السبت، 31 أكتوبر 2009

ابن المقفع شهيد الرأي


محمد نبيل الشيمي


ثقافة عبدالله بن المقفع كانت وبالاً علية وسبب محنته التي انتهت بقتله كما يقال بدم بارد .. هذا الأديب المرموق الذي جمع بين ثقافات عديدة (الفارسية / الهندية / اليونانية / العربية) صنع منها كوكتيلاً فكرياً فريداً لم يبلغه أحداً من أقرانه في عصره ... كان يتسم أدبه بسلاسة لا نظير لها وكان لسانه ينطق فصاحه وبلاغه ... وكان هذا كان كفيل بأن يقوده إلى الموت على أيدى الطغاه الذي ضاق صدرهم من حرية الرأي والتعبير فكفى الخلفاء أصفيائهم من المنافقين والمتزلفين والمشايعين لرغبات ساكني القصور الذي وصل بهم الحال إلى محاسبة المفكرين والأدباء على سرائرهم حتى لو لم يعلنوا عما في أنفسهم ... وترك ابن المقفع قبل استشهاده كتابه الأشهر (كليلة ودمنة) وهو مجموعة من الحوارات تدور على ألسنة الحيوانات والطير يقصها (بيدبا) للملك دبشليم وقد طرح ابن المقفع من خلال هذه المحاورات آراءه السياسية في أسلوب الحكم السوي ... وعلى الرغم من أن الشائع عن هذا المؤلف من قيام ابن المقفع بترجمة محتواه عن الفارسية من أصولها الهندية فهناك من يرى أن المؤلف من إبداع ابن المقفع وليس مجرد ترجمة أيضاً ألف كتاب تحت اسم الأدب الصغير والأدب الكبير والأدب الصغير مجموعة من الوصايا الخلقية والاجتماعية التي تقود الناس إلى الصلاح في الحياة وفي العلاقة بعناصر المجتمع ... أما الأدب الكبير فيتناول (السلطان الحاكم )وما يتصل به من السياسة والحكم والصداقة وصفات الصديق الصالح .
أما الرسالة في الصحابة .. فقد كتبها وأرسلها إلى المنصور ولم يفته أن ينعت المنصور بأفضل الصفات ويمدحه ويؤكد على أنه أفضل من البيت الأموي ثم انتقل إلى توجيه الخليفة بعدد الوصايا كالاهتمام وضمان أرزاق جنود الدولة في خراسان وأن يضع بشأنهم قانون يحول بينهم وظلم الحكام حتى تكون حياتهم هادئة ... وتضمنت الرسالة توصية المنصور بأن يهتم برعاياه من السكان الذين ظلموا خلال حكم بني أمية فضلاً عن اقتراح أن يصدر الخليفة كتاباً ملزماً للفقهاء للعمل وفق أحكامه وعدم الاختلاف بينهم بما يوفر الاستقرار للأحكام ورغبة من ابن المقفع إرضاء المنصور ولإدراكه مقته وكرهه الشديد لأهل الشام فإنه في رسالته طلب الاحتياط منهم مع الشدة عليهم بعدل .
لكن المنصور المعروف عنه ضيق الصدر والأخذ بالظن فيما يتعلق بملكه ومن ثم كان يتم محاسبة المشكوك في أمره بأشد العقوبات وكان الجزاء في الغالب القتل وكان من أول ضحاياه أبو مسلم الخراساني الذي يعده المؤرخون أحد أهم دعائم الدولة العباسية والذين كان لهم باع كبير في توطيد أركانها وكان أيضا مصير ابن المقفع القتل بأمر من المنصور قام سفيان بن معاوية والي البصره بقتله بطريقة يشيب لها الولدان فقد قام بتقطيع جسمه جزءاً جزءاً ويضع كل قطعة في النار ... يراها ابن المقفع بعينه تحترق حتى مات وكانت التهمة جاهزة فقد اتهموه بالزندقة والواقع لم يكن كذلك فقد كان المنصور كغيره من الملوك طاغية مستبداً ... ولذا كان يعمل على تفريغ المجتمع من المخالفين في الرأي بإرهاب وتصفيه الكتاب والمفكرين ... وما زال يحدث ذلك في زماننا وإن تغيرت أساليب ووسائل الإقصاء والتعذيب ... ابن المقفع ما زال حياً بيننا بما أنجز وأعطى للإنسانية ولكن المنصور ومن على شاكلته لم يبق لهم في ذاكرة التاريخ غير وصفهم بالسفاحين ... حتى ولو كان لهم من الإنجازات الكثير .
 
 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe