الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

من الأصولية إلى الأصولوية الإسلاموية


نجيب الخنيزي



تعثر وانتكاسة التجديد والإصلاح الديني في المنطقة العربية/ الإسلامية، يعود في جانب منه إلى غياب أو ضعف وتشوه الحامل (الطبقات الحديثة) الاجتماعي، والطابع المحافظ للرأسمالية الناشئة، بحكم أصولها الإقطاعية أ/ الريفية، ولكونها بالدرجة الأساسية تعمل وسيطا ووكيلا (كمبرادور ) للرأسمالية الغربية، ناهيك عن الموقف السلبي إن لم يكن المعادي للمشروع النهضوي من قبل المؤسسة الدينية الرسمية، ثم الظهور القوي للحركات السلفية والأصولية، وخصوصا حركة الإخوان المسلمين، التي مثلت نكوصا عن فكر الاستنارة والتسامح الديني لرجال النهضة.
غير أن العامل الرئيس في انتكاس المشروع النهضوي يعود إلى فشل الدولة العربية الحديثة بشقيها المحافظ والرايكالي وتحت عناوين (الليبرالية، الإسلامية، القومية، الاشتراكية) مختلفة، في تمثل دولة القانون والمؤسسات كما منعت قيام مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وأعاقت وأفشلت التنمية بأبعادها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الشاملة، ورسخت الاستتباع للغرب الرأسمالي، رغم بعض المحاولات الجدية (التأميم، الإصلاح الزراعي، التصنيع مجانية التعليم ) التي سرعان ما أجهضت على هذا الصعيد، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ أنظمة الاستبداد والديكتاتورية، التي صادرت الدولة والمجتمع في الآن معا، تحت يافطة الثورة، الحزب القائد، القائد الضرورة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وضمن هذا السياق وبذريعة مقاومة المؤامرات الداخلية أو الخارجية لجأت الأنظمة العربية إلى تعليق مواد أساسية في الدستور، أو إفراغه من مضمونه إن وجد، وفي بلدان أخرى لم تكن هناك حاجة لوجود دستور من حيث المبدأ، تحت حجة الخصوصية الدينية والاجتماعية (القران دستورنا). في المحصلة جرى تغييب الشعب، وتقييد ومصادرة حرياته العامة والخاصة، وفرضت قوانين الطوارئ والأحكام العرفية وغيرها من التدابير والقيود الاستثنائية التي أصبحت دائمة على مدى عقود، وحتى وقتنا الحاضر .
لإضفاء المشروعية على ممارساتها لجأت النظم والنخب الحاكمة إلى إعادة تعويم وتفسير الإسلام وإصدار الفتاوى، من خلال سدنته ( المؤسسة الدينية الرسمية) الموظفين لديها، وفقا لمصالحها وديمومة هيمنتها واحتكارها لمقومات السلطة والقوة والثروة. تمثل ذلك في المواقف المتناقضة والمتغيرة للمؤسسة الدينية تبعا لمواقف الأنظمة الحاكمة، والذي هو امتداد عريق وقديم لفقهاء السلاطين التي زخر بها التاريخ العربي/ الإسلامي. المؤسسة الدينية (الأزهر) الرسمية في مصر مثالا ساطعا على ذلك. فقد كانت على الدوام (مع وجود استثناءات فردية مثلها رجال دين متنورون ومستقلون) خير معبر عن إرادة السلطة في كل العهود والنظم (الملكية والجمهورية) التي شهدتها مصر، فقد انحازت إلى القصر أيام الملك فؤاد حين كان يطمح بالخلافة، وحاربت بعنف صدور كتاب الإسلام وأصول الحكم الذي ألفه الشيخ الأزهري علي عبدالرازق ردا على دعوة القصر، لاستعادة الخلافة في شخص الملك فؤاد، ووصل الأمر إلى حد تكفيره وفصله من القضاء. هذه المؤسسة الدينية نفسها أخذت تنحو منحى آخر في المرحلة الناصرية (إثر ثورة 23 يوليو/تموز 1952 ( وخصوصا موقف السلطة الجديدة من محاربة التعددية الحزبية والديمقراطية، حيث جرى الترويج لمقولة المستبد العادل ، وبعد تبني الشعارات الاشتراكية من قبل عبدالناصر، اكتشفت المؤسسة الدينية إلا إنه لا تعارض بين الاشتراكية وبين الإسلام الذي ينص على فكرة العدالة الاجتماعية. أما مع نظام السادات الذي ارتد عن المنجزات الوطنية للحقبة الناصرية (رغم ما أكتنفها من سلبيات وأخطاء بل وجرائم فادحة) فقد جرى الترويج من قبل المؤسسة الدينية ذاتها، للسياسات الجديدة، وخصوصا ما سمي الانفتاح و دولة العلم والإيمان ، وموضوع إنهاء الصراع مع إسرائيل، والصلح والتطبيع معها.
وقس على ذلك . الأمر ذاته ينطبق على المؤسسات الدينية الرسمية في البلدان العربية الأخرى، حيث يخضع توظيف الدين وتفسيره وفقا لإرادة النخب الحاكمة. وفي الواقع فقد نشأ تحالف مصلحي (دائم أو مؤقت) ومواقف مشتركة بين الأنظمة الحاكمة، والمؤسسات الدينية الرسمية، والحركات الأصولية والسلفية الإسلامية، خصوصا إزاء قضايا حاسمة مثل الديمقراطية والحريات العامة والخاصة، والوقوف ضد نفوذ وتأثير التيارات المعارضة (وفقا لطبيعة هذا النظام أو ذك) التي قد تكون ليبرالية أو قومية أو يسارية، أو مزيجا من كل ذلك، ولم يحدث قطع أو توتر بينهما، إلا في حال بروز تطلعات وأهداف وتهديدات راديكالية من قبل الحركات الأصولية / السلفية.
ولنأخذ مرة أخرى مصر مثالا على ذلك، ففي العهد الملكي غض القصر النظر، بل رعى حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها وتغلغلها في المجتمع المصري، وذلك وفقا لمصالحه وحساباته الخاصة، ولم يحدث الصدام بين حركة الإخوان المسلمين والقصر، إلا حين شن الجهاز الخاص السري التابع لها، سلسلة من الأعمال الإرهابية التي شملت اغتيال عدد من الشخصيات السياسية ورجال القضاء وتفجير دور السينما وإحراق المسارح ومحلات التسجيلات الغنائية الصوتية في القاهرة. وبعد أربعة أشهر على قيام ثورة 23 يوليو/تموز صدر قانون حل الأحزاب في يناير/كانون الثاني سنة ,1953 واستثني القانون منه حركة الإخوان المسلمين بحجة إنها ليست حركة سياسية وإنما جماعة دعوية دينية. كما اصدر مجلس قيادة الثورة قراراً خاصاً بالعفو الشامل عن كافة المعتقلين السياسيين ( باستثناء الشيوعيين) وجلهم من الإخوان المسلمين، كما قامت الثورة بتقديم خصم الإخوان التاريخي إبراهيم عبد الهادي باشا إلى المحاكمة بتهمة سجن وتعذيب الإخوان المسلمين . وفي المقابل أصدر مجلس قيادة الثورة عفواً خاصاً عن قتلة المستشار احمد الخازندار من أعضاء الجهاز الخاص للإخوان المسلمين وعن بقية المسجونين في قضية اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا، بالإضافة إلى العفو عن المحكوم عليهم في قضية إحراق مدرسة الخديوية الثانوية للبنات من قبل المتشددين في جماعة الإخوان المسلمين. وفي أول حكومة تشكلت برئاسة محمد نجيب حدد للإخوان اثنتان من الحقائب الوزارية رشح لها الشيخ احمد حسن الباقوري عضو مكتب الإرشاد وأحمد حسني. غير أن شهر العسل سرعان ما انتهى وحدث الصدام الحاد بين النظام الجديد وحركة الإخوان المسلمين.
 
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe