السبت، 31 أكتوبر 2009

لفت الإنتباه عن المسمّى حديث الله

رياض الحبيّب


كتب السيد سمير إبراهيم خليل حسن مقالة تحت عنوان “متى يكون ٱلقول حديثاً؟” ردّاً على تعليق قبلتُ به التحدّي القرءاني الذي أورد الكاتبُ من القرءان في مقالة له سبقتِ المقالة المذكورة. وبما أنّ التحدّي القرءاني قائم فإني أرى من حقّ القارئ-الكاتب القبول به إمّا استطاع، علماً أنّي نوّهت في إحدى مقالاتي بأنّ التحدّي القرءاني غير عقلاني، لأنّ لكلّ كاتب أسلوباً مختلفاً عن غيره- كما اختلفتْ بصمة إبهامه عن تلك التي يبصمها غيره. هذا باستثناء اختلافات أخرى منها الزمني والروحي والثقافي. ومن المستحيل تالياً أنْ تتشابه بصمة المخلوق مع بصمة الخالق- إنْ جاز التعبير. لكنّ السؤال المُلحّ المطروح منّي- ومن غيري- هو: هل كان القرءان من بصمات الله؟!

هنا ما أورد السيد سمير إبراهيم خليل حسن في بداية المقالة المذكورة- في الحوار المتمدن- العدد: 2695 المؤرَّخ في 2009 / 7 / 2 مع الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176879

(( تلوت ما كتبه ٱلسيد "رياض ٱلحبيب" على مقالى "ما كَذَب ٱلفؤاد ما رأى". وفيه أعلن قبوله ٱلتحدّى وصنع ما يظنّه حديثًا مثل حديث ٱللّه. وممّا قاله وهو يتحدّى قول ٱللّه "فَليَأتُواْ بحَديثٍ مِّثلِهِ إِن كانُواْ صَـٰدِقِينَ":
(أفبعدما تقبّلْنا ءايات التحدّي تحدّانا النبيّ ءَنْ فاٌءْتوا بحديث13
يا ءَيّها النبيّ كفى تحدّياً قلْ لا بلاغة في التكرار إنّا قبِلْنا بتحدّيك فهلْ لكَ من مُغيث14
ولقد ترَكْنا التحكيم لقرّاء ذكوراً وإناثاً فليَحْكمْ مِّنهمْ مَنْ شاء إنّ أكثرَهُمْ لصّادقون عسى ءَلّا يكون منهم الخبيث15)
ولأنّه ترك ٱلتحكيم لمن يحكم ووصف مَن ينصره فى ظنّه بٱلصدق ومَن يكشف عن عورات قوله بٱلخبيث فقد جئت بحكمى على عورات نفسه ٱلتى يظهرها قوله ٱلظّنون لأبيّن له ولمن يصدقون ظنونه أنّ قوله ليس فيه من ٱلحديث أمرا.
فأوّل أمر على مَن يظنّ أنّه أتى بحديث مثل حديث ٱللّه أن يخطَّ حديثَه بخطٍّ لم يخطّه أحد من قبل يدلُّ فيه قوله على مفهومه ومفهوم كلمته ومفهوم عدّته بلسان قوم يخطُّون قولهم بخطٍّ أَخر ٱكتسبوه ميراثا عن ءابآئهم أوۤ أخذوه عن وارثين أخرين.
وعليه أن يعلم بما فى خطِّ ٱلقوم من عدّة للقول ومن دليل للعدّة ومن وسيلة لتكوين ٱلكلمة فى ٱلقول.
فما صنعه ٱلسيد "رياض" هو سرقة خطٍّ ٱستعمله بجهل فى كيف تتكوّن ٱلكلمة. فكتب لغوا كلمة يَٰأَيُّهَا" وكلمة "أَن" وكلمة ألّا" محرفًا سرقته بمسوخٍ "يا ءَيّها" و"ءَنْ" و"ءَلّا")) انتهى

ولقد قمت بالردّ على بعض المقاطع الواردة في مقالته بتعليق من ثلاثة أقسام، يستطيع القرّاء الكرام العودة إليها عبر الرابط المذكور أعلى.

أمّا اليوم فقد اخترتُ الردّ على المزعوم "حديث الله" من كتاب الشخصيّة المحمّدية أو حلّ اللغز المقدّس- للمؤلّف معروف الرصافي- مورداً عن كتابه نقلاً أميناً وواضعاً كلامه بين قوسين متوسّطين {} وموضّحاً بين قوسين كبيرين [] بعض المفردات التي أشار إليها الرصافي في مواضيع سابقة. حيث قرأتُ في الصفحة 605 موضوعاً لافتاً هو “آيات التحدّي في القرآن” ورد فيه:

{ولا شكّ أنّ “الحديث” الوارد في قوله "فليأتوا بحديث مثله- سورة الطور: 34" يشمل الكثير والقليل حتى إنه يصدق على آية واحدة من القرآن، والإتيان بمثله في آية واحدة أو آيتين لا يجوز أن تتم به المعارضة، بل لا يجوز أنْ يُعَدّ معارضة أصلاً، لأنّ ذلك سهل متيسّر لكلّ أحد. ففي الآيات القرآنية ما هو عبارة عن كلمة واحدة نحو (مدهامتان- الرحمن: 64) فإنها آية قرآنية وإنْ كانت كلمة واحدة. على أنّ الإتيان بمثله في آية أو آيتين هو مما وقع في أيّام نزول القرآن من المسلمين ومن الكفار. ففي الإتقان [الإتقان في علوم القرآن- جلال الدّين السّيوطي] قال:

وأخرج مسلم [صحيح مسلم] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنّ يهوديّاً لقي عُمَر بن الخطّاب فقال له: إنّ جبريل الذي يذكره صاحبكم [أي محمد- رسول الإسلام] عدوّ لنا، فقال عمر: (من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوّ للكافرين- البقرة: 98)

قال [في الإتقان أيضاً]: وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جُبَيْر أنّ سعد بن معاذ لمّا سمع ما قيل في أمر عائشة (أي في الإفك) قال: سبحانك هذا بهتان عظيم- النور: 12) فنزلتْ كذلك.

قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لمّا أبطأ على النساء الخبر في أحُد [معركة أحُد التي انكسر فيها المسلمون] خرجن يستخبرن، فإذا رجُلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله؟ قال: حيّ، قالتْ: فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء (تعني قتلى أحُد) فنزل القرآن على ما قالت: (ويتخذ منكم شهداء- آل عمران: 140)

وفي الإتقان أيضاً: قال ابن سعد في الطبقات [الطبقات الكبرى لابن سعد] أخبَرَنا الواقدي:
حدّثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال: حمل مصعب بن عُمَيْر اللواء يوم أحُد فقطِعَتْ يدُهُ اليمنى، فأخذ اللواءَ بيده اليسرى وهو يقول: (وما محمد إلّا رسول قد خلتْ من قبله الرسُل أفإنْ مات أو قتِل انقلبتمْ على أعقابكم- آل عمران: 144) فقطِعَتْ يدُهُ اليسرى، فحنى على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلّا رسول... إلخ ثمّ قتِل فسقط اللواء. قال: وما كانت هذه الآية نازلة يومئذ ثمّ نزلتْ بعد ذلك- الإتقان 35:1

فهولاء مسلمون من أصحاب رسول الله قد أتى كل منهم بحديث لم يكن قرآناً، ثمّ نزل به القرآن فصار قرآناً. وقد وقع مثل ذلك لبعض الكفار أيضاً، فقد ذكروا عن النُّضْر بن الحارث أنه كان إذا جلس رسول الله مجلساً يحدّث فيه قوماً ويحذرهم ما أصاب من قبلهم من نقمة الله يخلفه في مجلسه، ويقول لقرَيش: هلمّوا فإني والله يا معشر قريش أحْسَنُ حديثاً منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس. قال صاحب السيرة الحلبية: ولمّا تلا (أي النبي) عليهم نبأ الأولين، قال النضر بن الحارث: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا (إنْ هذا إلّا أساطير الأوّلين- سُوَر الأنعام: 35 والأنفال: 31 والمؤمنون: 83 والنحل: 27) وهذا الكلام حكاه القرآن بعد ذلك فصار آية قرآنية.

قال صاحب السيرة الحلبية: وعند ذلك أنزل الله تكذيباً له (أي للنضر): (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا- الإسراء: 88) ففي هذه الآية لم يتحدّهُم بحديث أو سورة أو بعشر سور بل بمثل القرآن كلّه! ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن أبي سرح فكان سبباً لارتداده على الأصحّ. وذلك أنّ عبد الله هذا أسلم وكان يكتب الوحي لرسول الله، فاتفق يوماً أنْ كان رسول الله يُملي عليه آية نزلتْ، فأملى عليه: (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين- المؤمنون: 12) فكتبها، ثمّ أملى: (ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين- المؤمنون: 13) فكتبها، ثمّ أملى: (ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثمّ أنشأناه خلقاً آخر- المؤمنون: 14) فلمّا كتب ذلك عبد الله تعجّب من تفصيل خلق الإنسان، فقال: (فتبارك الله أحسن الخالقين- المؤمنون: 14) فقال له رسول الله: أكتب ذلك، هكذا نزلتْ! فوقع من ذلك في نفس عبد الله ريب، فقال: إن كان محمد يوحى إليه فأنا يوحى إليّ، فارتدّ عن الإسلام ولحق بمكة وصار يقول لقريش: إني كنت أصرف محمد كيف شئت، كان يُملي عليّ: عزيز حكيم [أو غفور رحيم- في سيرة ابن هشام 4: 38-40] فأقول: أو عليم حكيم، فيقول: نعم كلٌّ صواب، وكلّ ما أقوله يقول: أكتبْ هكذا نزلتْ!- السيرة الحلبية 3: 90

فمِنْ هذا يظهر أنّ الإتيان بآية أو آيتين مثل القرآن أمر سهل قد يتفق لكل أحد أنْ يأتي به، فتحدّيهم بأن يأتوا بحديث مثله غيرُ صحيح ولا مأمون فيه سوء العاقبة. فلذا عدَلَ عنه محمد متدرّجاً في التحدّي إلى ما هو أعلى من ذلك، فجاء بالآية الثانية: (قل فاٌأتوا بسورة من مثله- يونس: 38) ولم يقف عند هذا الحدّ حتى جعلها عشر سُوَر، ثم ارتقى إلى ما يقتضيه التحدي الصحيح الذي يتعذر أو يستحيل عادة أن يجيبه إليه أحد، وهو تحديهم بأن يأتوا بمثل القرآن من دون قيد بحديث أو سورة كما قال في الآية الأخرى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ...إلخ- الإسراء: 88) وهذا التحدي الذي ترجع فيه المعارضة خائبة خاسرة بلا شك ولا ريب. ولذا نراه يتكلّم بجرأة واطمئنان واثقاً بعجزهم عمّا يريد منهم، حتى أنه لم يتحَدّ الإنس وحدهم بل جعل الجنّ لهم معاونين تهويلاً عليهم وتأكيداً لعجزهم} انتهى كلام الرصافي- رحمة الله عليه.

علماً أنّ كتب السيرة المحمدية أشارت إلى أنّ محمّداً قتل النضر بن الحارث بيده- ففي سيرة ابن هشام 2: 285 لما قتل النضر بن الحارث بالصفراء بعد انكفائه من بدر، لما استوقفته ابنته قتيلة يوم فتح مكة وأنشدته قولها- من بحر الكامل:

يا راكباً إن الأثيل مظنة... عن صبح خامسة وأنت موفقُ
أبلغ به ميتاً فإن تحية... ما إن تزال بها الركائب تخفقُ
مني إليه وعبرة مسفوحة... جاءت لمائحها وأخرى تخنقُ
أمحمدٌ يا خير ضنء كريمة... في قومها والفحْل فحل معرقُ
النضْر أقربُ مَنْ قتلتَ قرابة... وأحقهم إن كان عتق يعتقُ
ما كان ضرّكَ لو مننتَ وربما... مَنّ الفتى وهو المغيظ المحنقُ
فقال النبي: لو سمعتُ شعرَها ما قتلته

أمّا عبد الله بن سعد بن أبي سرح فهو من الستة الذين أمر محمد بقتلهم سنة “فتح” مكة ولو تعلقوا بأستار الكعبة، على رغم محاولة عثمان بن عفّان التشفع له متوسّلاً! وهو الذي أنزل محمد فيه قوله (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ)- الأنعام: 93
فيا للهول! ولكنّ تعليقي لم ينتهِ بعد، كما أنّ باب التحدّي لا يزال قائماً. فقد استغرق محمد ثلاثاً وعشرين سنة في تأليف القرءان. ولو عاش مدّة أطول لأنزل من اللوح المحفوظ آياتٍ أخر- حسب الحاجة! ويا ليت شعري هل “اللوح المحفوظ في السماء" معلوم الأبعاد (أي الطول والعرض والإرتفاع) أم أنّ سعته نسبيّة ومرنة، قابلة للتمدّد بحسب عمر محمد؟ علماً أنّ القرآن يمثل- منطقيّاً- نسخة اللوح المزعوم، أي النسخة منه التي على الأرض.


هنا سورة التحدّي- غير قرءانيّة- مهداة إلى أحبّائي من قرّاء الحوار المتمدّن:

ألا أيّها الرسول قل هكذا نزلتْ فالويل لمن كذب رسولاً مأموراً من ربّه بقتل مكذبيه 1
إنّ ربّك ليغفر ما تقدّم من ذنوبك وما تأخر فافعل كلّ ما بدا لك من أمر كريه 2
مَنْ ذا يتجرّأ على أنْ يأتي بحديث منسوب لربّك من قبل تنزيله ومن ذا يعترف به كفقيه 3
إنّما أقوال ربّك حكرٌ على لسانك يهتدي بها من شاء ربّك له أن يهتدي أو فليضلّ بها من شاء ربّك له أن يَتيْه 4
قلْ نُزِّل القرءان عربيّاً إنما لتتحدّى بلغته الناطقين بها بلْ يأتي بشيء ما مثله أو خيراً منه إمّا المغضوبُ عليه أو المعتوه 5
يا أيّها النبيّ ما كانتِ الشبكة العنكبوتيّة في حسبان ربّك ولا راودتْ بَالهُ الفضائيّاتُ ولا عُدّ منْ أسمائه الحُسنى النبيْه 6
..............

فأتمنى أخيراً على الأخ والكاتب والفقيه السيد سمير إبراهيم خليل حسن أن يتفضل بإبداء رأيه مجدداً في موضوع "حديث الله" والذي أفرَدَ له مقالة تحت العنوان- متى يكون ٱلقول حديثاً؟- بعدما قمتُ بعرض مبسّط للقول الذي صار “حديثاً” مستشهداً بشيء ممّا ورد في كتاب أديب العراق العظيم- معروف الرصافي- فهل يُمعن السيد سمير إبراهيم خليل حسن النظرَ في هذا العرض أم سيغضّ بالطرْف عنه؟ إنّ الله قطعاً أعْظم وبالحديث مِنّا أعْلم!

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe