الخميس، 10 ديسمبر 2009

عن نشأة التاريخ و آلية حركته


عبدالسلام الملا ياسين



إن محاولة رفع الغموض عن نشأة التاريخ والية حركته، وفهم المنهجية التي تحكمه، كانت ولا زالت الشغل الشاغل للكثير من المهتمين وذوي الإختصاص في مختلف حقول المعرفة، وبشكل خاص في مجالي العلوم الإجتماعية والسياسية. وظلت الأسئلة المطروحة في هذا الإطار مع أجوبتها تتطور وتتعقد مع تطور الحياة وتوسع مجالات المعرفة. ولقد شغلت ماهية التاريخ والية تطوره، الفلاسفة والمفكرين منذ زمن بعيد، وهم يحاولون جاهدين لإيجاد فلسفة خاصة بالتاريخ، تحكم تطوره، وتحدد مساره، ليمكن من خلال تلك الفلسفة إستقراء الطرق والإتجاهات التي قد يسلكها التاريخ بشكل حتمي.
ربما قد قيل كل ما يمكن أن يقال حول تصورات البشر عن نشوء وتطور التاريخ الإنساني، ولكننا نواجه رغم ذلك حقيقة مفادها أن كل ما قيل في هذا الخصوص إنما يلقي الضوء في أفضل الأحوال على جزء من العملية التاريخية الواسعة والمعقدة. والمشكلة المتولدة عن التفسير الناقص لمنشئ التاريخ أو الية تطوره ليست في إستمرار الجهل الملازم حول الكيفية فحسب، بل تتعدى ذلك الى أن ما قدمه الإنسان من تفاسير الى يومنا هذا (وخصوصاً التفسيرات الدينية) إنما أصبحت تشكل عوائق قوية أمام كل محاولة جديدة في هذا الإتجاه.
هناك في الغالب نمطين من الدراسات التي تهتم بتفسير الظاهرة التاريخية:
أولاًـ الدراسات الحلقية أو الدورية: وهي التي تقسم التاريخ الى حلقات أو دورات متعاقبة، حسب المراحل الحضارية التي تميز كل حلقة عن غيرها. والشيء المميز لمثل هذه الدراسات هو عدم وجود رابط أو توالد بين حلقات التاريخ المختلفة، ولا تحكمها قوانين عامة، وبالتالي فهي تدرس التاريخ كمراحل منفصلة، وذات قوانين خاصة أيضا، فينتهي الهدف مع نهاية كل مرحلة.
ثانياـ الدراسات الخطية أو المنهج التراكمي في دراسة التاريخ: وهي التي تنظر إلى التاريخ كسلسلة مترابطة في تطور وتقدم دائمين. وهي خاضعة لمنهجية وقوانين موضوعية، ويمكن دراستها علميا. التاريخ في مثل هذه الدراسات يأخذ كوحدة ترابطية بأسس منطقية.
وهناك تصنيف أخر للدراسات المختصة بتطور التاريخ، وتقوم على أساس عدد العوامل التي تستند عليها الدراسة في أعطاء تفسيراتها. فهناك الدراسات التي تعتمد على التفسير بعامل واحد كالماركيسية مثلاً، حيث يكون للعامل الاقتصادي الدور الحاسم في صياغة التطور الإجتماعي والإقتصادي وهلم جراً.. والتي تتخذ شكل إنقلابات ثورية تقوم بها الطبقات المتصارعة، حسب المفهوم الماركيسي.
ونرى بأن أي منهجية مفترضة لحركة التاريخ لا يمكن أن تخرج عن مدى نفوذ المفهومين المتضادين (الجبرية والحرية)، لأننا نفترض إبتدائاً بأن إرادة الإنسان وإستجاباته لظواهر النظام الكوني إنما هي العامل الرئيسي والحاسم في تطور وحركة التاريخ الإنساني، ولكي نفهم هذه الإرادة علينا أولاً أن نحدد إطاراً واضحاً لمفهومي الجبرية والحرية.
إن مدى أهمية الطريقة التي يفهم بها الإنسان نشوء التاريخ وحركته واضحة من كون طريقة الفهم هذه لا تقف في الهامش من مسيرة ذلك الإنسان.. فتأثير طريقة فهمنا للعملية التاريخية يظهر جلياً في بناء قناعاتنا الفكرية، وتستند عليها عملية بناء شخصيتنا الإنسانية بشكل كبير. بمعنى آخر فإن طريقة فهمنا لنشوء التاريخ والية تطوره تحدد لنا في النهاية هوية المجتمع الذي ننتمي اليه. وبعبارة أدق ـ كيفما نبني قناعاتنا حول نشأة التاريخ وتطوره، هكذا نختار نوع التضاريس لجغرافية فكرنا، وهذه بالذات هي التي تحدد قناعاتنا العليا ومزاجنا الفكري وتصوراتنا عن مستقبل الحياة، أي تحدد شكل ونوعية فعالياتنا الإجتماعية والدينية والإقتصادية والسياسية من حيث نعلم أو لا نعلم ـ
الموضوع كما يلمس القارئ الكريم واسع جداً، ولا يمكن دراسته دون التطرق الى موضوع الجبرية والحرية كما نوهنا في أعلاه، وخاصة بعد ان ألقت الدراسات الحديثة في مجال علم النفس الكثير من الشكوك حول حرية الإنسان في إختياراته وقراراته.. فعلماء النفس متفقون اليوم على أن قرارات الإنسان وإختياراته محكومة بجملة من العوامل لا دخل مباشر للفرد في غالبيتها العظمى.. فالعامل الديني والإجتماعي والسياسي والإقتصادي والأسري والوراثي وغيرها الكثير، تحدد لنا في خافيتنا المسارات التي سنسلكها في حياتنا وبشكل شبه حتمي.. وكمثال على تأثير العامل الوراثي نرى بأن الفرد الذي يرث من أحد أبويه ضعفاً في البصر لا يمكن علاجه، سيحدد له بكل تأكيد مسار حياته في المستقبل بعيداً عن رغبته الشخصية.. وهناك أمثلة كثيرة عن أشهر الشخصيات في التاريخ الإنساني، وكيف أن شوائب إجتماعية أو دينية أو إقتصادية أو وراثية في حياتهم حددت لهم سلوكياتهم ومن ثم مسار حياتهم، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على وجهة التاريخ الإنساني العام.. كل ذلك يجبرنا على إعادة التفكير في مفهومنا عن الجبرية والحرية في حياتنا، كي نعرف بالضبط مدى إمكانية إستقراء حركة التاريخ على أسس صحيحة.
ومن التفسيرات التي إعتمدت على مبدء الجبرية في تفسير مسار حياة الأفراد والمجتمعات كان التفسير الديني، ورغم أن الأديان فقدت اليوم الريادة في أحقية تفسير الكيفية التي نشأ بها التاريخ بشقيه الكوني والإنساني، وخفُت البريق الذي كان يصاحب طرحها المعروف عن ماهية القوة التي تقف وراء ذلك كله لحقب طويلة، إلا أنها تبقى ذات تأثير واضح وفاعل في كيفية فهمنا وتفسيرنا لنشأة التاريخ والية حركته، وهي ستبقى ماثلة لنا من كونها نتاجاً من نتاجات مراحل البحث والتقصي الطويلة عن نشأة التاريخ والية تطوره.
ومن الضروري هنا أن نميز الفرق بين المفهوم الديني عن الجبرية والمفهوم الذي يطرحه علم النفس الحديث، فجبرية الأديان جبرية سماوية، تعتمد على تأثير عامل خارجي منفصل تماماً عن العملية التاريخية، أما قدرية علم النفس الحديث فهي تعتمد على تأثيرات عوامل كامنة في خافية الفرد ومن ثم الذاكرة الجمعية لمجتمع ما، هذه الخافية لا يصنعها أو يحددها إله سماوي أو قوة سحرية خارقة، بل يصنعها عاملين أساسيين هما المجتمع والعمليات التي تدور في نطاقه (الدين والسياسة والإقتصاد... الخ) وعامل ثاني هو البيئة الطبيعية.. وكمثال على تأثير المجتمع نقول، بأن إنسان فقير معدم يؤمن وبشكل مطلق بأن الله هو من يقسم الأرزاق وكل حبة حنطة يأكلها اليوم إنما هي مقسومة له في الأزل، مثل هذا الإنسان قد لا يرى أية مشكلة في الزواج من أربعة نساء وإنجاب 16 طفلاً ليس لهم أية حظوظ في تغذية سليمة وتعليم وتنشأة حضارية، مادام رزقهم في السماء وما يوعدون، ولكن الحقيقة الجلية والوضحة تؤكد لنا بأن مصير هؤلاء الأطفال سيكون حياة بائسة في أفضل التقديرات، هذا إن أسعفهم الحظ ولم يكونوا من سكان الشوارع أو السجون. وكمثال على تأثير العامل البيئي أو الطبيعة، فإن الإنسان الذي يجد نفسه عضواً في قبيلة تسكن في أعماق الصحراء، سيحتاج الى ثورة حقيقية لكي يغير مسار حياته من مربي ماشية الى عامل تقني يدير الة في مصنع كبير.. من هنا تلقي الجبرية العلمية بظلالها على أي تفسير ممكن لالية حركة التاريخ الإنساني، عبر تأثيرها الحاسم على مسار حياة الأفراد.
وعودة الى الموقف الديني من العملية التاريخية نرى بأن الأديان تتوقف غالباً عند كيفية النشوء، وقلما تغامر بالولوج الى مسألة تطور التاريخ والبحث عن الالية التي تحركه، لأن ذلك يتقاطع مع القدرية التي تهيمن على الفكر الديني (الأديان التوحيدية) بشكل عام. فالبحث عن تطور حركة التاريخ حديث مقارنة بتاريخ البحث في نشوء التاريخ، لذا فإننا نرى أن الأديان توظف كماً هائلاً من النصوص حول كيفية النشوء ولكنها لا تعطينا تفسيراً واضحاً حول كيفية التطور.
في الضفة المقابلة نجد أن الشيوعية ورغم كونها علامة فارقة في تاريخ البحث عن نشأة التاريخ وتطوره، والبرغم من أنها جاءت معاصرة للإكتشافات العلمية الهائلة والتي قدمت الكثير من الأجوبة على ما كان يدور في خلد الإنسان عبر تاريخه الطويل، إلا أنها حالها حال الأديان التي حاربتها، أعطت تفسيرآ أحادياً للنشوء، فالأديان قالت الله هو المنشأ والشيوعية قالت الآلة. يبقى أن نقول أن الشيوعية كفكرة متحررة من القدرية السماوية التي لازمت الأديان كانت جرئية في طرح تصورها عن كيفية تطور التاريخ، ولقد نجحت في ملامسة جانب مهم من كيفية تطور التاريخ، ولكنها أخفقت للأسف حين عزت ذلك الى تطور وسائل الأنتاج فحسب.
إذن كلا الدين والشيوعية رغم تضاد الفكرتين إلا إنهما تطابقتا في مسألة إخراج الأنسان خارج المساحة الفاعلة والحاسمة في نشأة التاريخ الأنساني وتطور ذلك التاريخ.. فالإنسان ما هو إلا كائن عاجز لا دور له في نشوء التاريخ وتطوره، غير كونه البيدق الذي يتحرك على رقعة الشطرنج الذي يحرك بيادقه الله الخالق حسب الأديان، أو أن دوره لا يتعدى مساحة الإستجابة لتطور الآلة وتطور وسائل الأنتاج، حسب النظرية الشيوعية.
لنقرء معاً مايلي:
"1 لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ. 2 لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ. 3 لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. 4 لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضِّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. 5 لِتَفْرِيقِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلاِنْفِصَالِ عَنِ الْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ. 6 للْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. 7لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. 8 لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ. 9 فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِمَنْ يَتْعَبُ مِمَّا يَتْعَبُ بِهِ! " العهد القديم ـ جامعة 3: 1-9

" فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ " العهد الجديد ـ متى 5: 18

" مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " القرءان الكريم ـ سورة الحديد:22

"وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً" القرءان الكريم ـ سورة الأحزاب: من الآية38

"ليس وعي الانسان ما يقرر وجوده، بل، على العكس، وجوده المادي هو الذي يقرر وعيه". كارل ماركس.

وبين النقيضين المثالية الدينية والمادية الشيوعية، تبرز يوماً بعد يوم أهمية التفسير الشرقي (الفكر الصيني القديم) حول نشأة التاريخ وحركته. فالصينيون هم أول من اشار وبوضوح الى تفسير حركة التاريخ عبر حركة الثنويات. وعلى العكس من الفكرين الشرقوسطي والغربي، فهم لم يهتموا كثيراً بمسألة النشوء مثلما إهتموا بالية الحركة، فحركة التاريخ في الفكر الصيني القديم حركة أزلية، الدافع فيها ليس عاملاً من خارج نظام الطبيعة، بل من داخلها... هنا النقطة الجوهرية في الطرح الصيني، أي أن الكون كله عبارة عن وحدة واحدة متكاملة، ولا يخرج المحرك (الاله) كما تسميه الأديان التوحيدية أو (قوة السماء) كما يسميه الفكر الصيني القديم خارج هذه الوحدة.
والنقطة المهمة الأخرى هي نجاح الفكر الصيني القديم والى حد بعيد في إيجاد علاقة تعاون بين الثنويات التي ظل الشرقوسطي والغربي يريانها في حالة صراع من أجل البقاء. فالشرقوسطي لم يستطع أن يتخيل الحياة بوجود الموت أو النور بوجود الظلام، وكذلك فعل الغربي. أما الصيني فهو يرى أن الموت مضمور في جوهر الحياة وان الحياة مضمورة في جوهر الموت!! إنها عملية تزويج رائعة وناجحة الى حد بعيد، لذا فإننا نرى اليوم أنه في الوقت الذي فشلت فيه الثنوية الشرقوسطية ووليدتها الغربية، في إيجاد مخرج ملائم للفكر الإنساني من عملية الإنهيار في التوازن المطلوب بين ما هو مثالي وما هو مادي في عصرنا الراهن، والتي يمكننا أن نرجئها وبلا ريب الى تراكمات هذا الفكر القائم على الأضداد المتصارعة (الخير والشر)، والتي أعطتها الأديان التوحيدية الثلاث وخاصة اليهودية والإسلام قوة تدميرية هائلة عبر مزجها بعلاقات طقسية متزمتة.. نرى بأن الفكر الصيني القديم قد تجاوز هذه الإشكالية الخطرة عبر تزويج تلك الأضداد في دورة كاملة ورائعة تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي.. أمام ذلك كله نجد أن الحاجة الى مراجعة الفكر الصيني القديم تلقي بأهميتها أمام عالمنا يوماً بعد يوم.
يذكر فراس سواح في مدخل ترجمته الرائعة لكتاب التاو الصيني (إنجيل الحكمة التاوية) مايلي:
"ويرى كونفيشيوس، وهو أكثر المفكرين تأثيراً في الثقافة الصينية القديمة، إن إرادة السماء إنما تفعل من خلال عناية متضمنة في صلب نظام الطبيعة لا من خارجها. ويقابل هذا النظام الطبيعي، عنده، نظام اخر يسود على المستوى الإنساني في المجتمع، هو القانون الأخلاقي. من هنا فإن إنسجام الفرد مع إرادة السماء الفاعلة في الطبيعة، لن يتحقق إلا بمراعاة النظام الأخلاقي الذي يشكل إنتهاكه خطيئة بحق السماء".

ويذكر سواح في نفس المدخل اختصاراً قيماً حول نظرة الفكر التاوي (الذي يمثل الشق الرئيسي الثاني لمصادر الفكر الصيني القديم، بعد الكونفيشيوسية ) الى الألوهة، فيقول:
"لا يتطابق مفهوم التاو مع أي مفهوم أخر نعرفه عن الألوهة المفارقة، الخالقة للعالم والمتحكمة به عن بعد، ولا مع أي قانون مفروض على العالم من خارجه، بل هو الخميرة الفاعلة في الكون من داخله، والنظام الضمني الذي يدفع صيرورة عمليات الطبيعة".
وينقل فراس سواح في نفس الكتاب أيضاً حواراً مفيداً بين تشوانغ تزو (تلميذ المعلم لاو تسو الذي ينسب اليه كتاب التاو) وبين حكيم كونفوشي يدعى تونغ كاو تزو:
"تونغ كاو تزو سأل تشوانغ تزو: أين يوجد ذاك الذي تدعوه بالتاو؟
فأجاب تشوانغ تزو: إنه في كل مكان.
فقال تونغ كاو: أين بالتحديد؟
فأجاب تشوانغ تزو: إنه في النملة.
فقال تونغ كاو: كيف له أن يوجد في هذه الدرجة السفلى؟
فتابع تشوانغ تزو قائلاً: إنه في بلاطة الأرض هذه.
فقال تونغ كاو: إن هذا لعمري أدهى وأمر.
فتابع تشوانغ تزو قائلاً: إنه حتى في الروث.
وهنا سكت تونغ كاو ولم يجب ببنت شفة.
فأردف تشوانغ تزو شارحاً وجهة نظره: إن أسئلتك هذه لا تنفع في إكتناه جوهر التاو. عليك أن لا تسأل عن أشياء محددة يوجد فيها التاو، لأنه لا وجود لأي شيء بدون التاو".

ويقول سواح أيضاً في معرض شرحه للنقطة السادسة من نص التاو ما يلي:
6ـ يتوافق الأنسان مع الطبيعة من خلال ما يدعوه لاو ـ تسو بـ اللافعل، و، عدم التدخل في مسار الأشياء.

مختصر القول:
لكي يكون بحثنا عن الناموس الحقيقي الفاعل والحاسم في حركة التاريخ بحثاً مثمراً يساهم في بلوغ الفكر الإنساني مساحات جديدة غير مكتشفة من هذه العملية المعقدة والفائقة الأهمية (عملية تطور التاريخ)، علينا أن نعيد الإعتبار الى مفهوم القدرية (الجبرية) على ضوء المعطيات التي خرجت بها أبحاث علم النفس الحديث، وأن لا تكون نقمتنا على المفهوم البائس للجبرية السماوية كما تطرحه الأديان سبباً في إهمال ما صار من بديهيات الخارطة النفسية للإنسان..
وفي المقابل، ولكي نحاول فهم الفرادة والخصوصية التي إتصف بها الفكر الصيني القديم في طرحه وفهمه لحركة التاريخ والية تطوره، علينا أن نجتاز المفاهيم الكلاسيكية (الشرقوسطية والغربية) عن العملية التاريخية، والتي تغذيها الأديان التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) بطريقة فجة، هذه المفاهيم الكلاسيكية التي كانت ولا زالت تشكل الأسباب الرئيسية وراء الكثير من الكوارث الإنسانية التي لولا الصورة المشوهة للعالم في الذهنية الشرقوسطية والغربية والتقسيم الهمجي له الى أضداد متصارعة حتى الفناء، لما حدثت أبداً.
إنها دعوة للإطلاع على التراث الفكري الإنساني للصين القديمة، ومقارنتها بالتراث الفكري الذي لدينا في الشرق الأوسط وصيغته الحديثة هنا في الغرب.. كل هذا لكي يكون فهمنا للتاريخ وتطوره فهماً منطقياً وإنسانياً قبل كل شيء.
 
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe