الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

لماذا انتكس مشروع التنوير؟

لماذا انتكس مشروع التنوير؟ 


نجيب الخنيزي

 

 

 

 

يثار هنا العديد من الأسئلة منها: لماذا فشل وانتكس فكر التنوير ومشروع النهضة العربية منذ نشوئه في أواسط القرن التاسع عشر؟ ولماذا نجحت مشاريع مجايلة له أو لاحقة عليه في مناطق ومجتمعات أخرى من العالم؟ وهل هناك إمكانية لاستئناف ذلك المشروع من جديد في مفاصله الأساسية الحاسمة ضمن بيئة وظروف داخلية وخارجية مغايرة ومعقدة؟ يعزو البعض سبب فشل المشروع النهضوي يعود إلى عوامل خارجية، تتمثل بنظرية المؤامرة، مثل القضاء على الخلافة التركية، وهيمنة الاستعمار والإمبريالية لاحقا، فيما يعزو آخرون السبب، إلى عدم جذريته في إحداث قطيعة مع الماضي والتراث، وفشله في تمثل قيم الحضارة الغربية والأخذ بمستلزمات الحداثة والمدنية المعاصرة في مفاصلها (الحرية، المساواة، العقلانية، العلمانية، المواطنة) الأساسية.
قبل كل شيء نشير إلى تعثر جهود الإصلاح الديني في المجتمعات العربية، الذي حمل لواءه وعمل على ترسيخه الرواد الأوائل من علماء الدين المصلحين، ممن قاموا بترهين الفكر الديني، وفقا لمتطلبات الحياة والزمن والواقع المعاش.
من منطلق مصالحة الدين مع منجزات ومكونات الحضارة المعاصرة، وخصوصا دعوتهم إلى تبني مبادئ العقلانية والحداثة في التعليم والتربية والإنتاج والإدارة والقضاء والسياسة والموقف من حقوق المرأة، غير أن تلك الجهود سرعان ما تبعثرت بعد غيابهم، خصوصا مع إفتقاد الحامل والتكوين الاجتماعي الداخلي الحديث الذي يسنده، وعجز النخب الدينية والفكرية العربية عن متابعة إرثهم، وفي توليد نسق من المفاهيم والمقولات الجديدة التي تستجيب لخصائص وظروف تشكل وتطور المجتمعات العربية، لذا ظلت أسيرة الهروب إلى الموروث والتراث السلفي/ الماضوي، وإسقاطه التعسفي على الحاضر، أو الهروب إلى الآخر (الغرب) ومحاولة الذوبان والاندماج فيه، وفرض تجربته (التي لها سياقاتها التاريخية والموضوعية المختلفة) في تفاصيلها على الواقع العربي المغاير، كما فشلت محاولة التوفيق والتلفيق ما بين الحفاظ على مكونات الهوية والتراث من جهة، وبين النقل الانتقائي والسطحي لمظاهر تقدم ونهضة وحداثة الغرب من جهة أخرى.
كل ذلك أفرز وضعا هجينا على المستوى الحضاري والاجتماعي والثقافي والنفسي، يتمثل في سيادة المجتمع الأبوي المستحدث الذي يعبر عنه في تكريس التسلط والاستبداد، وغياب أو تغييب مفاهيم وقيم إنسانية كونية عامة، أصبحت إلى حد كبير ملزمة وراسخة في معظم أنحاء المعمورة كالحرية والديمقراطية والعدالة والتعددية وحقوق الإنسان، وبالطبع لا يمكن إغفال العوامل الداخلية الأخرى الكامنة في المجتمعات العربية والتي تتمثل في أنساقها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التقليدية السائدة، التي تتسم بالتخلف والانقسام والانفصام، وهيمنة الفكر الأسطوري التأملي، ورسوخ العادات والتقاليد البالية ، وقيم القبيلة والعشيرة والطائفة، وشيوع اقتصادات ريعية ونشاطات طفيلية وهامشية غير منتجة، ناهيك عن الفشل الذريع للنخب العربية التقليدية أو الحديثة على اختلاف مكوناتها ، رغم تأثيرها الإيجابي ومساهماتها الملموسة في بعض المراحل ، وخصوصا إبان مرحلة النضال ضد هيمنة الاستعمار والتمدد الصهيوني في الخارج ومن أجل العدالة والحرية في داخل مجتمعاتها، غير أنها سرعان ما انشغلت تلك الجماعات بصراعاتها العبثية، في ما بينها وفي داخلها. القوى الوطنية و القومية التي استولت على السلطة عن طريق الثورات الشعبية ( الجزائر اليمن الجنوبي ) أو الإنقلابات العسكرية ( مصر ، العراق ، سوريا ، اليمن ، السودان ، ليبيا ) مع إنها حققت بعض المنجزات على صعيدي التحرر من الإستعمار والهيمنة الأجنبية ، و وتدشين بعض الإصلاحات الإقتصادية / الإجتماعية بمساعدة ملموسة من قبل الإتحاد السوفيتي و المعسكر الإشتراكي آنذاك، غير إنها فشلت في بناء دولة القانون والمؤسسات، وعملت على تكريس هيمنتها على مقاليد السلطة والقوة والثروة، ومصادرة وابتلاع الدولة والمجتمع في الآن معا، كما أخفقت في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة بكافة أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وهو ما تمثلت نتائجه على نحو ساطع في هزيمة العرب في حرب حزيران ( يونيو ) العام .1967
التخلف الحضاري الذي تعيشه المجتمعات العربية، يتميز بخاصيتين هما غياب العقلانية في الرؤيا والممارسة، والشلل وعدم القدرة على الفعل وتحقيق الأهداف المستقبلية الموضوعية. لدى التطرق إلى ماهية التخلف وأسبابه وسبل مواجهته وتجاوزه، لا بد من استنبات رؤية وطريقة تفكير ولغة جديدة تقارب الواقع المعيوش ، وتكون أداة كاشفة له، مما يفترض بالضرورة الابتعاد عن طرق التفكيرالإرادوية ، واللغة المجازية والمخاتلة التي تحجب وتغطي الواقع وتعمل على تعتيمه، و بالتالي العمل على توليد نسق من المفاهيم والمقولات الجديدة التي تستجيب لخصائص وظروف واحتياجات المجتمعات العربية، في بناء دولة القانون والمؤسسات، وترسيخ قيم الحرية والعدالة، وتأكيد المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وفي التنمية الشاملة والمستدامة . هذه المهام الصعبة و المعقدة ، لكن غير المستحيلة ، تخص الجميع ( الدولة والمجتمع والنخب والفرد) بغض النظر عن مكوناتهم الاجتماعية أو منحدراتهم المناطقية والمذهبية أو توجهاتهم السياسية والفكرية والثقافية.
 

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe