الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

فكر النهضة يقتحم الدوائر المحرمة

فكر النهضة يقتحم الدوائر المحرمة

 
نجيب الخنيزي

 

استهدف رواد النهضة تعميم وتبيئة قيم المواطنة، العلم، التنوير، الحداثة، التسامح، والتعددية وغيرها، كما تمظهرت في الحضارة الغربية، وبما لا يتعارض من وجهة نظرهم مع صحيح الدين. ولنستعرض هنا بعض أرائهم ومواقفهم إزاء قضية اجتماعية مصيرية تتمثل في ‘’حقوق المرأة’’ وكشف وتعرية مدى الظلم والحيف الذي لحق بها كغيرها باسم الدين والتقاليد الاجتماعية. راهنية تلك الأطروحات، تنبع من واقع مرير انشغلت به المجتمعات العربية والإسلامية بقضايا هامشية وشكلية، كإطالة اللحى وتقصير الثياب ووصف أداب وكيفية الجماع، والدخول إلى المختلى، والدفاع المستميت عن الحجاب والنقاب والسواك وتعدد الزوجات، واعتبارها من جوهر الدين وصحيح العقيدة التي تبطل بدونها.
ووصل الأمر ببعض الفقهاء إلى تعريف الزواج بأنه (عقد يملك به الرجل بضع المرأة) تجاهلاً التعريف القرآني بقوله تعالى: ‘’ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة’’.
الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801-1873) الذي يعتبر المدماك الأول لفكر النهضة، والذي سافر إلى باريس كمرشد وكي يؤم أفراد أول بعثة مصرية أرسلها محمد علي، وكانت حصيلة مشاهداته وإعجابه الشديد بمدى التقدم الحضاري الذي أحرزه المجتمع الفرنسي في كافة المجالات، ومن بينها المنزلة الرفيعة للمرأة الباريسية المتعلمة، ما جسده في مؤلفه الشهير ‘’تخليص الأبريز في تلخيص باريس’’ حيث يقول في خاتمة الكتاب ‘’إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة أو الخسيسة’’. كما نشير إلى دعوته المبكرة لتعليم المرأة، ولهذا الغرض ألف كتاب ‘’المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين’’.
من جهته أثار جمال الدين الأفغاني موضوع مساواة المرأة بالرجل، فيشير إلى ‘’لا مانع من السفور إذا لم يتخذ مطية للفجور’’، كما دعا إلى الزواج بواحدة فحسب، أو الكف عن الزواج. أما تلميذه الإمام محمد عبده، فقد أعاد تأويل النص المؤسس (القرآن الكريم) على قاعدة توافقه مع المنطوق العقلي، فتطرق إلى حقوق المرأة، ومعتبراً ‘’تعدد الزوجات هو من العوائد القديمة التي كانت (كالرق وتسري الإماء والجواري) مألوفة عند ظهور الإسلام ومنتشرة في جميع الأنحاء، يوم كانت المرأة نوعاً خاصاً معتبرة بين الإنسان والحيوان.. فتراه (الإسلام) قد جاء في أمر تعدد الزوجات بعبارة تدل على وجود الإباحة على شرط العدل.. وأما جواز إبطال هذه العادة، أي عادة تعدد الزوجات فلا ريب فيه، أما أولا: فلأن شرط التعدد هو التحقق من العدل وهذا الشرط مفقوداً حتماً، فإن وجد في واحد في المليون فلا يصح أن يتخذ قاعدة. وثانيا: قد غلب سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد وحرمانهم من حقوقهن في النفقة والراحة، ولهذا يجوز للحاكم وللقائم على الشرع أن يمنع التعدد دفعا للفساد ‘’ورغم استمراره على المذهب الحنفي إلى أنه استند إلى المذهب المالكي في تأكيد حق المرأة في العمل (بما في ذلك القضاء) وطلب الطلاق مثلها مثل الرجل، وإزاء موضوع الحجاب جاء في الأعمال الكاملة للإمام (م 2 ص 113) محمد عبده ما يلي: ‘’والحق إن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب، بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده، ويدلنا على ذلك أن هذه العادة ليست معروفة في كثير من البلدان الإسلامية، وأنها لم تزل معروفة عند أغلب الأمم الشرقية التي لم تتدين بدين الإسلام. إنما من مشروعات الإسلام ضرب الخمر على الجيوب (المقصود بالجيوب في لغة العرب هو ما يقع بين الصدور والفخوذ) كما هو في صريح الآية (النور 30-31) وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب’’.
ويرى الإمام أن أمر الحجاب في القرآن بمعنى عدم الاختلاط بالرجال أمر خاص بنساء وأهل بيت النبي محمد (ص) من دون عامة النساء، مستنداً إلى الآية الكريمة ‘’لستن كأحد من النساء’’ حيث يقول في ص 110 م 2 من الأعمال الكاملة ‘’وبالجملة فقد خلق الله هذا العالم ومكن فيه النوع الإنساني ليتمتع من منافعه. وسوى لأي التزام الحدود والتمتع بالحقوق بين الرجل والمرأة من هذا النوع. فكيف يمكن مع هذا لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به مما هيأها له، بالحياة ولواحقها من المشاعر والقوى، وما عرضه عليها لتعمل في الكون المشترك بينها وبين الرجل إذا حظر عليها أن تقع تحت أعين الرجال، إلا ما كان من محارمها؟ لا ريب أن هذا مما لم يسمح به الشرع ولن يسمح به العقل’’. ولقد وصل التفكير الإصلاحي الإسلامي ذروته مع تلميذه قاسم أمين (1863-1908) في كتابه ‘’تحرير المرأة’’ الصادر في عام ,1899 وهو مؤلف تفيد بعض المصادر إلى أن الشيخ محمد عبده قد شارك في تأليف بعض فصوله المتعلقة بالجانب الشرعي، كما أبدى تأييده الضمني له إثر صدوره، كما رفض إصدار فتوى ضد الكتاب، بل أشاد به حين صدوره تلميذه الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار (قبل انقلابه الفكري لإسباب عدة بعد سنوات على رحيل الإمام).
وقد استند قاسم أمين الذي جمع بين تكوينه الأزهري وتعليمه الحديث ، بين المرجعية الإسلامية، والمرجعية الحديثة، فقد افترض أن العائلة أساس المجتمع، ويرتبط تقدم الأخير بارتقاء المرأة كما رفض اعتبار الحجاب على أن يكون متطابقاً مع الشرع، مذكراً باتفاق الأئمة، على استثناء الوجه والكفين، ووقع الخلاف بينهم في أعضاء أخرى كالذراعين والقدمين، ثم لا يلبث أن يورد في كتابه التالي ‘’المرأة الجديدة’’ الصادر في عام 1900 حججاً ينسف شرعية الحجاب، حينما يعيده إلى العرق والعوائد، ليصل إلى اعتبار التربية طريقـاً إلى العفة، ويفضل الزواج القائم على المحبة، منتقداً تعريف الفقهاء لأنه أفقر التعريف القرآني له وحوله من مقصد الآية ‘’ومن آياته أن خلق لكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة’’ إلى ضيق التعريف الفقهي: ‘’عقد يملك فيه الرجل بضع المرأة’’، بما يستتبعه من أحكام، مؤكداً أن من حق المرأة اختيار الرجل، وأباح قاسم أمين تعدد الزوجات في حال الضرورات القصوى، إن كانت المرأة عاقراً أو مصابة بعلة، إلا أنه جعل من الأخلاق البقاء على زوجة واحدة. 

 

 

 

 

 

 

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe