السبت، 31 أكتوبر 2009

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة الحادية عشرة

رياض الحبيّب
r_hbeyyib@hotmail.com 




تناولت في الحلقات العشر الماضية موضوع تأليف القرآن مركّزاً على مراعاة مؤلِّف القرآن الفواصلَ ما بين الآيات القرآنية والذي أكّد عليه أديب العراق الكبير معروف الرصافي في كتابه “الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس” بأنّ (مؤلِّف القرآن كان يراعي الفواصل ما بين الآيات كلّ المراعاة ويعتني بها كلّ الإعتناء، لأنها هي الطابع الذي امتاز بها أسلوبه. ولا يُنكَر أنّ عنايته بالفواصل قد جاءت بكثير من المحاسن، ولكنها مع ذلك لم تخل أحياناً ممّا يُعاب) وقد ضرب الرصافي أمثلة متنوّعة على وسائل مراعاة الفواصل والتي قمت بإيرادها تفصيليّاً مع تحليلات الرصافي وتالياً تعليقاتي.
والهدف في هذا البحث المُقتضَب- قدر الإمكان- هو إثبات القرآن كتاباً من تأليف محمّد غير مُوحىً به من الله- إله أهل الكتاب، ذلك لأهداف سياسية باستغلال العامل الديني المبنيّ على فرض منطق الغيب بالقوّة، لأنّ منطق العقليّة المحمّدية وحده قد فشل في المهمّة بسبب خلوّه تماماً من الحجّة المعجزية اللازمة لإقناع الناس بوجود رسالة جديدة من الله أو بنزول دين جديد.
ومع أنّ تلكم الحلقات كانت كافية ووافية، بعدما حظِيتْ بالقبول من ذوي الإهتمام وبالرضا من أصحاب التخصص، فقد آثرت الإستمرار لتفنيد البلاغة القرآنية كآخر حجّة لدى المُفلسين من الردود السليمة على ما تقدّم من عرض، ممهّداً له- كما مهّد الرصافي- بمواضيع تعتبر أساسية ومنها:
هل سقط شيء من القرآن عند جمعه؟ أي حرق المصاحف القرآنية والمُسقط من القرآن (أي المحذوف) والمُنسى والضائع، ما يؤكّد على أن ربّ القرآن لم يتمكن من حفظ كلامه الذي زعم بأنه (في لوح محفوظ- البروج: 22) وامّا المنسوخ فيدلّ على التغيير والتبديل والإختلاف ممّا أقرّ القرآن بوجوده في البقرة: 106 (ما ننسخْ من آية أو نُنسِها نأتِ بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) حتى أنّ القرآن ذاته قد أعطى الإشارة بأنه ليس من عند الله! وقد ورد الدليل في سورة النساء: 82 (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) والجدير ذكره عن الآية 106 في البقرة هو أنّ الله القدير قادرٌ على أن يأتيَ [من البداية] بخير منها لأنه علّام الغيوب، أمّا أن يأتي [بعدئذ] بمثلها فتبرير واضح لمسائل أبرزها: 1 نسيان محمد الآيات التي تلا على أصحابه 2 عدم تماشي فواصلها مع أسلوب القرآن 3 رغبته في تغيير رأيه الوارد في نصوص الآيات أي مضامينها! وفي نهاية الحلقة العاشرة ذكرتُ بأني سأتناول تساؤل الرصافي المشروع: هل القرآن مُنزل من السماء؟


قال الرصافي في الصفحة 583 من كتابه بأنّ القرآن استعمل عبارات النزول والإنزال والتنزيل كقوله في سورة الشعراء: 193 (نزل به الروح الأمين) والبقرة: 185 (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) والإسراء 106 (ونزّلناه تنزيلا) فتساءل: (ماذا يُراد بهذه العبارات، وهل الكلام الموحى به إلى محمد نازل من فوق، أي من جهة عالية إلى جهة سافلة؟) انتهى

وقد مهّد الرصافي للجواب على هذه الأسئلة، لكني أوجزت تمهيده وأضفت عليه- باختصار وتبسيط- كما ورد في مقالتي السابقة “من أوراق العراق- سادساً” بالقول:
لا جهة فوق القطب الشمالي للأرض- مثالاً- لتدعى مشرقاً ولا أخرى لتدعى مغرباً، إنما بدا لي العالم كلّه تحت الأفق، لأنّ الأرض كرويّة- تقريباً- أمّا الجهات فنسبيّة وأمّا خطوط الطول وخطوط العرض فافتراضيّة ولا وجود لها إلّا في الخرائط ووسائل الدراسات والبحوث. أمّا من جهة العلوّ؛ تدور الأرض في مدار-ات هي الأبعد عن الشمس من مدار-ات الزّهَرَة، وهي الأقرب إلى الشمس من مدار-ات المريخ، فمنْ يقفْ على سطح الزهرة يَرَ الأرض في السماء وكذلك الذي يقف على سطح المرّيخ، وهذه الكواكب جميعاً تسبح في الكون والأرض جزء من الكون فلا يوجد شيء أعلى ولا أسفل لأنّ هذه المسائل نسبية!

وأردف الرصافي {المتوفى سنة 1945} أي قبل طيران أوّل إنسان- يوري گاگارين- إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض في 12 أبريل1961 على متن مركبة الفضاء السوفيتية (فوستوك1) في الصفحة 584:
(ولذلك، أي لعدم قدرتنا على الخروج من عالمنا الأرضي، نرى الشمس فوقنا دائماً وأبداً وليست هي في الحقيقة فوقنا ولا تحتنا، إنما الأرض التي نحن على ظهرها تظهر لنا الشمس في النهار وتحجبها عنا في الليل بسبب حركتها المحورية، وذلك أن الأرض في أثناء دورانها على محورها يكون من جرّاء كرويتها نصفها متجهاً إلى الشمس فتظهر الشمس لمن هم على هذا النصف المتجه إليها فيكون النهار في هذا النصف، ويكون الليل في النصف الآخر. ثم يزول بحركة الأرض هذا الاتجاه رويداً رويداً حتى يتجه النصف الآخر إلى الشمس فتظهر لأهله ويكون الليل في النصف الثاني. فإذا كان ما قرره علم الفلك صحيحاً فليس للشمس طلوع ولا غروب، وليس في الأرض شرق ولا غرب، إنما هذه أمور تقع ظاهرة بالنسبة إلينا وناشئة من حركة الأرض على محورها ليس إلّا! فبالنظر إلى هذا تنعدم الجهات وإنما وجودها نسبي لا وجود لها في الحقيقة. أما الحقيقة الثابتة فهي الوجود الكلي المطلق اللانهائي {أي الله} الذي هو أعظم من أن تحيط به جهة دون جهة وأجلّ من أن يضمّه خير دون خير، فهذا الفضاء اللانهائي تسبح فيه هذه الأجرام التي لا يعلم عددها إلا الله ومنها الأرض التي نحن فيها، وكلها جارية في نشوئها واندثارها على نواميس طبيعية لا تقبل التعديل ولا التغيير. ويعبّر أهل الأديان عن هذه النواميس بقدرة الله، وهو تعبير عاجز يحوم حول الحقيقة ولا يستطيع أن يقرب منها، فخالق الكائنات الأعظم أجلّ وأعظم مما قاله عنه أنبياء البشر وأجلّ وأعظم مما نسبوه إليه) انتهى.

[تعليقي: علمتُ من كتاب الرصافي بأنه مؤمن بوجود الله واصفاً إيّاه بالحقيقة المطلقة اللانهائية، أمّا الأديان عنده فقد أصبحت من الخرافات- في ضوء تبحّره بالإسلام لا غير]

أمّا جواب الرصافي على ما تقدّم:
لقد تعودنا أننا إذا أردنا أن نعظم شيئاً أو أحداً نسبناه إلى العلو ووصفناه بالعالي، وإن كان ذلك الشيء من الأعراض التي لا تقوم ولا تنتقل بنفسها من مكان إلى مكان، وإنما تعودنا ذلك لأننا في حياتنا الفانية نرى العلوّ عزاً، ونرى العالي عزيزاً لا ينقاد وصعباًً لا ينال. والنزول في اللغة العربية يستعمل ضد الصعود، فحصوله يستلزم انتقالاً من جهة عالية إلى جهة سافلة، وبعبارة أخرى من فوق إلى تحت، ولكنْ قد نستعمله لمجرد التعظيم وإن لم يكن هناك علوّ ولا سفل، كما قد وصفنا الله بالعالي والمتعالي لمجرد التعظيم، مع أن الله مُنزّه عن أن يكون في جهة دون جهة، ومُنزه أن يكون في مكان دون مكان، فتعبير القرآن بالنزول والإنزال في الكلام الموحى به من الله لا يقصد به إلا التعظيم والتشريف جرياً على ما تعوّده الناس من نسبتهم الشيء إلى العلو إذا أرادوا تعظيمه وتشريفه، لأن الله عظيم واجب التعظيم، فإن الآتي منه يستوجب التعظيم أيضاً، فنسب إلى العلوّ كما نسب الله أيضاً، فعبّر عن حصول الوحي بالنزول أو الإنزال.

وتأييداً لهذا نتكلم عن بعض ما قاله القوم في هذا الباب: إن للقرآن اصطلاحات خاصة في استعمال الكلمات، فقد خرج في كثير من الألفاظ عن معانيها اللغوية إلى معان أخرى خاصة به كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها، وكذلك النزول والإنزال. فقد ورد الإنزال في القرآن على وجه لا يستلزم هبوطاً من علوّ إلى سفل، إذ جاء استعماله في أمور كائنة في الأرض ولم تهبط من السماء كقوله في سورة الحديد: 25 (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) وفي سورة الأعراف: 26 (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم) وفي سورة الزمر: 6 (وأنزل عليكم من الأنعام ثمانية أزواج) ولا ريب أن الحديد واللباس والأنعام كلها من الأشياء الكائنة في الأرض، فالإنزال هنا بمعنى الخلق، وإنما عبر عن خلقها بالإنزال للتعظيم. واعتيد تصور الخالق عالياً للتعظيم أيضاً، فاستعمال الإنزال في هذه الأمور قد يكون استعمالاً مجازياً أو هو اصطلاح قرآني خارج عن المعنى اللغوي لغرض من الأغراض البيانية. ولا ريب أن العالي إذا أعطى أحداً شيئاً كان عطاؤه إنزالاً إلى المُعطى له. فإذا كان علوّه اعتبارياً لا مكانياً كان إنزاله اعتبارياً أيضاً لا حقيقياً. وكذلك يقال في قوله في سورة الفتح: 4 (وهو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) أي جعلها في قلوبهم، وقوله في الأعراف: 160 (وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى) أي رزقناهم المنّ والسلوى أو أوجدنا لهم المن والسلوى، وقوله في سورة القصص: 24 (ربّ إني لما أنزلت إلي من خير فقير) أي لما أعطيتني من خير أو لما يسّرت لي وهيّأت من خير، إلى غير ذلك من الآيات التي لم يكن عدوله فيها إلى التعبير بالإنزال إلا لتعظيم الله الذي لم تكن هذه المنزلات إلا منه أي بأمره وإرادته. فلماذا لا يكون إنزال القرآن من هذا القبيل أيضاً، بأن يكون بمعنى الإلهام؟ وإنما عبّر عنه بالإنزال تعظيماً للملهم، خصوصاً إذا قلنا بأن القرآن هو المعاني لا الألفاظ- كما ذهب إليه فريق من علماء الإسلام، حتى أن أبا حنيفة قال بصحة صلاة من قرأ في صلاته القرآن بالفارسية! فمعنى قولنا: إن الله أنزل القرآن على النبي محمد أنه ألهم معانيه، ثم عبّر النبي عن تلك المعاني بألفاظ عربية وقرأها على الناس. ولا ينبغي للمؤمن بالله حق الإيمان إن كان محترماً للعقل ومخلصاً في الإيمان أن يخرج بإنزال القرآن عن حد هذا المعنى! وقد ذهب إليه فريق من علماء دين الإسلام من الذين يحترمون عقولهم ويخلصون لله إيمانهم.

[تعليقي: ما تقدّم من كلام الرصافي يدلّ على نفي وجود جبريل كواسطة بين الله وبين محمد، أي انّ الله ألهم محمّداً بالقرآن خلال خلوته في غار حراء للتفكير بما أوتي من خيال واسع وقويّ- ولا دخل لجبريل بالأمر- فقرّر في الليلة التي أسماها القدر، في شهر رمضان، بتأليفه مفصّلاً في خلال حياته التي استمرت ثلاثاً وعشرين سنة- قضى اثنتي عشرة سنة منها بمكة وإحدى عشرة بالمدينة- وما كان عليه سوى القيام بصياغته بأسلوبه لجعله قرآناً يُقرأ ويُحفَظ في الصدور؛ ليس كما الشعر لأنّ محمداً سيُعدّ شاعراً شأنه شأن شعراء الجاهلية، وليس كما سجع الكهّان لأنّ شأنه يصبح شأن أي كاهن!- راجع باب القرآن ص 551 في كتاب الرصافي- وهذه هي الواسطة التي تقوم بها الدعوة أي الصور الكلامية المصاغة والمسبوكة. ونفي وجود جبريل يتنافى مع الآية 97 من سورة البقرة (قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) علماً أنّ جبريل لم يُذكر بالإسم في القرآن إلّا في الآية المذكورة والتي تلتها وفي الآية المرقمة 4 في سورة التحريم وأنّ هاتين السورتين مدنيتان. ولقد أجبت في إحدى الحلقات على جنس الملائكة- وهو النار قرآنيّاً- ومنهم جبريل فقلت أنّه من جنس إبليس وسائر الجنّ وأعيد كتابة الدليل القاطع كما ورد في سورة الأعراف:
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (١١)
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين (١٢)
فلا فرق ما بين الملائكة سوى أنّ إبليس لم يكن من الساجدين لآدم، إذاً جبريل مخلوق من نار، بهذه النتيجة لا يمكن لمحمد أنْ يميّز ما بين جبريل وبين إبليس لأنّ كليهما مخلوقان من نار! أمّا الله فهو (نور السماوات والأرض- سورة النور: 35) وأمّا آدم فمخلوق من طين. وبالعودة إلى سورة الشعراء: 193 نقرأ في تفسير الجلالين {"نَزَلَ بهِ الرُّوح الْأَمِين" جبْريل} وفي تفسير الطبري للآية المذكورة {إن الروح الأمين هو الذي نزل بالقرآن على محمد، وهو جبريل} وهنا تفسير القرطبي:
{إن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك؛ كما قال تعالى: "قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك"- البقرة : 97- أي يتلوه عليك فيعيه قلبك. وقيل: ليثبت قلبك} فهل نستنتج أنّ الروح في القرآن يعني النار؟ لو كان كذلك لما تردد محمد في إجابة سائليه عن الروح في الآية 85 في سورة الإسراء (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) هذا بغضّ النظر الآن عن الوحي وصوره أو عن طريقة اتصال الله بالبشر والوارد في سورة الشورى: 51 (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم) كي لا يتشعّب الموضوع]

لكنّ هنا قصة الخلوة في حراء وبدء الوحي- كما في الصفحة 138 من كتاب الشخصية المحمديّة:

((كان من نسك قريش في الجاهلية أن يذهب من أراد التحنث منهم ممن كان من المتألهين أو المتحنفين إلى حراء، وأن يأخذ معه الزاد فيطعم هناك من جاءه من المساكين، وكانوا يفعلون ذلك في شهر رمضان، قال ابن الأثير: وأول من تحنث بحراء عبد المطلب فكان إذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين، ثم تبعه على ذلك من كان يتأله كورقة بن نوفل وأبي أمية بن المغيرة (السيرة الحلبية 237:1) وكان محمد بعد تزوجه خديجة– كما صرح به صاحب السيرة الحلبية– يذهب إلى حراء ويطعم المساكين جرياً على هذه العادة (المصدر السابق) وقد ذكروا أن محمداً حُبّبت إليه الخلوة، وإن ذلك كان في المدة التي كان فيها مبشراً بالنبوة. وقد علمت أن هذه المدة هي الأشهر الستة التي هي النصف الأخير من السنة التاسعة والثلاثين من عمره. ومن حبه للخلوة في هذه المدة يُستدَل على أنه قد صمم على القيام بالدعوة، وكانت فكرة النبوة قد اختمرت في نفسه ونضجت كما تقدم بيانه. فحُبّه للخلوة أمر طبيعي لأنه أصبح في حاجة إلى التفكير في وضع الأساس الذي تقوم عليه الدعوة. وفي هذه المدة التي حببت فيها إليه الخلوة اتفق أن جاء شهر رمضان الذي كان يخرج فيه إلى حراء جرياً على عادة المتألهين من قريش، فرأى محمد أن مجيء رمضان وهو في تلك الحالة من حب الخلوة فرصة له ينتهزها للاختلاء في حراء والانقطاع فيه عن الناس ليتسنى له التفكير فيما يريد. فخرج إلى حراء كما ذكروا في كتب السير في هذا الشهر، أعني شهر رمضان الذي ينبغي أن يكون آخر الأشهر الستة الأخيرة من السنة التاسعة والثلاثين، أو أول شهر من السنة الأربعين، لأنهم ذكروا أنه تنبأ على رأس الأربعين كما جاء ذلك في حديث أنس بن مالك، وهنا غلطة من الرواة يجب تصحيحها وهي أنهم ذكروا أنه خرج إلى حراء ومعه أهله أي خديجة أما مع أولادها أو بدونهم، ولا يجوز أن يكون ذلك صحيحاً لأنه ينافي الغاية المقصودة من خروجه إلى حراء وهي الخلوة، ولا تتأتى له الخلوة ولا الانقطاع عن الناس إذا كان أهله معه في حراء، وقد صحّحنا ذلك في غير هذا الموضع، انظر مقالنا بعنوان (قوة خياله) أي [الصفحة 95 في كتاب الرصافي الذي على الإنترنت]

قضى محمد في غار حراء ست عشرة ليلة من شهر رمضان، فلما كان في الليلة السابعة عشرة جاءه جبريل. ولنذكر لك كيف جاءه كما ذكره ابن إسحق من رواية وهب بن كيسان عن عبيد بن عمر بن قتادة عن رسول الله:
قال رسول الله: فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: إقرأ، قلت: ما أقرأ، قال: فغتني به حتى ظننت انه الموت [غتّه أي غمّهُ وخنقهُ- المنجد في اللغة والأعلام] ثم أرسلني فقال: إقرأ، قلت: ماذا أقرأ، ما أقول ذلك إلا افتداء منه أنه يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: (إقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم) (سورة العلق 1-5) قال: فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني، وهببتُ من نومي فكأنما كتب في قلبي كتاباً، قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل (السيرة الحلبية 238:1 باختصار) الخ... الحديث

إن قوله (جاءني جبريل وأنا نائم) وقوله في الأخير (وهببت من نومي) صريح في أن ما رآه هو رؤيا منامية، وأنها ليست من قبيل تلك الرؤيا الخاصة به التي يراها في أثناء نوبته العصبية.

وإذا علمت ما كان يتفكر فيه وهو في حراء لم تتعجب من رؤياه هذه، بل لم ترَ شيئاً طبيعياً أكثر منها.

لاريب أن محمداً بعد تصميمه على القيام بالدعوة ما كان يفكر إلا في وضع الأساس الذي تقوم عليه الدعوة، وهذا الأساس يدلنا عليه القرآن، فنحن إذا تدبرنا القرآن جيداً عرفنا هذا الأساس ما هو.

وذلك أننا إذا صرفنا النظر عمّا في القرآن من قصص الأنبياء وأخبار الأولين، وجدناه يضرب على وترين، ويتكلم عن أمرين عليهما مدار الكلام فيه دائماً وأبداً، أحدهما وحدة الإله وترك الشرك ونفي الأنداد، والثاني الحياة الأخرى وما يتعلق بها من البعث بعد الموت والجزاء والجنة وجهنم.
فإن محمداً جعل هذين الأمرين أساساً للدعوة، إذ كان يقول للناس آمنوا بالله وحده لا شريك له، فإن آمنتم فأنتم في الجنة، وإن لم تؤمنوا فأنتم في جهنم، فإنكم مبعوثون بعد الموت لا محالة. ولم يفتكر فيما عدا ذلك في أول الأمر بل تركه لما تجيء به الحادثات من البواعث والدواعي، وذلك يسمّونه بأسباب النزول.
وبعد وضع الأساس على هذا النحو أخذ محمد يفتكر في الصورة التي تقوم بها الدعوة، وبعبارة أخرى في الواسطة التي يؤدي بها الدعوة)) انتهى

---------------

إذاً قصّة جبريل وهميّة من خيال محمد الذي كانت له القدرة الفائقة في التصوّر وتجسيد الخيال لدرجة جعله حقيقة ناطقة ومسموعة!
فلا نزل جبريل ولا صعد وليس له اتجاه فلا أتى صوب الأرض من جهة الزّهَرَة ولا من جهة المرّيخ!
والمزيد عن النزول والإنزال والتنزيل في حلقة قادمة قريباً-
مع محبتي


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe