة. وأمّا حالات السكون التي يدرسها التلاميذ في علم الفيزياء (المُتقدّم) فهي افتراضيّة الهدف منها تبسيط الدراسة.

--------------

أخيراً- لقد ساق الرصافي أربعة وعشرين مثالاً- لا حصراً- على ما ليس من البلاغة في القرآن من جهة الإصطدام مع الله والعقل والمعقول ومن جهة الغلط اللغوي في أماكن عدّة ومتفرّقة في القرآن من جهة مؤلّف القرءان نفسه، كذلك في موضوع “المُحْكم والمتشابه في القرآن” الذي حدّد الرصافي ثلاثة مَباحث لافتة للخوض فيه وشيّقة.

--------------

وفي نهاية هذه الحلقة- وهي الأخيرة- أجدّد الشكر لأصحاب المنبر الحُرّ في موقع الحوار المتمدن وفائق التقدير.
وأجدّدهما لجميع القرّاء الكرام الذين تفضلوا- وتفضّلن- بالتعليق على حلقات هذه السلسلة والتصويت.

أمّا السيدات والسادة ممّن ساءهم الموضوع فأتمنى عليهم إعادة النظر فيما يقدّسون لعلّهم يعرفون الإله الحقيقي والذي قام مؤلّف القرآن بمحاولات عدّة (في القرآن والحديث) بتشويه صورته وتغيير شرائعه والإفتراء عليها وباختلاق أكاذيب وتصديقها ليردّ عليها وإجبار الآخرين على القبول بها؛ في خطّة استمرّ التخطيط لها مدّة طويلة قبلما حان موعد تنفيذها وهو في سنّ الأربعين- راجع لطفاً كتاب الشخصية المحمدية، باب الخلوة في حراء وبدء الوحي- ص 138 - ثمّ فترة الوحي وصُوَر الوحي.

وتالياً لا أظنّ عاقلاً- بعد تقصّي الحقائق في هذا البحث خصوصاً وفي كتاب “الشخصيّة المحمّديّة” عموماً- يصدّق بقول محمّد على أنّه ”قوله تعالى” فحاشا الله (والإنسان السّويّ) أن ينزل إلى مستوى ما في القرآن من زنا وكراهية وحقد وغضب وقتل متعمَّد (أيّاً كانت المبرّرات) واضطهاد لحقوق الإنسان الآخر (أي المختلف) ولحقوق المرأة المُسْلمَة وغير المُسْلِمَة. أمّا الذي يريد (والتي تريد) أن يعرف الله وعلم الله المعرفة الحقيقية والصادقة فعليه-ا بدراسة الإنجيل. وسيعلم الذين يبحثون عن الحقيقة (واللائي يبحثن) بأنّ القرآن كتاب من تأليف مؤلّفه فحسْبُ ما ليس من عند الله ولا موحىً به من الله.

وها انّي خاطبت القرّاء بصيغتـَي المذكّر والمؤنث ما يدلّ على عجز اللغة العربيّة من مخاطبة الجنسَين بصيغة واحدة مُفرَدَة- كما في اللغات اليونانيّة واللاتينيّة- في إشارة إلى أنّ من غير المعقول أن يختار الله لغة عاجزة ومُقصِّرة كالعربيّة ليوصل بها رسالته إلى العالم. وللإطّلاع على اللغة اليونانية:
http://en.wikipedia.org/wiki/Greek_language

وكذلك اللاتينية:
http://en.wikipedia.org/wiki/Latin


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe