الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

نشأة الأصولية الإسلامية المعاصرة.. العوامل والمقدمات

نشأة الأصولية الإسلامية المعاصرة.. العوامل والمقدمات


نجيب الخنيزي

 

 

 

غياب الرواد الأوائل من المصلحين والمجددين للخطاب الديني ضمن المشروع العربي النهضوي سبقه، تزامن معه، وأعقبه تفكك الامبراطورية العثمانية وتعمق الهيمنة والنفوذ الإستعماري ( بريطانيا ، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا ) على جل المنطقة العربية باستثناء بعض مناطق الجزيرة العربية (السعودية واليمن الشمالي). لقد اطاحت اتفاقية سايكس - بيكو ( 1916 ) بين بريطانيا وفرنسا بحلم مشروع قيام الدولة العربية الكبرى تحت قيادة الشريف حسين، ومن ثم الغاء الخلافة في اسطنبول، وقيام دولة علمانية في تركيا 1924 على يد كمال أتاتورك.
هذه المعطيات التاريخية ، والأزمات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، و الثقافية التي رافقتها، ولدت اتجاهات متضاربة وحادة في التعامل مع إفرازاتها ونتائجها ما بين دعاة الليبرالية والإندغام في الحضارة الغربية والأخذ بمستلزماتها من جهة، وما بين دعاة المحافظة على الهوية الدينية الجمعية وصيانة الذات المهددة من قبل (الغرب) الأخر من جهة أخرى. ونشير هنا إلى انعكاسات ذلك في الانقلاب الذي طرأ على موقف صاحب مجلة المنار الشيخ محمد رشيد رضا ( 1865- 1935 ) والذي يعد ابرز تلامذة ومريدي الشيخ محمد عبده . لقد تخلى الشيخ ومجلته ذات التأثير الواسع بين مشايخ الأزهر، عن نهجها الإصلاحي وتكفي المقارنة بين ما كتبه الشيخ رضا في المنار في 22 مارس/آذار 1909 تحت عنوان الحرية واستقلال الفكر ، حيث يقول ما يلي إذا كانت أفكار العقلاء والأذكياء مضغوطة ممنوعة من الحركة والنمو فإنها لن تكون مستقلة، والأمة لا تخطو خطوة واحدة إلى الأمام إلا إذا أطلقنا العنان لجياد الأفكار تجول في ميادين الكتابة والخطابة بلا حجر ولا ضغط، لا فرق في ذلك بين المسائل الدينية والاجتماعية والسياسية، لا يخاف على دينه من حرية البحث إلا من لا ثقة به بدينه.. وان الفلاح متوقف على ظهور الحقائق وظهورها يتوقف على استقلال الأفكار وحرية البحث والكتابة والخطابة .
غير إن المنار وصاحبها الذي كان يتسم بثقافته التقليدية المنغلقة، ذات الجذور السلفية القوية، على خلاف رواد الإصلاح والتجديد الديني اختط منذ مطلع العقد الثاني من القرن العشرين نهجا (مغايرا لنهج أستاذه الإمام محمد عبده) اتسم بالهجوم الشرس والعنيف على من سماهم دعاة التقليد الإفرنجية.. المارقين الذين اعتبرهم أنهم اضر من جيش دعاة النصرانية الخارجي أما هدفهم فهو هدم الدين وتغيير أصول الشريعة عبر الدعوة إلى توحيد القضاء وإدخال القوانين المدنية وفصل الدين عن الدولة وفرض تهتك النساء باسم تحرير المرأة .
كما خص بالهجوم القاسي الذي وصل إلى حد التشكيك بإسلام الشيخ علي عبدالرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم الصادر في العام 1925 وطه حسين مؤلف كتاب في الشعر الجاهلي الصادر في العام 1926 وتبنى موقف الأزهر المناهض لهما، إلى درجة إلغاء العالمية عن الشيخ الأزهري، وفصل طه حسين من التدريس في الجامعة، ومنع ومصادرة كتابيهما. وضمن هذا السياق (الارتكاس) العنيف المناهض للإصلاح الديني تشكلت حركة الإخوان المسلمين في عام 1928 على يد حسن البنا ( 1906-1949 )
التي لم تعترف بل ناهضت من البداية النزعات العقلانية في الفلسفة العربية- الإسلامية، وفكر التنوير الأوروبي ولم تر في الحضارة الغربية سوى جانبها المظلم المتمثل بالاستعمار والتسلط الأجنبي. كما ركزت الجماعة على الابتعاد عن المظاهر الغربية ومخالفتها في كل شيء، وإعادة إحياء المظاهر والجانب الشكلي للإسلام وشمل ذلك وفقا للبنا التحية واللغة والتاريخ والزي والأثاث ومواعيد العمل والراحة والطعام والشراب والقدوم والانصراف والحزن والسرور ومطالبا بتصفية الحزبية في مصر والعمل على تجميع قوى الشعب المصري في حزب واحد وبالطبع سيكون حزب الإخوان المسلمين . حركة الإخوان المسلمين حظيت منذ تشكيلها بحرية واسعة في العمل والنشاط نتيجة مهادنتها التكتيكية للقصر وللملك فؤاد، الذي استفاد منهم واستخدمهم في معركته مع المعارضة المدنية والليبرالية، وخصوصا حزب الوفد، واليسار المصري مما مكنها من النفاذ إلى مجاميع شعبية واسعة، وخصوصا في مناطق الصعيد و بين المنحدرين من الريف في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، ثم توسع نفوذها ليشمل جزءاً مهماً من الفئات المتوسطة جمعهم الإحباط والنقمة.
اثر اغتيال حسن البنا استطاع سيد قطب (1906-1966) إن يعمق ويفرض مزيدا من الانغلاق والعزلة والتشدد لحركة الإخوان المسلمين، رغم كونه شخصية متعلمة ومثقفة ومطلعاً بشكل جيد على الثقافة الغربية. وفي الواقع لعبت كتابات سيد قطب وخصوصا كتابه معالم في الطريق دورا تأسيسيا في بلورة الفكر الجهادي، ومن عباءة الإخوان تناسلت فروعها بما في ذلك حركات الأصولية المعاصرة والتطرف الديني في البلدان العربية/الإسلامية، حيث امتزجت وتداخلت مع الفكر السلفي وخصوصا المتزمت منه.
كتب سيد قطب إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة وليست شيئا آخر على الإطلاق، إما كفر وإما إيمان، إما جاهلية وإما اسلام.. وان هناك دارا واحدة هي (دار الإسلام) التي تقوم فيها الدولة المسلمة، وما عداها فهو دار حرب.. وان هناك حزباً واحدا لا يتعدد هو (حزب الله) وأحزابا أخرى كلها للشيطان والطاغوت . السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا استطاعت حركة الإخوان المسلمين ومختلف جماعات الإسلام السياسي الحركي، التي خرجت من عباءتها، والتي هي امتداد لفكرها ونهجها، وكذلك التيارات الإسلامية ) المعتدلة والمتشددة) الأخرى على اختلاف مشاربها المذهبية والحركية، من تصدر حركات الشارع والاحتجاج الشعبي، ونجحت إلى حد بعيد عبر نشاطها التعبوي الجماهيري وطرحها الأيديولوجي في طرح نفسها البديل الحتمي أو الوهمي للواقع العربي/ الإسلامي المأزوم من خلال رفع شعارات براقة وبسيطة مثل الإسلام هو الحل و الحاكمية لله و أسلمة الدولة والمجتمع ؟

 

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe