الأحد، 6 ديسمبر 2009

عندما انتقد المسيري مفهوم الاختلاف عند دريدا

بقلم مازن كم الماز

في نقده لمفهوم الاختلاف عند دريدا ( و من يسميهم عبد الوهاب المسيري بالماديين السائلين عموما ) يرفض المسيري ما يرافق هذا التفكيك من تدمير للغائية و للمركز و بالتالي محاولة وضع نهاية للميتافيزيقيا بكل أشكالها . من المؤكد أن دريدا قد لاحق القداسة و المطلق بإصرار و حرص على استئصالهما من الفكر و الوعي ، لكن يجب التأكيد أن هذا المفهوم من الآخر هو وحده الذي يعترف له أولا بحق الوجود و يقبل ثانيا باقتسام هذا الوجود معه ، هنا يصل الحق في الاختلاف إلى درجة الوجود الحقيقي ، لم تعد العلاقة مع الآخر علاقة مركز بمحيطه ، بل يتم إلغاء أي مركز يحتكر المرجعية في مواجهة أي آخر . نسبية الحقيقة هذه تختلف تماما عن النسبية التي دعت إليها البراغماتية كجزء أصيل من الفكر الحداثي الأنغلو – ساكسوني ، فالموقف البراغماتي ( أو النفعي ) من الحقيقة ليس إلا تأكيدا على المنفعة كطريقة أساسية ، أو وحيدة ، للوصول إلى الحقيقة ، و نسبية الحقيقة هنا ، في مواجهة مفهوم الحقيقة المطلقة ، ينبع من نسبية المنفعة ذاتها ، أي من نسبية الطريق الموصل إلى الحقيقة ، لكن في إطار معطى معين فإن الحقيقة البراغماتية هي حقيقة مطلقة لا تقبل الآخر . و لما كانت البراغماتية ، كمعظم الفكر الغربي ، تقصد الإنسان البرجوازي عندما تتحدث عن الإنسان عامة تصبح المنفعة المقصودة هي مصلحة الإنسان البرجوازي في نهاية المطاف ( الغربي بالدرجة الأولى لكن البرجوازي الشرقي أيضا بدرجة من الدرجات ) . هكذا مثلا يفترض منظرو العولمة الرأسمالية أن هذه العولمة هي علاقة ذات اتجاه واحد :
انه على المجتمعات قبل الرأسمالية أو اللا رأسمالية ، أو باختصار على الآخر ، أن تتبنى قيم و مفاهيم الرأسمالية الغربية ، هكذا يصبح الحديث عن أسلمة أوروبا أو حتى عن مجرد بناء المآذن فيها أساسا "منطقيا" و "شرعيا" للإسلاموفوبيا ، لرفض الآخر وصولا إلى رهاب التعايش معه . كعادة النظام البرجوازي يتحول الحديث عن التنافس إلى تكريس لواقع احتكاري ، هنا على الجانب القيمي و العقيدي . ما فعله المسيري كان بالضبط ما فعله منظرو العولمة الرأسمالية ، فهم معا يرفضون الوجود المتساوي مع الآخر و يصرون على أحادية الحقيقة و المرجعية ، في كل حالة لصالح "حقيقتهم" هم ، مركزهم هم ، بينما يصر دريدا على المضي بفكرة الاختلاف إلى نتيجتها المنطقية : غياب مركز واحد و تحويل المنظومات الهرمية إلى أفقية و الإصرار على نسبية "مطلقة" للحقيقة.

مصادر :
- محمد شوقي الزين ، تأويلات و تفكيكات ، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2002 ، عن دريدا و مفهوم الاختلاف و التفكيك عنده : ص 153 حتى 208
- الحداثة و ما بعد الحداثة ، من سلسلة حوارات لقرن جديد ، د . عبد الوهاب المسيري و د . فتحي التريكي ، دار الفكر ، الطبعة الأولى 2003

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe