الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

"الوجود والزمان" بين الإيديولوجيا والنظرية

بقلم محمد المزوغي


"بما أننا خَلَفٌ لا نستطيع أن نعرف كيف كنّا سنتصرّف في ظروف الدكتاتورية السياسية، من الواجب علينا التريّث في إصدار الأحكام الأخلاقية بخصوص التزامات هايدغر السياسية(1)". بهذه العبارات يُباشر هابرماز مسألة انضمام هايدغر للنازية. كارل ياسبرس مثلا، كتب، تحت طلبٍ من "لجنة التطهير السياسيّ" بجامعة فرايبورغ، قائلا إنّ " تفكير هايدغر هو تفكير غير حرّ، دكتاتوريّ ولا تواصليّ(2)". إلاّ أنّ هذا الحكم، وهابرماز محقّ في ذلك، يمكن بشيء من التحفّظ أن ينطبق أيضا على ياسبرس ذاته. أمّا القول بأن المضمون الحقيقيّ لفلسفة ما يعكس ذهنية الفيلسوف وحياته، فهذا من شأنه أن يُهمل فكرة الاستقلال الذاتيّ للنظرية، إضافة إلى نسيانه تاريخ تأثيراتها اللاحقة. هذه هي حالة هايدغر لأنّ أعماله، حسب هابرماز، قد انفصلت منذ زمان عن شخصيته، وهو أمر معاين من خلال تأثيره في الفلسفة المعاصرة(3).
فعلا، أعمال هايدغر، وعلى رأسها "الوجود والزمان"، لها مكانة رفيعة في الفكر الفلسفيّ للقرن الحالي، بحيث أنّه من الخطأ افتراض أنّ محتوى ذاك الكتاب يمكن أن يَفقد إشعاعه من خلال تقييم التزامه الفاشستي.
مع الوجود والزمان، فرض هايدغر نفسه على الساحة الثقافية كفيلسوف ذي مكانة عالية، وإلى يومنا هذا فإنّه يُمثّل نقطة انعطاف كبرى في الفلسفة الألمانية منذ عصر هيجل. ولقد اعتبره كذلك البعض من زملائه، حتى أولئك البعيدون عن توجّهه الفكريّ، مثل غيورغ ميش (Georg Misch)، الذين صُدموا بذاك النفس الطويل وقوّة التفكير لذاك الفيلسوف الذي اقتدر على شقّ طريق جديد في التفلسف. والدليل على ذلك، أنّ نهجه في نقد الميتافيزيقا ومعارضته فكرة التعالي، أثّرا تأثيرا حاسما ومستمرّا في الجامعات الألمانية وامتدّ حتى الستينات من القرن الماضي.
لكن الأهمّ من هذا هو التأثير الذي أحدثه فكر هايدغر في العديد من المفكرين المستقلّين، الذين استمدّوا من فكره بعض العناصر وفعّلوها في إنتاجاتهم الفلسفية. وبهذه الصيغة، فإن هايدغر الشابّ، في مرحلة أولى أثّر في الأنثربولوجيا الفنومينولوجية لسارتر ومرلوبنتي، نفس الشيء حدث في ألمانيا مثلا مع التأويلية الفلسفية لغادامير (Gadamer).
ولا يُخفي هابرماز تأثّره هو نفسه وجيله من أمثال كارل أوتو آبل (K. Otto Apel)، ميشائيل ثيونيتس (M. Theonitz)، وإرنست ثوغندات (E. Thugendhat) بفكر هايدغر وبأطروحاته: "الدراسة العميقة لمؤلّفات هايدغر الأولى، تركت آثارها في كتاباتي أنا أيضا وصولا إلى كتاب " المعرفة والمصلحة" (1968) (4)".
أمّا نقد هايدغر للعقل، فقد وقع استقباله بحماسة فائقة في فرنسا وأمريكا وأصبح مكوّنا أساسيا في فلسفة دريدا (Derrida) وريتشارد رورتي (R. Rorty)، وهوبرت درايفوس (H. Dreyfus).
هذا الأمر معروف وداخل في تاريخ الفلسفة الحديثة، إلاّ أنّ الإشكالية الأكثر إثارة للجدل هي التالية: هابرماز يعترف بأنّ "التصرّف السياسيّ المخلّ، لمُفكّر ما، يُمكن أن ينعكس سلبيا على إنتاجاته الفكرية(5)ٌ". وإذا ما طبّقنا هذه القاعدة على فكر هايدغر فإنّ كلّ أعماله ستفقد، في نهاية المطاف، من حصانتها ونزاهتها النظرية. لكنّ هابرماز لا يصل إلى هذا الحدّ، بل إنّه يَستثني أعمال الشباب وبالأخصّ منها، وهذا هو الذي يهمّنا الآن، نصّا واحدا ألا وهو الوجود والزمان.
فعلا، حسب رأيه، "فكر الوجود والزمان، له مكانة عالية في الفكر الفلسفي لقرننا الحالي بحيث أنه من الإجحاف افتراض، بعد مرور أكثر من خمسين سنة، أنّ جوهر ذاك العمل يمكن أن يفقد من قيمته جراء تقييمات سياسية بشأن التزام هايدغر بالفاشية(6)".
بهذه العملية الوقائية الأولية فإنّ هابرماز أخرج الوجود والزمان من أيّ همّ سياسيّ إيديولوجيّ، وحوّل وجهة نظره إلى قضايا تمسّ تصرفات هايدغر المتأخّرة وبالأخصّ منها مواقفه غير المشرّفة للفلسفة وانجذابه نحو الدكتاتورية النازية، ثمّ طريقته الفجّة في نكران الحقائق وتزويرها.
ومن جهة أخرى، يؤكد هابرماز أنّ هناك أهمية كبرى في إثارة الماضي السياسيّ لهايدغر، وذلك لسببين: أوّلهما هو الموقف الذي اتخذه، بعد الحرب، من الأحداث الماضية، وهو مثال لذاك التوجّه الذي حكم تاريخ ألمانيا الفدرالية، (النص كتبه هابرماز سنة 1989، أي قبيل توحيد ألمانيا)، والذي نجده الآن في محاولات بعض المؤرخين الجدد لإعادة كتابة تاريخ الرايخ الثالث (صراع المؤرخين «Historikerstreit»). وهو توجّه على كلّ حال، كان قد بدأه هايدغر عندما عمل على نكران الأحداث أو التقليل من شأنها أو حتى تزييفها.
ثانيهما: وهو أنّ هناك حاجة ماسّة الآن في ألمانيا إلى مقاربة نقدية لكلّ ذاك التراث الذي أدّى إلى العماء أمام بشاعة النظام النازيّ. وهذا ينطبق أساسا على فلسفة هايدغر التي استخدمت حتى الوسائل التعبيرية الخطابية المستعملة في إيديولوجيا عصرها. والأسئلة التي من المشروع طرحها على آثار الستالينية في عمل المثقفين يجب طرحها بإلحاح وبأكثر حزما على الفاشية.
ولا يُخفي هابرماز مخاطر عودة اللاعقل إلى حقل الفلسفة الألمانية التي أعيد استيرادها من فرنسا، كما أعرب عن ذلك مانفريد فرانك (M. Frank) حينما قال بأن " النظريات الفرنسية الجديدة تُتقبّل من طرف كثير من طلبتنا [الألمان] كما لو أنها رسالة خلاص «wie eine Heilsbotschaft aufgenommen» […] يبدو لي أنّ الشباب الألمان يعودون إلى النّهل بِنَهَمٍ، تحت تعلّة الانفتاح الفرنسي ـ العالميّ، من تراثهم اللاّعقلي، الذي انقطع التواصل معه بعد الرايخ الثالث(7)".
وفي عرضه لعناصر الفكر الصالحة عند هايدغر، يركّز هابرماز، كما فعل ذلك في كتابه الخطاب الفلسفي للحداثة، على العملية الاستكشافية الرائدة في الوجود والزمان، التي تتمثّل أساسا في تلك الخطوة الحازمة لتجاوز المقاربة الذاتوية للفلسفة. ورغم أنّه يمكننا تفسير ذاك التجاوز بالرجوع إلى الأزمة الداخلية التي نشأت فيها، إلاّ أنّ عمليته تلك، يقول هابرماز، لا يمكن الاستنقاص من أهمّيتها أو حتى استنفادها في ذاك السياق.
وكأنّي بهابرماز، حينما وضع الوجود والزمان، في مجال النظرية البحتة، قد قلّل من شأن أيّ عنصر إيديولوجي يمكن أن يذهب ضدّ قناعته تلك. لكنه، في بعض مواضع نصّه هذا، يعترف بتأثيرات خارجية محدودة؛ فعلا حتى في هذا العمل المركزي، نلاحظ انعكاس روح الزمن الذي كان يعمل تأثيره فيه. مثلا في نقده للثقافة البورجوازية، ومجتمع الكتلة المتمركز أساسا في نموذج الإنسان العادي، نكرة (الـ"هم")؛ إنّ التذمّر النُّخبويّ الاستعلائيّ هذا يربط هايدغر بتراث كامل من المثقفين الألمان النخبويّين في العشرينات. هذا علاوة على المعاني المتفرّدة التي يُضفيها على مفاهيم مثل القدر (Schicksal) والمصير (Geschick)؛ أضف إلى ذلك دأبه على تلك العدمية البطولية الرائجة في الأوساط اليمينية المتشبعة بإيديولوجيا الحرب (Kriegsideologie). كلّ هذه العناصر الإيديولوجية مجتمعة، تُلحِق هايدغر برموز الثورة المحافظة، من أمثال: اشبنغلر ويونغر وكارل شميت.
ماذا تبقّى إذن من النظرية البحت إن كانت هذه العناصر ذات الصبغة المحافظة ثاوية منذ البداية في فكر الوجود والزمان؟ لكي يجيب عن هذا الاعتراض يستشهد هابرماز بِنتائج بحوث أتّو بوغلر (Pöggler) التي خلصت إلى "أن هجوم هذه العناصر الإيديولوجية في وعي هايدغر كفيلسوف، بل حتى في أفكاره الفلسفية الأساسية، (تعود) تاريخيا، وبحقّ، فقط إلى سنة 1929، في وقت تفاقمت فيه الأزمة الاقتصادية (Weltwirtschaftkrise)، وبالأخصّ عند انهيار حكومة فايمار (überhaupt des Niedergangs der Weimar Republik) (8)".
لقد وضع هابرماز لنفسه، مرّة أخرى، خطوطا حمراء، وتفادى الذهاب بأطروحته إلى مداها الأقصى: وإذا أردنا أن نستعمل مصطلحات أرسطيّة نقول إنه حسب هابرماز الوجود والزمان ليس فيه بالقوّة أيّ همّ سياسي إيديولوجي لكنه بالفعل (استكماله) له استتباعات إيديولوجية سياسية خطيرة. هناك وجود بالفعل خرج من وجود ليس هو بالقوّة، إنه وجود مكتمل دون أن يسبقه شيء ما؛ أي بعبارة أخرى نوعا من الخلق من عدم (creatio ex nihilo). هذا خلف واضح، وكما سأبيّن لاحقا، يبدو أن فكرة هابرماز لا تعكس تماما الحالة التي هي عليها النص الهايدغاري، فضلا عن أن فيها نوعا من التغاضي على بعض المضامين التي تذهب ضدّ أطروحته.
يستشهد هابرماز بقولة لـغيتمان (Gethmann) يقول فيها إنّ "فلسفة الوجود والزمان لم تكن فعلا بمقدورها أن توفّر الاستعداد الكافي، لا لهايدغر ولا لمجموعة من زملائه وطلبته القريبين منه، امتلاك طاقة نقديّة ضدّ الفاشية(9)". ثم قولة أخرى لـفرانتزن (Franzen) الذي ذهب إلى أنّ "كثيرا ممّا قاله وكتبه هايدغر في سنة 1933/34، حتى وإن لم يكن بالضرورة كامنا في الوجود والزمان، يمكن على الأقلّ أن ينبع منه عفويّا". ذلك لأن الوجود والزمان، كما ذهب إلى ذلك فرانتزن، وأدرنو بتنظيره للتكوين الأساسي المستقرّ للدازاين، سدّ الطريق، منذ البداية، أمام المرور من التاريخانية إلى التاريخ الواقعي؛ ثمّ إن هايدغر، نظرا للمكانة الثانوية التي أضفاها على الوجود ـ معا، قد فشل في تأسيس حقل الاجتماع والتنظير للتواصل بين الذوات؛ أخيرا، بتأويله الحقيقة ككشف، تناسى هايدغر لحظة اللامشروطيّة في صلوحية الحقيقة المتعالية عن المعايير المحلية.
أطروحة هابرماز الأساسية والتي كما رأينا أعلاه، تصبّ في نفس تحليلات بوغلر ومفادها أنه "فقط منذ سنة 1929، بدأ يحدث تغيّر عند هايدغر من النظرية إلى الإيديولوجيا. منذ تلك الفترة فصاعدا أخذت تتسرّب، في قلب فلسفته ذاتها، عناصر من تحليل لعصره مشوَّش ذي منحى محافظ جديد (jungkonservativen) (10)".
لا أريد أن أتابع تحاليل هابرماز للعناصر المحافظة من خطابات هايدغر بعد سنة 1929، التي هي معروفة عند كلّ من اطّلع على تاريخ فكر هايدغر، وقد تبحّر فيها العديد من الاختصاصيين. لكن السؤال الملحّ والحاسم هنا هو الآتي: هل أخذ فكر هايدغر فعلا منعرجا محافظا رجعيا فقد منذ سنة 1929؟ وهل يمكن اعتبار الوجود والزمان كتابا خاليا بالفعل من أي همّ إيديولوجي سياسي؟
ليس من السهل الإجابة عن هذه الأسئلة ولا يمكن استنفاد كلّ الإشكالات التي تطرحها، لكن من الأكيد أنه لو ثبتت الشكوك من أنّ فكر هايدغر كان يحمل فعلا ذاك التوجّه حتى في الوجود والزمان، لوجدنا أنفسنا حقا أمام كارثة في ميدان الفكر، لا يمكن تخيّل حجمها، ولإنعكست سلبيّاتها حتى على فلسفة هابرماز ومنها إلى جمع غفير من المفكرين العرب المتشبثين بمقولاته. الفيلسوف، ومؤرخ الفلسفة على وجه الخصوص، يَبغي الموضوعية العلمية ويطلب الحقيقة لذاتها، دون أن يُعير أية أهمية للأهواء والميولات الشخصية: ليس هناك مساومة أو تراخٍ في قول الحقيقة.
وعلى هذا الأساس فإن كثيرا من المؤرخين قدّموا اعتراضات صائبة وشكوكا متينة ضدّ أطروحة هابرماز (بوغلر) وطريقة توقيته للمنعرج الرجعي لفكر هايدغر. لقد بيّنوا أن ذاك المنحى الإيديولوجي كامن منذ البداية في فكره ولازمه طوال حياته، أمّا الوجود والزمان نفسه، فلا يتموقع تماما داخل إطار النظرية البحتة، بل هو مخترق في الصميم بعناصر سياسية ومواقف إيديولوجية رجعية.
هذا مثلا هو رأي لوسوردو (Losurdo) وكاتب هذه السطور يتفق معه في أنّ هذا النوع من القراءة، الذي سمح لهابرماز بِمَوضَعَة الوجود والزمان على أرضية النظرية البحتة، غير مُقنع (non risulta persuasivo) (11). فعلا هناك خطر السقوط في اختزال المسألة إلى عامل اقتصاديّ بحت حينما تقام علاقة وطيدة بين الأزمة الاقتصادية والمنعرج المحافظ أو الرجعي لهايدغر. وللبرهنة على شكوكه تلك يورد لوسوردو مقطعا من درس لهايدغر ألقاه سنة 1929 ـ 1930، فيه نقد عنيف لطريقة حياة الرفاهة البعيد عن مجابهة المخاطر. وهذه أفكار ذات صلة وطيدة بإيديولوجيها الحرب التي وسمت كلّ التيارات الرجعية اليمينية؛ ليست أسباب اقتصادية بل قناعات إيديولوجية بحتة، نابعة من نظرة حربية للوجود هي المحرّكة لتفكيره. وهايدغر يلمّح إلى ذلك بصريح العبارة حينما يقول بأن حياة الرفاهة والسلم ما زالت متواصلة رغم "ذاك الحدث العظيم، كالحرب العالمية الأولى(12). وحتى الدروس اللاحقة لا تحيد عن هذا المسار، فهي تواصل في اتهامها العصر الحاضر بأنه أصمّ أمام "الصوت المرعب للحرب العالمية [الأولى]" والذي كشف أخيرا "موت الإله الأخلاقيّ"، أي الإله المسيحي الذي نادت به كلّ الأطراف المتحاربة. لكنّ موت المسيحية هذا يعني أساسا موت بدائلها: الديمقراطية، الدعوة للسلم، الاشتراكية والسعادة الدنيوية للجميع.
لوسوردو يقول بأنّ هذه القيم نابعة أصلا من إيديولوجيا الحرب وتصبّ في مصبّ التيار اليميني الرجعي: لأنّ ما تنزع إليه الحداثة، بالنسبة لهايدغر، هي أشياء سلبية، أعني إرادة حذف الخطر من الوجود، واتّقاء المغامرة وتجنّب الصراع ثمّ الرّكون إلى الأمان والسلم. وقد هيّأ الأرضية المناسبة لإرساء هذه "القيم"، الإنسان المسيحيّ المدفوع بـ"روح الثقة في الخلاص (Heilsicherkheit). ولذلك فإنه من الممكن تأويل ظواهر متفرّدة من العصر الحالي كـ"عَلمَنة" للمسيحية(13). وبالتالي فإنّ الكنيسة وتعاليمها، حسب هايدغر، هما جزء من ذاك العالم المُصاب بداء الأمان الذي أثبت خواءه وتهافته مع الحرب العالمية الأولى. إذن "مرّة أخرى، يَظهر بوضوح التواصل مع إيديولوجيا الحرب، وهذا أمر يدعو للدهشة لو أنها انتظرت سنة 1929 لكي تحدث تأثيرها في هايدغر(14).
إنه نقد رصين ثابت ومُدعّم بشواهد نصيّة دامغة؛ حقيقة شيء يُثلج الصدر ولكنه في نفس الوقت يترك شيئا من المرارة في نفس القارئ، وربما نوعا من الإحباط في نفس الهايدغيري الواعي بتلك المعضلات ولكنه ما زال متشبّثا بأطروحة أن الوجود والزمان متعالٍ تماما على أيّ همّ إيديولوجي سياسي ويسبح في بحر النظرية الخالصة.
قد يكون العنصر الإيديولوجي، في أيّ تنظير ما، أمرا لا مناص منه؛ وقد نسلّم بأن العوامل الخارجية والظروف الحياتية لها وقع على الإنتاج الفكري (رغم أنها ليست القاعدة ولا النهج الصحيح: لأنّ الموضوعية هي فضيلة العالم، والفيلسوف المتملّص من إيديولوجيته أفضل من ذاك الذي يتشبّث بقناعاته إلى درجة أنها تشرّط كلّ أعماله). لكن هناك تفاضل بين الإيديولوجيات وهناك أيضا هرمية تخضع لها القناعات الشخصية والقيم: هناك إيديولوجيا الغلبة والقهر والتسلّط والانغلاق والاستعلاء ورفض الآخر، إيديولوجيا تدعو للصراع والحرب ولمحق الأضعف، وهناك الإيديولوجيا النقيض منها، أعني إيديولوجيا الأخوّة والمساواة والتواصل والسلم والانفتاح وقبول الآخر؛ إيديولوجيا تنبذ القهر والاستغلال وتُدين العنف والحرب. ومن المؤسف أن تكون الإيديولوجيا الأولى هي المهيمنة في تفكير هايدغر، أقول من المؤسف، لأنّ كاتب هذه السطور لا يَكنّ مبدئيّا أية ضغينة لذاك الرجل، وهو لا يعرفه شخصيا إلاّ من خلال مؤلفاته وكتبه وسيرة حياته. لكن المصاعب الكبرى تبدأ حينما نزن بميزان العقل والقيم الإنسانية الشاملة، توجّهه الفكريّ ومضامينه الإيديولوجية والرسالة التي يمكن أن تؤدّيها الآن للمثقفين في كلّ أرجاء العالم.
وهابرماز يُلمّح عابرا إلى "الصفة المتفرّدة"، الناشزة، لمقولتي القدر (Schicksal) والمصير (Geschick)، لكن، في حقيقة الأمر، الوجود والزمان، لا يتضمّن فقط هذين العبارتين اليتيمتين بل إنه يرتكز على أرضية إيديولوجية خطيرة، مثل استخدامه المكثف لترسانة المصطلحات المُكوّنة لإيديولوجيا الحرب من قبيل: "مجموعة"، "أمانة، عهد"، "قدر". والدليل على ذلك أيضا أنّ الرجل، لكي يؤكد مثلا وحدة المصير يستخدم في الوجود والزمان، مصطلح (Geschick) الذي تكون "المصائر الشخصية" في إطاره "محتومة مسبقا". وعلى هذا الأساس نفهم جيّدا تلك الشحنة العاطفية التي تركّز على "الأمانة لما يجب تكراره (Treue zum Wiederholbaren)"(15)؛ أمانة تخصّ الوجود الأصيل فحسب، أما غير الأصيل فهو يبحث فقط عن الأشياء الحديثة(16). وتحليل الوجود غير الأصيل يُفضي في نهاية المطاف هو أيضا إلى نقد الحداثة، رغم أنّ الوجود والزمان، يدّعي غربته عن التصوّر الأخلاقوي "لفلسفة الثقافة (Kulturphilosophie) (17). وكما في أيّ إيديولوجيا حربية، مفهوم القدر يُحيل دائما إلى المجموعة الخاصة، الشعب (العِرق في مصطلحات النازية وفي مصطلحات هايدغر أيضا).
في الفقرة 74 التي كانت قد استرعت انتباه لوفيث، يقول هايدغر "بما أن الدازاين (الموجود هناك) مُحمّلٌ قدرا، نظرا لكونه موجود ـ في ـ العالم، فهو دائما وبالذات وجود ـ مع ـ الآخرين، تاريخيته هي تاريخية ـ مع، وهي تتكوّن كمصير مشترك. بهذا المصطلح نعني تاريخانيّة المجموعة، الشعب (Volk) (18).
إنه كلام ذو صبغة قومية واضحة حتى وإن واراه صاحبه خلف طلسمات لغوية، لا بل إن البعض اعتبره يصبّ في مجال الايديولوجيا العنصرية الإقصائية، ولا يحتاج إلى أيّ عناء تأويلي لإدراك معناه. يجب الإشارة فقط إلى أن المجموعة المَعنيّة هنا (Gemeinschaft) هي في الطرف النقيض للمجتمع (Gesellschaft)، لأن المجتمع الحديث ككتلة غير متميّزة تخنق الفرد وتسحق شخصيته، وبالتالي فإن "المصير العام (Geschick)، ليس هو مجموع المصائر الفردية (Schicksal)، وبالمثل فالوجود ـ معا لا يمكن أن يكون مجموع الذوات الفردية. في الوجود ـ معا في نفس العالم وفي التقرير لنفس الإمكانية، المصائر محتومة مسبّقا. فقط في التواصل وفي الصراع (im Kampf)، تصبح متحرّرة قوّة القدر المشترك. إنّ قدر الدازاين الذي يجمعه بـ"جيله" وفي "جيله" يعبّر عن التاريخية الكاملة والأصيلة للدازاين(19). مرّة أخرى نحن هنا بحضرة مصطلحات نابعة من نفس تلك الإيديولوجيا المتجذرة في الفكر اليَميني الرجعي المناهض للحداثة ولفكرة المجتمع الديمقراطي المنفتح. المجتمع الذي يُنظّر إليه الفكر الرجعي ينبغي أن يكون مجموعة عضوية، ذات تاريخ مشترك ومعتقد واحد ومصير موحّد، بحيث أنها تتنافى بشدّة وفكرة الكتلة الاشتراكية المُسَاواتية، والدولة الحاضنة للجميع دون تمييز عرقي أو ديني.
كيف يمكن إرساء دعائم تلك المجموعة الجديدة؟ وما هي الشروط الموضوعية التي يجب تفعيلها لتحقيق تلك اللّحمة؟ ليس العلم ولا المعرفة ولا الأخوّة ونبذ الصراع، أو التوزيع العادل للثروات، بل هي الحرب والزمالة في الجبهة والتصدّي للمخاطر الحقيقية والمفتعلة. هذه هي الشروط التي ارتآها هايدغر لإنشاء مجموعة قومية عضوية وأصيلة: الموت والشجاعة في مجابهة المخاطر هي ما يُميّز الشخص المتجذّر في مجموعته. والغريب في الأمر أنّ كلّ هذا الهوس القوميّ الحربيّ جاء حرفيا في الوجود والزمان، الذي عمد هابرماز وفلاسفة آخرون إلى إقصائه، كليا أو جزئيا، من حلبة الفكر الإيديولوجي. لكن يكفي التمعّن في الشروط المكوّنة للمجموعة الأصيلة حتى نتيقّن من أنّ العوامل الإيديولوجية ثابتة في عمله هذا: "مِن الوجود الذاتي الأصيل في القرار، ينبثق الوجود ـ معا الأصيل: ليس إذن من الوئام الملتبس الغائر والأخوّة المهذارة في الـ"هم"، وفي انجازاته(20). ونحن نعلم أن رذيلة الإنسان العادي المسالم (الـ"هم") تكمن ـ حسب مفارقات هايدغر ـ في "عدم امتلاكه شجاعة الرّهبة أمام الموت(21)، أمّا الوجود الأصيل (Eigentlich) فهو يتميّز على نقيضه بشجاعته وبإقدامه على مجابهة الموت جهرا، وهو الشرط الأوّلي لتأسيس ما يدعوه هايدغر "الكون ـ معا الأصيل (Eigentliches Miteinander) (22).
إذا أخذنا بعين الاعتبار كلّ هذه المعطيات، فإن النتيجة التي يستخلصها لوسوردو صائبة: "لا معنى للتحدّث عن منعرج إيديولوجي ذي منحى "محافظ جديد" لسنة 1929، والدليل على ذلك أن هابرماز نفسه يعترف بالاستتباعات السياسية العميقة، ودائما ذات المنحى المحافظ أو الرجعي، في تحليل الحياة الغير أصيلة للـ"هم" في الوجود والزمان(23)".
لا أودّ أن أكون قاسيا على هابرماز، وأرى أنّ الرجل كان عن حسن نيّة، وقد تكون عباراته التي يقول فيها بأنه ينبغي التريّث في إصدار الأحكام الأخلاقية بخصوص التزامات هايدغر السياسية، لأننا كخلف لا نستطيع أن نعرف كيف كنّا سنتصرّف في ظروف دكتاتورية سياسية مماثلة، هي تحذير سليم وحصيف. وإيمانا منّي بأنّ فلسفة هابرماز التواصلية، من حيث أهدافها ونتائجها، هي في الطرف النقيض من فلسفة هايدغر، فإنّي لا أشك في نزاهة الرجل. ويجب التذكير بأنّ هابرماز هو من بين المفكرين الألمان الأوائل الذين نبّهوا إلى المخاطر الثاوية في فكر هايدغر، رغم أنّ التيار السائد آنذاك في فرنسا وفي الساحة الثقافية الفرنكوفونية سائر في نهج التبرير والمنافحة اليائسة. وفي نفس تلك المقدمة لترجمة كتاب فارياس "هايدغر والنازية"، وبعد أن استعرض الطريقة الفجّة التي دلّس بها هايدغر الأحداث، يُعيد هابرماز استذكار ردّة فعله على نصّ المدخل إلى الميتافيزيقا الذي أعاد نشره هايدغر بحرفيته سنة 1953: "في ذاك الوقت كنتُ طالبا وكنتُ مفتونا بـالوجود والزمان إلى درجة أنني أُصبتُ بالذهول حينما اطّلعتُ على تلك الدروس المخترقة بالفاشية حتى في دقائق أسلوبها. هذا الانطباع عبّرتُ عنه في مقال لي صدر بجريدة (Frankfurter allgemeine Zeitung)، وفي ذاك المقال ذكرتُ تلك الجملة حول "الحقيقة التامة وعظمة الحركة [النازية]". ما شدّ انتباهي هو أنه في سنة 1953، نشر هايدغر، دون تفسير، دروس سنة 1935 والتي بقيت على حالها. التصدير ذاته لا يحتوي ولو على جملة واحدة تتناول ما حدث. لقد وجّهتُ بشأنها إلى هايدغر السؤال التالي "هل من الممكن أن نفهم، على مستوى تاريخ الوجود، القتل المنظّم لملايين من الناس الذي نعلمه اليوم، باعتباره خطأ محتوما؟ أليست هي الجريمة الفعلية لأولئك الذين قاموا بها بكلّ مسؤولية ـ والضمير القبيح لشعب بأكمله؟"(24).
يقول هابرماز بأن هايدغر لم يُجب عن سؤاله، بل تكفّل بإجابته أحد أتباعه وهو كريستيان لوفالتار (C. Lewalter) في جريدة الزمن (Die Zeit، 13 August 1953). النصّ، حسب لوفالتر (Lewalter)، هو وثيقة تبيّن أن هايدغر كان قد تصوّر، منذ ذلك الحين، نظام هتلر ليس على أنه مؤشّر لخلاص جديد، بل على أنه عرض [مرضي] آخر من أعراض السقوط في هاوية تاريخ الميتافيزيقا. وكما يؤكد هابرماز، فإن لوفالتر لكي يقدّم تأويله هذا، اعتمد على جملة أضافها هايدغر على النصّ، بين قوسين، تصف الحركة النازية بأنها "(الالتقاء بين التقنية، على سلّم كوني، والإنسان الغربي)". وقد أوّلها لوفالتر على النحو التالي: "هذه الحركة القومية الاشتراكية هي عرض [مرضيّ] للارتطام المأساوي بين التقنية والإنسان، وبعَرَضٍ كهذا فإنّ لها "عظمة" لأنّ أثرها يمتدّ ليشمل الغرب، وقد تؤدّي إلى الانهيار(25)".
إنه تأويل خياليّ، بل مُناف لمبدإ التأويل الفلسفي أصلا، لكن هايدغر، كما يُعلمنا هابرماز، قد صادَق على ذاك التأويل في رسالة بعث بها إلى نفس الجريدة قائلا: "التأويل الذي قدّمه كريستيان لوفالتر للجملة من درس [1935] هو تأويل في محلّه بكل الوجوه … كان من السّهل فسخ تلك الجملة المُضافة، مع الجُمل الأخرى التي ذكرتموها، مِن الطبعة الجديدة؛ لم أفعل ذلك ولن أفعله في المستقبل، لأنه، من جهة، تلك الجُمَل هي تاريخيا جزء لا يتجزأ من الدروس، ومن جهة أخرى، أنا متيقّن أنّ الدّرس، بالنسبة لأيّ قارئ تعلّم فنّ التفكير، منسجم بالكامل مع الجُمَلِ المذكورة(26)".
هذه الأقوال لا تصدمنا كثيرا، لأنّ المتابعين لفكر هايدغر تعوّدوا على ضرباته المتقلّبة وطرقه الناشزة في الإجابة عن الاعتراضات والنقد: فهو إما أن يُرجِع الاعتراضات على خصومه، أو يتهمهم بعدم فهم حقيقة فلسفته، أو يصرّ على أن سبيله هو الأقوم. إلاّ أن صدمتنا، مع ذلك، تبقى كما هي إزاء كيفية مكوث هابرماز على قناعته من أن الوجود والزمان يعلو على الهمّ الإيديولوجي السياسي ومنغرس فقط في عالم النظرية البحت. هذه القناعة، كما بيّنت من خلال اعتراضات لوسوردو، بدأت تتفكك شيئا فشيئا، وأمعن في تفكيكها أخيرا المفكّر الفرنسي إيمانويل فاي (Faye) في كتابه "هايدغر، إدخال النازية في الفلسفة"(27).
لقد شدّت انتباهه، كما حدث للفيلسوف الإيطالي لوسوردو، أطروحات هابرماز إزاء الجانب النظري من الوجود والزمان والتجديد الفلسفي الذي أدخله هايدغر من خلال عمله هذا. لكن إذا غُصنا في النص بجدّية، فإننا سنتفطّن إلى غياب أيّ بعد تجديديّ إيجابيّ، وربّما أدركنا هزالة الأطر النظرية التي أشاد بها هابرماز. المحور الحامل للوجود والزمان، حسب فاي، هو نفي أيّ فكرة للكلّيّ، وللذات الفردية، ولذلك فإنّنا نفهم لِمَ اتّخذ صاحبنا كهدف مبدئيّ لضرباته فلسفة ديكارت خاصة والفلسفات الكلية عموما. هايدغر يستبعد بقوة كلّ محاولة لمقاربة الموجود بالاعتماد على فهم الثقافات الأكثر غرابة (fremdesten Kulturen) "الثقافات المغايرة"، والبحث عن أرضية كونية للوجود الإنساني. فمحاولات من هذا القبيل تؤول إلى جعل الوجود غريبا عن ذاته، وإلى فقدان الأرضية. الملفت للنظر أنّ هاتين العبارتين تعودان باستمرار في كتاب الوجود والزمان وغنيّ عن القول بأنّهما تنبعان من صلب الثقافة الرجعية.
الفقرة 74 كما رأينا أعلاه، اعتبرها فاي، ذروة تحليلات هايدغر لمفهوم التاريخانية، وبالتالي للمؤلَّف ذاته، نظرا إلى أن كل الكتاب يصبّ في إشكالية التاريخانية، إلاّ أنه، على تحليلات لوسوردو، فإنّ فاي، دون أن يخشى الاعتراضات والنكران من طرف الهايدغاريين في بلده، أضاف بأن المفاهيم الحاملة لتعاليم النازية هي حاضرة منذ هذه اللحظة في الوجود والزمان، بل أكثر من ذلك حتى العناصر البيولوجية العرقية مشار إليها بالرجوع إلى فكرة النشأة، وهي فكرة مستمدة من ديلثاي ولها معنى بيولوجي واجتماعي، علاوة على أنها لعبت دورا محوريا في تنظيرات فلاسفة الرايخ الثالث.
إن في إرادة هايدغر تحطيم فكرة الأنا لفسح المجال إلى "التفرّد الأكثر راديكالية (radikalsten Individuation)"، كما جاء في الفقرة 7، والذي يتحقق فقط في صلب مجموعة الشعب «تكمن حقيقة مشروع الوجود والزمان(28)".
والغريب في الأمر أنّ المشروع المعلن عنه في برنامج الوجود والزمان بتحطيم الأنطولوجيا الديكارتية، لم يُنشر في حياته، وربما لم يُكتب أبدا. الإشكالية إذن، هي كيف يمكن لمشروع لم يتحقّق اطلاقا، وربما بقي مجرّد أمنية غائمة، أن يغدو عند هابرماز، حقيقة يقينية. إيمانويل فاي، يستغرب بحقّ كيف أنّ القوّة الإيحائية لخَطابة هايدغر تبدو وكأن مجرّد مفعول الإعلان أصبح كافيا لكي يجعل من هذا المشروع غير المُحقّق، عند كثير من المفكّرين، كسبا نهائيا(29). المفكر المستهدف هنا هو هابرماز والذي ذكره فاي صراحة حينما أثنى على الوجود والزمان لأنه، حسب هابرماز، حقق "خطوة محدِّدة في سبيل الاستدلال الذي يمكّن من تجاوز فلسفة الوعي"، لكن قد غاب عن هابرماز أنه لا يوجد في كامل ذاك العمل أيّ تحليل فلسفيّ نقديّ مكتمل للميتافيزيقا الديكارتية. الأخطر من ذلك هو أنّ هابرماز لم يتفطّن إلى أيّ نوع من المجموعة (Gemeinschaft) يجرّ هايدغر قرّاءه منذ تلك الفترة.
النتيجة هي أنّ هابرماز، كما يقول فاي، أخطأ خطأ فادحا في التقييم، ففي الوقت الذي كان فيه "نبيها وصارما إزاء هايدغر سنة 1953، هابرماز يتنازل كثيرا لهايدغر ما قبل 1929".
أرى أنّ فاي لا يمكن محاججته بالنصوص، وحكمه هذا على قسوته، يبدو في نهاية المطاف صائبا. إذا تتبّعنا الفقرات التي حاول فيها هايدغر مناقشة الديكارتية (19 ـ 21) فسنرى أنه يركز على الجوهر الممتدّ وليس على الجوهر المفكّر، وتلك المناقشة معروضة من طرفه، دون عمق نظريّ، وكمجرد مقدّمة ظرفية. في الحقيقة، يضيف فاي، هايدغر ليس لديه دحض فلسفيّ متين ضدّ الأنا الديكارتي، ولذلك فإنّ تحطيم الأنا الإنسانيّ لإحلال المجموعة القومية المنغلقة، ليست في نواياه ولا في تمشّيه «عملا فلسفيا بحتا، بل مشروعا سياسيا، يندرج في أسس القومية الاشتراكية ذاتها(30)".
الهوامش:
(1)HABERMAS, Heidegger – Werk und Weltanschauung, Vorwort von, Victor Farias, Heidegger und Nationalsozialismus, Fischer Verlag, Frankfurt am Main, 1989. p. 12. " Aber als Nachgeborene, die nicht wissen können, wie sie sich unter Bedingungen der politischen Diktatur verhalten hätten, tun wir gut daran, uns in der moralischen Bewertung von Handlungen und Unterlassungen während der Nazi-Zeit zurückzuhalten".
(2) J. HABERMAS, ibid.
(3) "Heideggers Werk hat sich aber längst von seiner Person gelöst". Ibidem.
(4) J. HABERMAS, ibid, p. 14, n. 12.
(5) " Das fragwürdige politische Verhalten eines Autors wirft auf sein Werk gewiß einen Schatten". Ibid, p. 14.
(6) J. HABERMAS, ibidem." Aber das heideggersche Werk, vor allem Sein und Zeit, hat einen so eminenten Stellenwert im philosophischen Denken unseres Jahrhunderts, daß die Vermutung abwegig ist, die Substanz dieses Werkes könne durch politische Bewertungen von Heideggers faschistischem Engagement mehr als fünf Jahrzehnte danach diskreditiert werden".
(7) M. FRANK, Philosophie heute und jetzt, in: Frankfurter Rundschau, 5. März 1988, in J. HABERMAS, ibid, p. 15.
(8) J. HABERMAS, Heidegger – Werk und Weltanschauung, op. cit, p. 17.
(9) Ibidem.
(10) Ibidem.
(11) D. LOSURDO, La comunità, la morte, l’Occidente. Heidegger e l’ideologia della guerra. Bollati Boringhieri, Torino 1991, ristampa 2001, pp. 46-47.
(12) M. HEIDEGGER, Die Grundbegriffe der Metaphysik. Welt – Endlichkeit – Einsamkeit. Freiburger Vorlesung Wintersemester 1929/30. Vittorio Klostermann. Frankfurt am Main 1983. pp. 255-56. " Wir müssen erst wieder rufen nach dem, der unserem Dasein einen Schrecken einzujagen vermag. Denn wie steht es mit unserem Dasein, wenn ein solches Ereignis wie der Weltkrieg im wesentlichen spurlos an uns vorübergegangen ist?".
(13) M. HEIDEGGER, Nietzsche, Verlag Günther Neske, Pfüllingen, 1961 (trad. it, Nietzsche, a cura di Franco Volpi, Adelphi, Milano 1994, p. 655 )
(14) D. LOSURDO, La comunità, la morte…, op. cit, p. 46.
(15)M. HEIDEGGER, Sein und Zeit, Max Niemeyer Verlag, Tübingen, 18. Aufl., 2001, § 74, p. 385, und § 75, p 391 " Die Entschlossenheit konstituiert die Treue der Existenz zum eigenen Selbst. Als angstbereite Entschlossenheit ist die Treue zugleich mögliche Ehrfrucht vor der einzigen Autorität, die ein freies Existieren haben kann, vor den wiederholbaren Möglichkeiten der Existenz".
(16) Ibidem, " Die uneigentlich geschichtliche Existenz dagegen sucht, beladen mit der ihr selbst unkenntlich gewordenen Hinterlassenschaft der »Vergangenheit«, das Moderne".
(17) Ibid, § 34, p. 167.
(18) M. HEIDEGGER, ibid, § 74, p. 384. " Wenn aber das schicksalhafte Dasein als In-der-Welt-sein wesenhaft im Mitsein, it Anderen existiert, ist sein Geschehen ein Mitgeschehen und bestimmt als Geschick. Damit Geschick bezeichnen wir das Geschehen der Gemeinschaft, des Volkes".
(19) M. HEIDEGGER, Sein und Zeit, op., cit., § 74, pp. 384-85..
(20) M. HEIDEGGER, Sein und Zeit, op., cit., § 60, p. 298.
(21) Ibid, § 51, p. 254."Das Man läßt den Mut zur Angst vor dem Tode nicht aufkommen".
(22) Ibid, § 74.
(23) D. LOSURDO, La comunità, la morte…, op. cit, p. 49.
(24) J. HABERMAS, Heidegger – Werk und Weltanschauung, op. cit, p. 30.
(25) Ibid, p. 31.
(26) Ibidem.
(27) E. FAYE, Heidegger, l’introduction du nazisme dans la philosophie, Paris, Albin Michel, 2005.
(28) E. FAYE, Heidegger, l’introduction…, op. cit, p. 32.
(29) Ibid, p. 33.
(30) E. FAYE, ibidem, “La destruction de l’individu et du moi humain pour laisser place à la communauté de destin du peuple n’est, ni dans son intention ni dans sa démarche, une entreprise purement philosophique, mais un projet “politique” ; qui s’inscrit dans les fondements mêmes du national-socialisme, avec sa doctrine de la Volksgemeinschaft”
 
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe