الاثنين، 14 ديسمبر 2009

مشهديـات شـمولية والفكـر القومـي السـائد!!

بقلم فخر الدين فياض


لا شك أن الشمولية، هي نفي كلي لمقولة المدنيّة، أي للفرد المتمدن الفاعل، كامل الحقوق.. وبالتالي هي نفي للمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية، في الثقافة والسياسة والاقتصاد، بمعنى آخر، هي نفي لمقولة المدينة، تنوع المدينة وخصبها، وقوة التطور والتغيير الكامنة في الغنى الفردي والجمعي معاً. والشمولية تسعى لتحويل المدينة، إلى ما يشبه (الثكنة) التي تعيث العسكرتاريا فيها، خراباً وفساداً، في ظل أيديولوجيات تحتكر الحق والحقيقة، أيديولوجيات أفرزت طغماً حاكمة، استولت على القوة والثروة والسلطة، بوصفها وصيّة على مصائر الناس وخياراتهم، ووصيّة على حاضر البلاد ومستقبلها، فضلاً عن الماضي، الذي يُعاد تأريخه بما يناسب مكونات تلك الطُغم.
الشمولية حوّلت البلاد إلى مخافر تمتد قيداً يرتبط بقيد، لتحاصر نوافذ مدنيتنا الحزينة.. أو ما تبقى للفرد من مساحات حلم.. وحرية.
ويبدو أن لا شيء يقاوم أنياب الدهاليز المعتمة بالشعارات واللافتات التي تحتضن موتنا.. أكفان تلفها (تَقَويّة) الأبيض والأسود، و(كلبية) التكفير والتخوين.. وعلى حد رأي جاد الكريم الجباعي، التقوية والكلبية*، وجهان لعملة واحدة. الشمولية تعاند العقل ومنطق التاريخ، وترسم إشارات مرور ثابتة ومطلقة لشوارع الأفراد والجماعات.. وأمنياتهم. قد يشعر المرء بأن العالم العربي قد استسلم لقدره (المحتوم) في الأرض والسماء، أمام تحالف سلطتين مستبدتين: سلطةً وضعيةً تقوم على (قانون) العنف والقهر وتوزيع أرزاق الناس حسب ولاءاتهم للقيادات الخالدة المخلدة، وسلطة دينية تقوم على تبرير قانون الطغمة من جهة، وعلى مقولات جهادوية وآخروية، لا شأن لها في العالم الأرضي، إلا أنها دار فناء، وامتحان، وبلوى.. لترسم أفق الناس بالدم والسواد من جهة ثانية.
وقد لا يستفز المرء ضلوع نظام حاكم، أو عصبة، تمارس استبدادها في سبيل البقاء.. والتنعم بامتيازات الحكم. ولكن ما يستفز المرء حقاً، هو ضلوع الفكر (القومي) السائد، بالتبرير والترويج للشمولية.. قطعان من (الكتبة) تروّج لذبح الشعوب على أعتاب الأيديولوجيات والقادة التاريخيين.

وأليس الحرص على الدولة في البلدان العربية والنحو بها باتجاه الدولة الوطنية الحقة يعني انتقاد شموليتها التي ملأت فضاءنا بكل وخم التاريخ والعالم معاً؟!!
……………………………………………..
* وردة في صليب الحاضر، جاد الكريم الجباعي، رابطة العقلانيين العرب، ص26
والكلبية هنا نسبة إلى مدرسة الكلبيين التي وجدت في اليونان القديمة (القرن الرابع ق.م).. الكلبية سمة للشخصية التي تتميز بالاحتقار الصريح للقواعد الأخلاقية.. وتقترن هذه النزعة في النظم الشمولية باحتقار الشعب، بما هو مصدر السلطة والسيادة، وبازدراء القانون والاستهانة بحياة المواطنين فضلاً عن حقوقهم المدنية والسياسية، وارتكاب أفظع الجرائم باسم الدفاع عن مصالح الجماهير وثوابت الأمة.


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe