السبت، 9 يناير 2010

تجريم الخطاب الصحوي

تجريم الخطاب الصحوي


نضال نعيسة



لا يعنيني الفكر الشيعي، إلا بقدر ما يعنيني الفكر الوهابي، ورموز هذا التيار مع ذاك هم بالنسبة لي بشر أكن لهم المودة والاحترام بناء على إنسانيتهم فقط، وليس لأي اعتبار آخر، وبالرغم من اختلاف الآراء معهم. ومع الاعتراف بأن هناك ناظماً مشتركاً بين جميع المذاهب والأديان ومهما ادعت وزعمت عن خلاف وافتراق، فجوهر الفكر الديني واحد في كل الحالات، وهو التسليم بالأسطورة الدينية في النظرة الفلسفية للكون والوجود وتفسير سر الحياة، والإقرار بأن الله هو خالق كل الأشياء. ومن هنا فلست من أنصار لا هذا ولا ذاك، ولست في معرض الدفاع عن أحد على الإطلاق، غير أنه، ومن وجهة نظر قانونية وإنسانية، من الضروري، جداً، التصدي، وبآليات قانونية محضة، للتحريض وبث الكراهية، للجم الاندفاع الصحوي المحموم وتجريمه وإصدار التشريعات والقوانين التي تجرم وتحاسب كل شطط وانحراف وتطاول على الآخرين، وإن لم يتم ذلك عبر آليات محلية، لأنه أمر مستبعد فمعظم هذه المنظومة المسماة دولاً عربية هي بشكل أو بآخر مجرد إمارات إسلامية تمارس إرهاب الدولة الديني المنظم وتعمل على نشر الكراهية والعنصرية، فمن الواجب اللجوء، وهذه الحال، إلى القضاء الدولي الأكثر مصداقية ونزاهة ووثوقاً لمحاكمة الصحويين والدعويين الذين يتطاولون على الطوائف والمذاهب والأديان الأخرى وممثليها ويعملون على ازدرائها وتحطيطها وتحقيرها وتخوينها، ولدرجة أن بعض العقلانيين ودعاة المركسة، الذين يركبون كل موجة، باتوا يقلدون شيوخ الصحوة في نظرتهم للآخر المختلف والأمثلة أكثر من "الهم على القلب".

ومناسبة هذا الكلام هو تلك التصريحات الاستفزازية والعدوانية والتحريضية المثيرة التي أدلى بها فضيلة الشيخ الداعية الفضائي والنجم التلفزيوني، محمد العريفي ( أليس غريباً أن نجوم ومشاهير هذه المجتمعات هم من الشيوخ والدعاة؟)، وهو خطيب جامع البوادري، بحق المرجع الديني الشيعي العراقي الكبير آية الله علي السيستاني، واصفاً إياه، علناً، بالزنديق الفاجر ووصف العريفي السيستاني بذلك، في خطبة الجمعة بجامع الرياض قبل أسبوعين، وجاء ذلك في معرض مناقشة مقترح الحوثيين بأن يكون السيستاني وسيطاً في حوارهم مع الحكومة اليمنية، معتبراً ذلك خبثاً من الحوثيين ‘’إذ لم يختاروا شخصية من كبار علماء السعودية أو مصر بل اختاروا شخصاً زنديقاً وفاجراً’’ حسب ما قال. هكذا بكل بساطة وعلى الملأ. ولا يعرف في الحقيقة معيار الزندقة والفجور في فكر هذا الشيخ الفاضل، إلا إذا كان الاختلاف بالرأي والمعتقد هو زندقة وفجور بحسب ثقافة وفكر الشيخ العريفي وهو بالضرورة والمآل يعبر عن ثقافة ومخيال وعقل جمعي عام لديه مثل هذه القناعات ومتجذرة في بواطن التيار الجمعي العام.

هذا التلعين المخيف والمرعب، وبكل عصبوية وعنصرية واستعلاء، والمنفلت والخارج عن السيطرة، وقبله تصريحات الشيخ القرضاوي بحق المواطنين المسيحيين وضرورة مقاطعتهم، هو في صلب ثقافة متداولة تبدو عادية ولا تثير أي هواجس لدى متلقيها، لكنه من منظور قانوني وأخلاقي وإنساني، جناية ومخالفة صريحة للقوانين العصرية والتشريعات الإنسانية الحداثية التي لم تعرف طريقها بعد لهذه المنظومات الدينية المتدروشة المسماة دولاً عربية، حيث بإمكان أي إنسان ها هنا أن يطلق أي كلام على عواهنه، من هذا القبيل، أو أخطر كدعوة للقتل، ودونما خوف من أية محاسبة أو مساءلة قانونية، ومستقوياً بتلك الثقافة الطلقائية التحريضية التي تبيح التهجم على الآخر وازدرائه وتلعينه وتجاهل وجوده كلياً، والحط من قدره، وهي، ذاتها، التي أتاحت لوزير ثقافة من "إياهم"، كي يصرح، وعلناً ومن منبر إعلامي عام، بأننا يجب أن نمكن اللغة العربية فقط من أجل تعلم القرآن والحديث النبوي نافياً عنها وظائفها الحيوية والإنسانية والجمالية والعملية الأخرى، متجاهلاً وناكراً، من خلال هذا القول إلا إذا كان "سماحته" لا يعرف ما يقول ومغزى الكلام، حق آخرين في تعلم هذه اللغة لأنهم لا يدينون بالإسلام، أي تكفير بطريقة ذكية جداً فكل من لا يقرأ القرآن ولا يحفظ الحديث لا يجب أن يتعلم لغة العربان، هكذا، وسط غبطة وفرح وحماس وتأييد مطلق، غير مفهوم من قبل المذيع المعجزة، وفلتة زمانه الآخر، الذي كان يصغي لـ"فتوى" فضيلة وزير ثقافة الطلقاء ، بشيء من الخشوع والتقوى والورع والهيام و"براءة الأطفال في عينيه" وبالإذن من فايزة أحمد ونزار. ماذا تختلف تصريحات هذا الوزير الثقافوي الهمام، الحارس العنيد لثقافة الطلقاء، عن تصريحات العريفي بحق السيستاني، وتصريحات القرضاوي بحق المسيحيين، حين أنكر عليهم الاحتفال بأعياد المجيد وقال بما معناه أن هذه البلاد هي فقط لاحتفالات المسلمين، دون غيرهم، علماً بأن اليهودية والمسيحية كانت ديانة معظم الناس في هذه الأصقاع قبل مجيء الإسلام بوقت طويل؟

يجب ألأ تمر تصريحات فضيلة الشيخ العريفي من دون توقف ومناقشة، ودراسة أبعادها المستقبلية الخطيرة على بقاء ووجود هذه المجتمعات، وشرح خطورتها القانونية، وأن يتم إيضاح مدى ما تسببه من أذى وضرر على صعيد الوحدة والتلاحم المجتمعي الضروري لبقاء واستمرار هذه الشعوب والمجتمعات التي ستفتك بها، ولاشك هذه التيارات التحريضية، ومخطئ من يظن نفسه بمنأى عن تلك النيران التي يوقدها بين حين وآخر، ويسمح بها لمثل هؤلاء ويوفر لهم المنابر ووسائل الإعلام. نعم لقد ارتكب الشيخ العريفي جناية السب والقذف والشتم العلني واستخدام الألفاظ النابية التي يحاسب عليها القانون في كل مكان فيه قانون، وفي كل البلدان التي تلتزم بالتشريعات العصرية والإنسانية الحديثة.

الخطاب الديني الصحوي التحريضي، الممول والمحتضن رسمياً من الإمارات الدينية الاستبدادية التي تهيمن على شعوب المنطقة، هو فكر تدميري تفجيري حربجي صدامي واستفزازي وقتالي وفوضوي بشكله الحالي، وفوق ذلك كله هو غير إنساني أو أخلاقي ولا قانوني، ويشكل خطراً على الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي لاسيما في عالم يتوجه نحو التعولم والاندماج وفتح الحدود وتلاقح الشعوب والثقافات والحضارات، وبات من الضروري وضع الضوابط والأطر والنواظم القانونية المانعة لتسببه في كوارث مجتمعية وحروب أهلية قادمة، لا تبقي ولا تذر، إذا ما ترك على غاربه تحت سمع وبصر الخلفاء وولاة أمر وأئمة المسلمين وحكوماتهم. نعم لقد بات من الضروري والواجب تجريم هذا الفكر، وقبل ذلك كله، تجريم أصحابه ومردديه والحجر على عليهم في مصحات نفسية وعقلية وإعادة تأهيلهم إنسانياً، وأخلاقياً، وقانونياً (لا تنسوا أيضاً بطريقكم سماحة الوزير الثقافوي ذاك، ما غيره)، وباعتبارهم يشكلون جميعاً مصدر خطر حقيقي على هذه الشعوب، والمجتمعات والإنسانية جمعاء.

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe