السبت، 31 أكتوبر 2009

ابن طفيل فيلسوف العقلانية


محمد نبيل الشيمي


ولد أبو بكر محمد بن عبد الله ابن طفيل في وادي أش أحد أقاليم غرناطة ويختلف المؤرخون حول تاريخ مولده فمنهم من يذكر أنه ولد عام 1106م/ 500هـ في حين يرى آخرون أنه ولد عام 1110م / 506هـ أما الدكتور عبد الرحمن بدوي يري أن مولد ابن طفيل كان في العشر الأولى من القرن الثاني عشر أي بين 495 إلى سنة 505 هـ
اشتهر ابن طفيل بأنه كان عالماً واسع الإطلاع مثقفاً رفيعاً حفظ القرآن الكريم في مرحلة مبكرة من حياته وكان ملماً بالحديث النبوي فضلاً عن شدة ولعه بالفلسفة مع إلمامه بالعلوم الطبية وأسرار علم الفلك ... وكانت الفترة التي اقترب فيها من الخليفة أبي يعقوب يوسف (أحد ملوك الموحدين) أهم فترات حياته فقد كان أبو يعقوب مشجعاً وقريباً من العلماء والمفكرين ويجلهم ومن ثم كانت هذه الفترة مرحلة فارقة في حياة ابن طفيل حيث أبدع وفكر وقدم للفكر الإنساني الكثير وكان يجمع حوله المشاهير من العلماء والمفكرين وأشهرهم ابن رشد حيث استدعاه بن طفيل ليشرح كتب أرسطو في حضرة الخليفة .
على الرغم من إسهامات ابن طفيل في مجالات العلوم والفلسفة فإنه لم يحظ بما حظي به من هم أقل منه شأناً ومعرفة فهو كما تقول د. سمر العطار "ابن طفيل عالم عربي منسي ومدفون تحت غبار التاريخ رغم تأثيره الواضح على العديد من مفكري أوربا في أوائل العصر الحديث " كان ابن طفيل فيلسوفاً يقدم العقل والتفكير على ما عداه رغم أنه لم يكن معاديا ًللتصوف وكانت فلسفته عبارة عن عصارة أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن سينا وفيها رائحة فكر المتصوفة ومذهب أخوان الصفا .. وقد تغلبت آراء المعتزلة على تفكيره حيث سلك الطريق الذي يجعل العقل سبيلاً إلى الله وكان يرى أهمية إطلاق قوى العقل من قيود المادة وفي هذا الصدد وقف ابن طفيل سدا منيعاً أمام المعتقدات التقليدية التي انتشرت خلال القرن الثاني عشر وقد ركز في رواية حي بن يقظان على ضرورة أن يعتمد الإنسان على عقله وألا يكون خاضعاً لسلطة أحد وأن أحداً من البشر ليس في مقدرته أن يفرض رؤيته على الآخر أو يحتكر الحقيقة لنفسه وقد كانت روايته المشار إليها كما تقول د. سمر العطار من أهم الكتب التي بشرت بالثورة الصناعية وأفكار هذه الرواية مثبوتة بشكل أو بآخر وبدرجات مختلفة في في كتب الفلاسفة الكبار كجون لوك وجان جاك روسو وفولتير ... كانت روايته تحمل قيم المساواه والحرية والتسامح وهي القيم التي مهدت للثورة الفرنسية .


ومن المفكرين من يرى أن رواية حي بين يقظان أحدى الروائع الفكرية فهي ذاخرة بفكر فلسفي عميق استهدف منها ابن طفيل بيان اتفاق العقل والنقل (الدين الفلسفة ) وشرح سيرة المعرفة الإنسانية والكشف عن قدرات الإنسان المعرفية والعقلية أمام ما يقابله الإنسان من غيبيات وكيف يرقى بنفسه إلى عالم المعرفة الصحيحة القائمة على الحس والتجربة وحي بن يقطان بهذا الفهم هو رمز العقل الإنساني المتحرر من كل معرفة سابقة وهو بذلك يهتدي إلى نفس الحقائق التي جاء بها الإسلام .
والملاحظ ان ابن طفيل اختار لروايته إسماً يدل على عمق معرفي لديه (حي بمعنى عائش أو على قيد الحياة ـ يقظان بمعنى منتبه) ولهذا بعد فلسفى لديه حيث اتصور أنه ربط بين ضرورة أن يكون الإنسن مستيقظاً متنبهاً قادراً على الكشف عن الحقيقة واكتساب المعارف وينطلق فكر ابن طفيل ليقرر أن الإنسان يمتلك القدره بما يملكه من عقل على إدراك أسس الفضائل والأخلاق وأخضاع الشهوات الجسدية لحكم العقل دون إهمال الغرائز الطبيعية .
التوفيق بين الفلسفة والدين :-
شغلت قضية التوفيق بين الفلسفة والدين ابن طفيل وكانت هذه القضية أحد أهم القضايا الفلسفية التي خاضها الفلاسفة ومنهم الكندي في العصر العباسي وتعرض بسببها إلى السجن في معتقلات المعتصم العباسي ، وكان ابن طفيل من الذين أخذوا على عاتقهم توضيح واثبات أن لا تناقض بين الفلسفة والدين أي لا يوجد أي اختلاف بين أحكام الدين وما يدركه العقل بنفسه من قيم الحق والخير والجمال فضلاً عن أن الحكمة التي أرادها الشارع الحكيم تكمن في مخاطبة الناس على قدر عقولهم دون كشف عن حقائق وأسرار الحكمة وأن الخيرللناس مع التزام حدود الشرع وترك التعمق .
رأى ابن طفيل أن العقل نور من عند الله وأن الشريعة أيضاً وحي من الله وهو سبحانه المصدر الواحد للعقل والدين من ثم فلا يوجد أدنى إمكانية للتناقض أو الاختلاف بينهما حتى ولو كان هناك خلافاً فهو مجرد خلاف ظاهري لا يمتد إلى الباطن (خلاف في الشكل لا في الجوهر) وإن كان هناك خلاف ظاهري فهو ناشىء من عقلية البشر ونقص في القدرات العقلية للإنسان وعندها يعجز الإنسان عن إدراك الوحدة بين الفلسفة والدين ... أى ( العقل والشريعة ) ويلاحظ أن هناك تناقضاً بين أحكام الشريعة والحقيقة الفلسفية فعليه أن يعلم أن هذا التناقض ظاهري ووجب عليه أن يفسر الأقوال بما يوافق الفلسفة .
.... أكد ابن طفيل على أن الله خلق البشر بصفقات مشتركة تتمثل فيما حباهم من عقل وميزهم بالطابع الإنساني وأنهم أحرار متساوون ... كان يرى أن قيمة التسامح من القيم الأساسية في أي مجتمع وهو في ذلك ينبذ العنف وعليه أن يتسلح بالعقلانية في التفكير .. وكان يرى أن من اتخذ العنف طريقاً فهو شخص غير عقلاني وغير مدرك بما سوف يؤؤل إليه من نتائج .
ويبقى السؤال ماذا لو أن ابن طفيل بفلسفته العقلانية ما زال حياً يرزق أتصور أنه كان سيلاقى من العنت الكثير بل أنه لم يك ليترك حراً طليقاً فالمتزمتون وأصحاب الأفكار المغلقة المتعلقة بالخرافات والغيبيات المتناقضة مع العلم كانوا سيكيدون له كيدا كان مصيره كمصير الكندي وابن رشد وابن المقفع الذين وقفوا بفكرهم أمام المعتقدات البالية والأفكار الجامدة . ثم هل كان الجكام ليتركون فيلسوفا يدعو للعقل والحكمة وارساء قيم التسامح بين البشر وعدم خضوع الانسان لسلطة أحد سوى قناعاته بأنه على حق وهو مالا يقبله المستبدون من الحكام
... كان ابن طفيل مفكراً عظيماً ... ويوم وفاته عام 1185م / 581 هـ فقد الفكر الإنسان أحد رواده وانطوت صفحة من انصع صفحات الفلسفة العربية ... وانطفأت إحدى شموع العقلانية والوسطية .
المصدر :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- د . خليل الجر / حنا الفا خوري ـ تاريخ الفلسفة العربية (ج 2) دار الجيل ـ بيروت
- د. سمر العطار ـ الجذور الحيوية لعصر التنوير في أوربا تأثير ابن طفيل على الفكر العربي الحديث .ملخص جريدة الشرق الأوسط العدد 10599 ديسمبر 2007 .
- د. رياض نعسان أغاا : خصائص الحضارة العربية الإسلامية ـ ابن طفيل رياض الفكر .
- د. عبد الرحمن بدوي : حي بن يقطان لا بن طفيل تراث الإنسانية / مهرجان القراءة للجميع الهيئة المصرية العامة للكتاب .

 
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe