الأحد، 6 ديسمبر 2009

الإيمان والوهم

٢٠٠٩بقلم محمد شرينة

ما نريد أن نحاربه هو التعصب والكراهية، أصل كل شر أن أبيح لنفسي ما أمنعك منه، أن لا أعاملك كما أحب أن تعاملني، بقليل من العقل يستطيع المسلم الحكيم الذي يعلم أن الله لو شاء لهدى الناس جميعا؛ كان يمكن أن يهدي الذين يعتبرهم ضالين وأن الله الذي يضل من يشاء يستطيع أن يجعله هو الضال.فلو حدث ذلك هل كان يحب أن يعاملوه بنفس الطريقة التي يعاملهم بها؟
نحن لا نريد أن نحارب أماني الناس ولا حتى أوهامهم فمن قال أننا إذا بددنا كل الوهم الذي في هذه الحياة يبقى شيئا!
لا أشك أن الإنسان يحتاج إلى الوهم كحاجته إلى الحقيقة إذا أراد أن يعيش حياة طبيعية، إن لم يكن أكثر؛ لكنني متأكد أن حياته تكون أطيب كلما قل كم التعصب والكراهية فيها. كما أنني متأكد من أن الأوهام هي الأخرى درجات، بعض الناس يعتبر الحياة على هذه الأرض مجرد وهم وحتى لو سلمنا بذلك فهي وهم من الدرجة الأولى، وبالتالي فليس من الحكمة إضاعتها من أجل حياة أخرى لأننا لو سلمنا بوجود تلك الحياة فهي أيضا ستكون وهم ووهم من درجة اقل من درجة الحياة.

كل المشاعر تعمل كوقود للنفس البشرية بما فيه الكره، بل قد يكون الكره أقواها فالكره في العمق ليس إلا حبا متطرفا. لكن الكره يتميز بأنه الوقود الذي يشل الإنسان تماما عن العمل، بل لا يمكن للكره أن يستحكم بأي شخص مازال لديه قدرة على أي نوع من العمل. الكره يجعل الناس يكرهون وفقط، أتدري ما هو الكره انه ذلك الإنسان الذي فرارا من البرد أو من الحشرات أضرم النار بمنزله أو بنفسه، الطاقة المتأتية من الكره تتولد من إحراق المرء لنفسه.

انه لمنتهى الذل وغاية الخيانة، أن نسمح لأخينا المبشر، قديسا كان أم معلما أم نبيا، أن ينكح أمنا الحقيقة، أمنا عقل الوجود، محتلا مكان أبانا الله فيخبرنا هو فقط ما الحق وما الباطل.
ليس لنا سوى أب واحد هو الله وأمنا ليست زانية، ولا هي تضاجع أولادها. لا يمكن لأي من أخوتنا مهما علا قدره وعظم علمه أن يكون زوجا لأمنا الحقيقة التي هي زوجة الرب وذات الرب الذي ليس له زوجة ولا ولد ولا نائب ولا ممثل. لا يمكن لهذا الأخ أن يقول لنا يا أبناء الله أنا أتحدث باسم الله، فهل هو الله؟ أم أنه ابن الله ونحن لسنا كذلك؟
لا الأولى ولا الثانية هو قطعا ليس الله ونحن قطعا أبناء الله مثله.

من تمام الحكمة أن لا يكون المرء كامل العقل فيترك للهوى في نفسه نصيب. أن يحب امرأة أو إيمان أو وطن، وكل حب هو ليس من العقل. ولكن أصل الحكمة أن لا يبلغ هذا الحب مقدارا يتعارض مع جوهر العقل. ومن تمام السعادة أن يجتنب المرء شيئا يشتهيه. لأنه لا تزال هناك سعادة ما دامت هناك لذة؛ ولا تزال اللذة موجودة ما دامت الشهوة لم تستوفى. فإذا استوفى المرء كل شهواته، يُخشى أن لا يشتهي من دنياه شيئا وبالتالي لا يلتذ بشيء ولا يسعد بشيء، فيصير ميتا يحس ويفكر. والموت ليس صعبا إذا مت فأنت لا تحس ولا تفكر. أما الذي يحس ويفكر وقد فقد الحياة بفقدان طعمها فهو في أسوء حالة يمكن تصورها. انه لن يجرؤ على الموت لأنه يتخيل طعما للموت أسوء من الموت، وليس هو بقادر على الحياة.

كثرا ما أخبرني عن رؤى ليلية(أحلام) أسعدته، ولم يحصل معي ذلك فحتى تكون مؤمنا يجب أن يكون من الممكن للأوهام أن تنسيك الوقائع.

لا أظن أن في العالم حقائق وأوهام ولكن كل ما في الأمر أنه هناك أوهام من الدرجة الأولى وأوهام من الدرجة الثانية، أو حقائق من الدرجة الثانية وحقائق من الدرجة الأولى.
وبالتالي فالعلم هو وهم يتفق عليه كل الناس، هو وهم إنساني عمومي بينما الإيمان وهم شخصي يتوهمه كل فرد بطريقته الخاصة. لذلك فالملكة الأكثر ضرورة للإنسان ليست العقل أو الذكاء ودرجة المعرفة العلمية فلا أحد يعتقد أن الهنود كانوا أكثر معرفة من الألمان النازيين والروس الستالينيين الذين قتلوا عشرات الملايين من البشر، الملكة الأهم هي التواضع وعدم الغرق في تقديس الذات أو العشيرة أو الفكر أو الأمة التي تنتمي إليها الذات.

ليس حب الدنيا هو الخداع فلو سلمنا أن الدنيا وهم، فما ذا تكون الآخرة أليست خيال تخيلناه بينما نعيش وهم الدنيا؟ فهي خيال الوهم. إن الخداع هو حب السراب الذي نحب أن نشرب منه ولكنه يزيدنا عطشا. لأن كل ما في الأمر هو:
إذا كان لا بد من الحديث عن أوهام وحقائق في هذا العالم، وهذا ممكن؛ فانه من غير الممكن أن نهتم للصورة التي في المرآة أكثر من اهتمامنا للأصل وهو صاحب الصورة الذي يقف أمام المرآة؛ حتى لو ادعينا أن الأصل ذاته مجرد وهم. لأنه إذا صدق ادعاؤنا يكون لدينا عندها شيئين: الوهم الأصلي وخيال الوهم. مما يجعل حياتنا الدنيا، هذه الحياة التي نعيشها في كل الأحوال أهم من أي خيال آخر نتخيله. مما يعني أنه لا بأس بأي وهم يجعل هذه الحياة أفضل ولكن ليس يُلغيها مما يجعلنا نحصل على لا شيء.

بعض الأشياء نفكر بعملها طوال حياتنا وتنتهي الحياة دون أن نعملها، هناك قاعدة تقول أنه: عندما تتاح لك الفرصة الأولى لعمل شيء تفكر في عمله أو ترغب فيه، ثم تؤجل ذلك فهناك احتمال كبير أن تنتهي حياتك دون أن تعمل ذلك.
والقاعدة الثانية تقول أن فرصتك في انجاز العمل هو واحد مقسوم على واحد زائد عدد مرات التأجيل.

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe