الأحد، 6 ديسمبر 2009

إيريكو مالاتيستا : ضد الجمعية التأسيسية كما ضد الديكتاتورية

ترجمة مازن كم الماز


ليكن هذا واضحا تماما . أنا لست مؤيدا لنظرية "كل شيء أو لا شيء" . إنني أعتقد أنه لا يوجد أحد يتصرف وفق الطريقة التي تفترضها هذه النظرية : إن هذا سيكون مستحيلا .
إنها فقط شعار يستخدمه الكثيرون للتحذير من وهم الإصلاحات الصغيرة و التنازلات المزعومة من الحكومة و السادة، و للتذكير دوما بضرورة و إلحاح العمل الثوري : إنها عبارة يمكنها أن تخدم، إذا فسرت بشكل فضفاض، كحافز للنضال دون هوادة ضد أي نوع من المستبدين و المستغلين . لكنها إذا أخذت بحرفية هراء واضح .
"كل شيء" هو المثال الذي يمضي أبعد و أوسع عندما يطرأ التقدم، و لذلك لا يمكن بلوغه أبدا . أما "لا شيء" فيمكن أن يكون دولة غير متحضرة على النمط القديم، أو على الأقل الخضوع المنبطح أمام القمع الراهن . إنني أعتقد أنه على المرء أن يأخذ كل ما يمكن أخذه، سواء أكان كثيرا أو قليلا : افعل كل ما هو ممكن اليوم، بينما تواصل النضال لتجعل ممكنا ما يبدو مستحيلا اليوم .
مثلا، إذا لم نكن اليوم قادرين على التخلص من كل شكل من أشكال التحكم، فإن هذا ليس سببا جيدا لنفقد الاهتمام بالدفاع عن القلة من الحريات التي جرى الفوز بها و النضال للفوز بالمزيد منها . إذا لم نكن اليوم قادرين على إلغاء النظام الرأسمالي تماما و الاستغلال الناتج الواقع على العمال، فإن هذا ليس سببا للتوقف عن النضال في سبيل أجور أعلى و ظروف عمل أحسن . إذا لم نكن قادرين على إلغاء التجارة و استبدالها بالتبادل المباشر بين المنتجين ، فإن هذا ليس سببا كيلا نسعى إلى طرق للتخلص من استغلال التجار و المستغلين بأقصى ما يمكن . و إذا كانت سلطة المستغلين و حالة الرأي العام اليوم تحول دون إلغاء السجون و توفير أي نوع من الدفاع ضد مرتكبي الآثام بوسائل أكثر إنسانية، ألا نفقد بسبب هذا الرغبة في العمل لإلغاء عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة، و الحبس الاحتياطي، و عموما الوسائل الأكثر شرا للقمع التي يبلغ فيها ما يسمى بالعدل الاجتماعي إلى مستوى الانتقام البربري بالفعل . إذا لم نكن قادرين على إلغاء الشرطة، فلا يجب علينا لذلك أن نسمح، دون احتجاج أو مقاومة، للشرطة بضرب المساجين و أن يبيحوا لأنفسهم كل أنواع الإفراط، متجاوزين الحدود التي تضعها لهم نفس تلك القوانين سارية المفعول التي "يدافعون عنها"…
إنني أتوقف هنا، لأن هناك آلاف و آلاف القضايا، سواء في الحياة الفردية و الاجتماعية، مع كوننا غير قادرين على تحقيق "كل شيء"، يجب على المرء أن يحاول و أن يحقق أكثر ما يمكنه .
عند هذه النقطة، تطرح قضية الأهمية الأساسية عن أفضل الطرق للدفاع عما حققه أحدنا و النضال لتحقيق المزيد، لأن هذه إحدى الطرق لإضعاف و قتل روح الاستقلال و وعي المرء بحقوقه، مهددة بذلك المستقبل و الحاضر نفسه، فيما توجد هناك طريقة أخرى تستخدم كل نصر محدود لصياغة مطالب أكبر، معدة بذلك العقول و البيئة للانعتاق الكامل الأبعد .
الذي يشكل جوهر الأناركية المميز هو القناعة بأن كل الحكومات – الديكتاتوريات ، البرلمانات، الخ – هي دائما أدوات للمحافظة، الرجعية، القمع، أما الحرية، العدالة و خير كل إنسان فيجب أن تأتي من النضال ضد السلطة، من الشراكة الحرة و الاتفاق الحر بين الأفراد و المجموعات .
هناك مشكلة واحدة تقلق الكثير من الأناركيين هذه الأيام و ذلك عن حق . فعندما يجدون أنه من غير الكافي القيام بدعاية مجردة و التحضير الثوري التقني، الذي هو غير ممكن دائما و الذي يجري القيام به دون معرفة متى يمكنها أن تصبح مثمرة، فإنهم يبحثون عن شيء عملي ليفعلوه هنا و الآن، لكي ينجزوا أكثر ما يمكن من أفكارهم ، رغم الظروف غير المواتية، شيء ما يساعد الأناركيين أنفسهم أخلاقيا و ماديا و في نفس الوقت يخدم كمثال، مدرسة، حقل تجريبي .
تأتي الاقتراحات العملية من عدة جهات . إنها كلها جيدة بالنسبة لي، إذا ما اعتمدت على المبادرة الحرة و روح التضامن و العدالة، و تتجه إلى إبعاد الأفراد عن هيمنة الحكومة و السادة . و كيلا نضيع الوقت في مناقشات مكررة بشكل دائم و التي لن تأتي بحقائق أو مناقشات جديدة، فإنني أشجع أولئك الذين يمتلكون مشروعا ليحاولوا تطبيقه فورا، ما أن يجدوا الدعم من العدد الأدنى الضروري من المشاركين، دون انتظار دعم الجميع أو الأكثرية، الذي هو عادة دون جدوى : ستظهر التجربة فيم إذا كانت هذه المشاريع قابلة للتنفيذ و ستسمح لتلك القادرة على الحياة بالاستمرار و النمو .
ليجرب كل واحد السبل التي يعتبرها الأفضل و الأنسب لأوضاعه، سواء اليوم مع اعتبار تلك الأشياء الصغيرة التي يمكن إنجازها في البيئة الحاضرة، أو غدا في الأرض الهائلة التي ستقدمها الثورة لنشاطنا . في أي حال ما هو ضروري بشكل منطقي لنا جميعا إذا لم نرد أن نتوقف عن أن نكون أناركيين بالفعل، هو ألا نسلم حريتنا أبدا لأيدي ديكتاتورية فردية أو طبقية، طاغية أو جمعية تأسيسية، لأن ما يعتمد علينا، هو أنه يجب على حريتنا أن تجد أساسها في الحرية المتساوية للجميع .

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe